الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصمت علاج لصخب الحياة

الصمت علاج لصخب الحياة
10 يناير 2008 00:56
يهتم الدكتور عبدالوهاب المقالح بالثقافة الشرقية، من خلال تقديمها وترجمتها إلى العربية، حيث نشر الكثير من الكتب الرئيسة عن الفلسفة الهندية والبوذية والأدبين الياباني والصيني· وتمثل مؤلفات المفكر الهندي سوامي برامانندا أبرز ترجمات المقالح، حيث نقل كتابين له إلى العربية (من الإنجليزية) هما ''الصمت كرياضة روحية'' و''التركيز والتأمل''، كما قدّم وراجع ترجمة كتاب ''مشكلة الحياة والموت'' التي أنجزتها ابنته وعد عبدالوهاب المقالح· في كتاب ''الصمت كرياضة روحية''، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في صنعاء، يقول سوامي برامانندا أن العلامة الحقيقية لذي العقل الرزين هي صمته وتسامحه ''النحلة، قبل أن تعثر على الزهرة وتتذوق الرحيق، تصدر طنيناً عالياً؛ لكنها في اللحظة التي تتذوقه، تصير مستغرقة، وتكف عن إصدار أي صوت· وهذا هو حالنا· قبل أن نجد الحقيقة، نجادل ونتعارك ونتحدى الآخرين الذين يختلفون معنا؛ لكنا، حين نتصل اتصالاً وثيقاً بما هو أعمق، نصمت ولا نحاول أن نفرض آراءنا على الآخرين· إننا نحاول أن نعيش تلك الحقيقة بحذافيرها؛ وعندما نحياها بالفعل، فإنها، تبلغ الآخرين وتؤثر في حياتهم''· ما أعذب صوت الصمت ينشد برامانندا الصمت كعلاج لصخب الحياة وشتات الروح وانشطار الجسد: ''ما أعذب صوت الصمت/ ما أرق ملمسه/ ما أطيب شذاه/ وما أجمل هيئته/ فلتهدأ قليلاً كيما تتمكن روحي/ من أن ترى، وتحس، وتسمع، وتلمس ذاتها/ في مملكة السلام المقدسة هذه''· والصمت ليس هدفه تحرير عقولنا من التفكير وفرض حالة من الخواء الذهني والسلبية ''على العكس من ذلك، إن الصمت يصير عنصراً أساسياً لكفاءتنا وتفكيرنا المركز· فالصمت يعني التآزر الجسدي والعقلي مع كل الملكات بحيث يصير كل جزء منها يؤدي وظيفته في انسجام تام مع كافة الأجزاء الأخرى· حينها يتناغم أداؤنا دون أن نشعر بأي خللٍ أو احتكاك، تماماً مثل آلة تعمل في سلالة ومرونة، ولا يصدر عنها إلاّ أقل قدر من الضجيج، وتبقى على هذه الحال أطول فترة ممكنة''· الصمت والصبر متلازمان، وحياة (عظماء الناس) تلازم فيها التفكير بصمت والاشتغال بهدوء حتى يتم التحقق من صحة الفكرة· كما أن للعمل وقته وللراحة وقتها، فالشعور بالإجهاد والخمول الذي يصاحب أكثر الناس إلى فراشهم بعد ما بذلوه من مجهود طوال يومهم، وينهض معهم هذا الشعور صباح اليوم التالي، يكون نتيجة تفكيرهم بعملهم، واصطحاب مشاغله معهم إلى فراشهم· وهذه، حسب برامانندا، ليست الطريقة السليمة التي ننظم بها حياتنا· وما من شيء يمكن أن يمنحنا الراحة أسرع من تبنينا لموقف الصمت الذي له الأثر العظيم لكل من وجودنا الأخلاقي والجسدي ''فحين نكون ساكنين خالدين للراحة الجسدية والذهنية، ويكون جهازنا العصبي منضبطاً، ولا نشعر بالغيظ تجاه أحد، وعقلنا هادئ ثابت، حينئذ، يمكننا أن نحس في قرارة أعماقنا بوجود شيء نبيل ومريح، حتى أن الآخرين يحسون به أيضاً''· يشير المفكر الهندي إلى أن ما يفعله النوم لأجسادنا وأجهزتنا العصبية، يفعله الصمت لعقولنا وأرواحنا، وأن الحياة المنتجة، دائماً، حياة صامتة، فالصمت، في المقام الأول، يساعد على خزن كم هائل من طاقة الحياة التي نبددها في الثرثرات الغير ضرورية، ''إننا نرهق أنفسنا، ونزعج