الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الفلسفة والعلم (2)

12 ابريل 2008 00:55
العلم هو الآخر يبدأ شوطه من خبراتنا التي تقع عن طريق الحواس أو في مجال التفكير، ثم يعلو على هذه الخبرات درجة بأن يصوغ الصياغات العامة (القوانين العلمية ) التي تطوي في تعميمها هذه وتلك، وتلك الحالات الجزئية المفردة مما نصادفه في حياتنا اليومية أو في حياتنا العلمية على حد سواء، ثم تأتي الفلسفة لتكمل دورها سائرة في الاتجاه نفسه ومستخدمة المنهج ذاته، وذلك بأن تتناول الأحكام العامة التي وصلت إليها العلوم المختلفة، لتحلها وتردها إلى الأصول الأولى التي منها انبثقت أو التي إليها استندت، وها هنا تلتقي العلوم الرياضية بالعلوم الطبيعية جميعاً في أصولها المنطقية الموحدة، فتكون هذه الأصول العميقة المشتركة هي الميتافيزيقا أو هي ''الفلسفة ذاتها'' كما هو المصطلح عند الفلاسفة القدماء· ينبغي أن يبدأ الباحث من معطيات المشاهدة والخبرة الذاتية، ثم يصوغ أفضل نظرية ممكنة لتفسير تلك المعطيات المباشرة ليعود بالنظرية المفترضة إلى عالم الواقع حتى يلتمس لها التطبيق على وقائع جديدة، حتى إذا ما وجد الباحث أن نظريته هي دون الانطباق الشامل على المجال الواقعي الذي يفترض بها أن تفسره، وجب أن يعدل من تلك النظرية تعديلاً يسد فيها من قصور وإخفاق· كذلك فإن منهج التفكير الفلسفي هو حصيلة من معلومات أولية نغترفها من الخبرة المباشرة ثم إقامة إطار نظري يفسر لنا جوانب تلك الخبرة، ثم تطبيق هذا الإطار النظري نفسه على حقائق أخرى جديدة، فإذا انطبق كان هو المبدأ النظري المقبول في تفسير الكون وظواهره، وإذا عجز عن التفسير الكامل عدلناه بما يسد فيه ذلك العجز · وهكذا، نرى التشابه التام بين النظرية العلمية والمبدأ الفلسفي من حيث المنهج، وإذا كان هناك فرق بينهما فإنما هو في درجة التجريد والتعميم، فبينما يراد للنظرية العلمية أن تفسر أحد جوانب العالم، يراد للمنهج الفلسفي أن يفسر العالم بكل ما فيه· يعتقد البعض أن تطور كل من الفلسفة والعلم تم في استقلال أحدهما عن الآخر وبمنأى عن كل تبادل وتأثير وارتباط بينهما· هذا الاعتقاد هو ما يمكن وصفه بالتصور التقليدي لعلاقة العلم بالفلسفة والذي أشاعته النظرة الوضعية مع أوغست كونت· لذلك يتبين لنا أن الفلسفة والعلم ضروريان ومتلازمان، يكمل أحدهما الآخر، فالعلم من دون الفلسفة قد لا يتوفر فيه العنصر الشمولي والمتعمق الذي يمكن أن يؤدي إلى فهم أفضل للظاهرة الطبيعية، كما انه قد يخلو من النزعة الإنسانية التي تعصمه من التحوُّل إلى طاقة تدميرية مؤذية للبشرية جمعاء، والفلسفة من دون علم تكون اقرب إلى الوهم والسفسطة منه إلى التفكير السليم، الذي يرسم السبل إلى جادة الصواب· ختاماً نقول إن على الفلسفة أن تكون مصاحبة للعلم، وذلك تأكيدا للدور الذي يمكن أن تؤديه الفلسفة وهو أن تكون الوجه الآخر للعلم الذي ينبهه عن مواطن الخلل والزلل أثناء مسيرته، لذلك كله ولكثير غيره تبدو الفلسفة والعلم ضرورة اليوم كما لم تكن في أي وقت مضى، ويترتب على غيابهما فراغ بالغ الخطر لن تسده كل العلوم والمعارف الأخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©