الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رفاق الدرب وفظاظة المصير

رفاق الدرب وفظاظة المصير
7 مايو 2009 00:56
الثابت تاريخيا أن الشابي ابتلي بمرض انتفاخ القلب في سنّ مبكّرة. وظل يحيا على حافة الهاوية. حذّره الأطباء من الإجهاد والتوتّر. لكنه مضى على حافة الهاوية حتى النهاية. بالشعر كان يواجه عدمه الخاصّ. لكن الشعر سيقتاده إلى حتفه. فلم يكن الشابي يمارس الشعر باعتباره صناعة تمرّس بها بل كان يعتبر الكتابة فعل وجود. وكان في لحظة الكتابة يعيش حالا من التوتّر مروّعة. وهو يسمي هذه الحال «النوبة» ويصفها في رسالة إلى صديقه محمد الحليوي قائلا: «أما الشعر فقد لبثت نحوا من عشرين يوما لا يخفق في نفسي شدوُهُ أو غناؤه، ثم أخذتني النوبة وأنا لها كارهٌ. فلفتني في مثل العاصفة الهوجاء التي لا ترحم. وملأت عليّ صفو الحياة ألسنة الهواتف التي لا تسكت وتهادت حول قلبي الأشباح والصور والخواطر والذكر. ولم تفارقني في نوم ولا يقظة». لم يكن الشابي إذن ينظم الشعر باعتباره صناعة، بل كان يعانيه وجعا يشتد في لحظة متميّزة قال إنه يصبح حين يرتادها «شعلة نارية تتّقد بين البشر». وبالذات، بجراحاتها، يشرع في إنجاز فعل الكتابة. يقينا كان الشابي يعلم أن الكتابة تمضي به قُدما إلى حتفه. لكن لا خيار هناك ولا توسّط. إنه قدر المبدع. والثابت تاريخيا أيضا أن الشابي كان محاطا برفاق ملأوا الدنيا وشغلوا الناس في المغرب العربي. ومثلما كانت الحياة قاسية مع الشابي كانت فظّة غليظة مع رفاقه. كان الموت يترصّد خطاهم جميعا ويتربص بهم. كانوا من صنّاع التاريخ وبناة أمجاد تونس الحديثة. أذكر منهم مثلا: صديقه محمد الحليوي الذي كان يتقن اللغة العربية واللغة الفرنسية. وقد لعب الحليوي دورا كبيرا في توسيع ثقافة الشابي وhطلاعه على الآداب الغربية بواسطة ما كان يترجمه من نصوص الرومانسيين الغربيين. ومنهم أيضا محمد علي الحامي، وهو رجل عصامي نجح في اقتلاع شهادة في العلوم السياسية والاقتصادية من الجامعة الألمانية ثم عاد إلى تونس وأسس جامعة عموم العملة التونسيين سنة 1925 وهي أول تنظيم نقابي أشعل الدنيا في وجه المستعمرين الفرنسيين. ومنهم الطاهر الحداد: وهو أبرز مفكر تقدمي كتب كتاب «العمال التونسيين وظهور الحركة النقابية» ليؤرخ فيه لحركة محمد علي النقابية ثم ألّف كتاب «إمرأتنا في الشريعة والمجتمع». فأحدث في المجتمع التونسي ثورة اجتماعية عاصفة. انتهى محمد علي الحامي طريدا وشريدا بعد أن نفته القوات الفرنسية وتوفي في حادث سير غامض بالمملكة العربية السعودية سنة 1928 وهو في الثامنة والثلاثين من العمر. وانتهى الطاهر الحداد محاصرا في تونس مدحورا مذموما بعد أن شنّ عليه المحافظون والمتزمّتون حملة تكفير فمات كمدا وهو في السادسة والثلاثين. أما الشابي فقد عاش مفتونا بالجنون يحاذره ويخشاه لكن مخلب الموت كان أسرع من ليل الجنون. فاختطفه الموت وهو في الخامسة والعشرين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©