الآخرين، ونقول الكثير مما يستحسن ألاّ يقال، عندما نتحدث باستمرار· والنتيجة المباشرة لكل ذلك هي أننا نبلد عقولنا، ونضعف قواها وقدرتها على النفاذ''· وغالبا ما نجد، حسب برامانندا، أن معظم الذين يتحدثون كثيراً هم أولئك الذين يفكرون بوضوح أقل، كما أنهم أقل استجماعاً لقواهم الحقيقية· ولهذا فإن ''التدرب على الصمت الجسدي يساعدنا على استعادة حواسنا· كما أن التدرب على الصمت الذهني يجدد نشاط عقولنا ويعجل وينضج ملكاتنا الداخلية كلها· وما نناله من طاقة بهذه الطريقة هي طاقة عظيمة حقاً· أما حين نقدم على فعل شيء ما بعجلة وعصبية، فإننا نرتكب جملة من الأخطاء، ويتوجب علينا أن نعيد العمل ثانية، وهكذا نبدد وقتنا وطاقتنا· ومن دون التروي والتوازن، لا نستطيع أن ننجز شيئاً ذا بال· ولحظة الصمت، قبل الإقدام على أية مهمة، تمكننا من الاحتفاظ بتوازننا، كما أن فائدتها الجسدية تكون واضحة''· وإذا كانت المعرفة تقضي على الجهل والتوتر، فإننا ''نستطيع تغيير الظروف الموجودة بتغيير عاداتنا وعقولنا وأجسامنا· فإذا كانت تعاستنا هي النتيجة الحتمية لتفكيرنا الخاطئ أو أعمالنا المغلوطة، فبمقدورنا، حتماً، أن نتخلص منها بتغيير الأولويات، والتمييز بين مقتضيات العيش، والتفكير الرصين، والمقصد النبيل''· يمضي برامانندا ليستكشف معالم الصمت بتحديد أكثر: ''توجد طريقتان لممارسة الصمت· الأولى من خلال الكف عن التفكير· والثانية من خلال الامتلاء بالفكر· وهذه الطريقة الثانية هي الفعالة والمؤدية إلى توليد طاقة عظيمة· حين نحاول إفراغ العقل، نواجه خطر الوقوع في حالة البلادة السلبية التي تفتح العقل على العديد من التأثيرات المحتملة والمضعفة له· وهذه هي، في الغالب، مصدر الكآبة الذهنية، وانقباض النفس، وكل أشكال الذهان والجنون التي تنجم عن الهواجس· لكن، على النقيض من ذلك، فإن باستطاعتنا ملء العقل بفكرة حيوية فعالة، وهي لن تحصّننا فقط ضد الأخطار الداخلية والخارجية، بل، أيضاً، ستفرغ العقل من كل الأفكار الغريبة· وحتى الشخص الضعيف، باتباعه هذه الطريقة، سرعان ما يتمكن من تطوير قدر معين من السكينة والقوة''· فن التفكير في إعطائه أهمية وقيمة للتركيز، يؤكد سوامي براما نندا في كتابه ''التركيز والتأمل''، الصادر عن وزارة الثقافة بصنعاء بترجمة عبدالوهاب المقالح، أن المرء لا يمكن أن ينجز سوى القليل، حتى يمتلك حرية استخدام يديه وقدميه، وحرية استخدام عقله وذكائه· لكن، يسأل المفكر الهندي ''كم منا يملك حرية كل تلك الاستخدامات؟ فحينما نريد أن نوظف كل هذه الأعضاء نجد ألاّ جدوى ترجى منها بسبب تبعثرها، بل نجدها عصية علينا وتقف ضد إرادتنا· وسبب ذلك لا يرجع إلى أي عجز لدينا في القوة، وإنما يعود إلى عدم قدرتنا على التآزر والانسجام· وفي عجزنا عن تحديد غرض محدد بذاته، نفتقد الدليل لأننا لم نتمكن من تحديد غايتنا بصورة ملائمة''· في بداية الكتاب يُعرِّف برامانندا التركيز، فيقول إنه ''يعني الانغماس الكلي، الوحدة، الأداء المتواتر المنضبط· كل قوانا وملكتنا لابد أن تتآزر وتتحد· ولابد أن تعمل كلها في انسجام، وهدوء، واتزان''· والتوازن ضروري في كل مكان في الحياة ''قد يكون المرء يتدفق نشاطا وحيوية، أو كسولا خاملا، كلتا الحالتين تدلان على انعدام التوازن''· ويعرف في خاتمة الكتاب التأمل بأنه ''التفكير السليم الذي يسلط الضوء على الحقائق ويبرزها، التفكير المتواصل، الدقيق والفعال ـ التفكير لا يمكن أن ينقطع''· والعقل التأملي هو ''العقل الذي انطلق للتفكير بثبات في موضوع ما، فكرة ما، مثال ما، بحيث أخذ يشق طريقه عبر المسالك والدروب الغامضة الوعرة دون تراجع أو انكسار''· ومن المهم اتباع طرق الانضباط في التغلب على النوم والكسل ونهم الأكل والثرثرة، من خلال النهوض في الصباح الباكر والانسحاب من السرير بقوة الإرادة، وإنقاص كميات الطعام بالتدريج، والتدرب على الصمت، فمثل هذه التدريبات ''لا تزيد قدرتك على التركيز والتأمل فقط، لكنها أيضاً تحسن كثيراً من صحتك الجسدية وتجعلك أسعد بطرق شتى· كما أننا ونحن نتعلم كيف نتأمل، فإن كياننا الخارجي كله يصير في تناغم تام''· والتدرب على التفكير بموضوع واحد، كما يقول المؤلف، هو المفتاح الحقيقي للتركيز، والاهتمام كليا على عمل واحد، يؤدي إلى النجاح في أدائه بإتقان، وبسرعة أكبر· ولكن انشغال الذهن بشيء آخر يصير ضروريا أحياناً، بل ومفيدا، إذ سوف ''تعود إلى ما كنت منشغلا به باهتمام وحماس جديدين''· ويشير برامانندا إلى أن التركيز السليم يجعلنا هادئين، نفيض قوة راسخة، وأفكارنا تعمل بحرية· كما أن التركيز يعني ضبط النفس وتجاوز الاستثارة والغضب· وليس علينا أن نجاهد لإفراغ العقل من التفكير بالذكريات والتجارب الأليمة والخيبات ''بل يجب أن نملأه تماما بفكرة حيوية، رنّانة وبناءة بحيث لا تجد أية فكرة أخرى سبيلاً للنفاذ إليه''· وممارسة التركيز عند المؤلف أشبه بالحفاظ على الآلة الموسيقية مدوزنة ومضبوطة· فالموسيقي الذي يحب آلته لا يهملها حتى وإن لم يكن ينوي استخدامها أمام الجمهور ''قد لا نحتاج كل طاقاتنا للتركيز على ما علينا أن نقوم به الآن، لكنا لا ندري أبداً متى ستباغتنا أزمة ما· ولذلك فإننا لا يمكن أن نهمل عقولنا''· يصاحب عملية التركيز والتأمل رياضة تقوم على فن اليوجا، حيث من لم يستطع التحكم الملائم بجسده لن يقدر على التحكم السليم بعقله، وتتمثل في ثبات الجسم دون حراك، عبر طريقة الجلوس، ووضع العمود الفقري بشكل مستقيم، والتنفس بطريقة واعية ومناسبة ومنتظمة· مشكلة الحياة والموت ''مشكلة الحياة والموت'' اسم كتيب صغير للهندي سوامي برامانندا، لكنه يحوي موضوعا كبيراً ظل محل أسئلة كثيرة وصعبة: هل تموت الروح؟ هل نكف عن الوجود بأجسامنا؟ ماذا يحدث لهذه الحياة التي نحياها بعد الموت؟· ولا يجيب الكتيب، الذي ترجمته وعد عبدالوهاب المقالح وصدر عن وزارة الثقافة بصنعاء، تفصيلا عن مجمل هذه الأسئلة، بل يقدم رؤية شاملة لموضوع شكل قلقا وجوديا عبر التاريخ للكثير من المفكرين والفلاسفة· ويرى المؤلف أن الحكماء الذين أدركوا الخلود، وعلموا معنى الموت أجابوا على السؤال، ولكننا لا نستطيع معرفة إن كانت إجابتهم صحيحة إلاّ بإثبات ذلك من خلال تجاربنا الخاصة ''إن من تذوق الرحيق صار خالداً، لكن لا أحد يستطيع أن يصير خالدا بمجرد السماع عن الخلود''· وبداية على الإنسان ''البدء بدراسة حياته، والتمعن في شخصيته، عليه أيضاً تحليل أفكاره وأفعاله'' وسيجد أن ما يعانيه قد كان نتيجة لأفكاره وأفعاله· فكل ''أفكارنا وأفعالنا، حتى الأصغر منها، جميعها تصنع قدرنا وتحدد سعادتنا أو تعاستنا''· وعلينا ''ألاّ نتوقع الحصول على شيء لم نجهد في الحصول عليه، وما لا نستحقه لا يمكننا الاحتفاظ به، حتى لو كان قد أعطي لنا''·
المصدر: صنعاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©