الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإصلاح بين ضغوط الداخل وإملاءات الخارج!

16 فبراير 2011 21:27
لاشك أن هناك دروساً عملية تعلمنا إياها جملة الأحداث والتحولات العربية الأخيرة المتلاحقة في مصر وتونس. والمطلوب اليوم الإسراع في إقامة مرحلة سياسية انتقالية تسبق الانتخابات الحرة، التي ينبغي أن تؤسس على قاعدة التمثيل النيابي الحر ومشاركة الناس في الترشح والانتخاب دون قيد أو شرط أو حصر أو حكر على أحد، وبما يؤسس لاحقاً لأنظمة جمهورية تقوم على قاعدة بناء دولة مواطنة علمانية ديمقراطية صحيحة، تفصل بين سلطاتها الثلاث. واعتماد صيغة سياسية منفتحة لتشكيل القوى السياسية بحيث تعمل التيارات جميعها تحت سقف الحكم الصالح ومؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية، وعدم السماح بتشكيل أحزاب أصولية إلغائية، وإنما السماح بتشكيل أحزاب معتدلة على المستوى الديني تتبنى في داخل هيكليها الفكري والتنظيمي الفكر الديمقراطي، والتسامح والاعتراف بالآخرين حتى لو كانوا من المخالفين، والاقتناع الكامل بالتداول السلمي للسلطة، وعدم تسييس الدين خاصة على مستوى ادعاء امتلاك الحقيقة. وهذه الأفكار السياسية والفكرية يجب أن تكون موجودة ليس فقط في صلب البنية الفكرية لتلك الأحزاب، وإنما في الدستور المقرر إعادة بنائه وكتابته أيضاً للوطن ككل. وعلى مستوى الأنظمة، يتعين أن يقوم نظام الحكم العربي على بنية ثقافية ومفاهيمية صلبة ومتماسكة، لبناء ديمقراطية صحيحة في العالم العربي. ويبقى العامل الخارجي وتأثيره، وهنا من المعروف أن بوصلة تحريك دفة السياسة الدولية هي المصلحة والمكاسب المتغيرة والتحالفات المتحركة، وهذا ما جعل بعض الدول الغربية الكبرى تدعم أنظمة عربية غير ديمقراطية تحت دافع المصالح، وهو ما رأيناه أيضاً من خلال تعاطي الدول الكبرى -خاصة الولايات المتحدة- مع كل من أزمتي الحكم في تونس ومصر، فبعد أول يوم من الضغط الشعبي المتواصل على نظام مبارك، وقفت وزيرة الخارجية الأميركية لتقول إن نظام مصر ثابت ومستقر، ولكن بعدما اقتنعت الإدارة الأميركية بأن التغيير كبير وقادم لا محالة، وهو مسألة وقت قصير ليس إلا... بدأت في تغيير موقفها وموقعها من النظام المصري السابق -الذي كان من أهم أصدقاء الغرب في المنطقة- بصورة متدحرجة ومن ثم سريعة خلال ساعات وليس أياماً حتى وصلنا إلى سماع نداء بإحداث التغيير الفوري "الآن".. وليس غداً من أوباما ونائبه "بايدن"، وقادة الاتحاد الأوروبي الذين كانوا حتى الأمس يثقون ثقة عمياء في قوة النظام. وفي ظني أن هذا السلوك السياسي العالمي المعروف مسبقاً للجميع، يجب أن يكون درساً ودافعاً قويّاً لبعض الزعامات والأحزاب السياسية العربية (حتى بعض "الأحزاب الجديدة"-القديمة التي ركبت موجات التغيير العربي مؤخراً بصورة انتهازية غير أخلاقية!) كي تقتنع بأن من يحاول أن يتغطى بالغطاء الخارجي الغربي، يبقى عرياناً أمام شعبه ومجتمعه .. وأنه لا بديل عن الانفتاح الكامل على شعوبنا ومجتمعاتنا العربية .. وأن كل ما تقوم بها أميركا من أعمال وممارسات وضغوط وتوجيهات ونداءات وغيرها -على مستوى المنطقة العربية الإسلامية على وجه الخصوص- تريد من خلاله التوفيق بين حماية سياساتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، وبين إصرارها على نشر ثقافة ومشروع الديمقراطية كحل وحيد تريد من خلاله إرساء فكرة تداول السلطة وأن من حق الشعوب أن تنعم بالحريات العامة. ولكن السؤال المهم الذي يمكن طرحه هنا على خلفية ما سبق: هل يمكن اعتبار الغرب عموماً صادقاً في توجهاته السياسية لدعم فكرة الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي؟ وهل يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في هذا المسعى التوفيقي الصعب بين دعوتها ومصالحها؟ خاصةً مع وجود تيارات وقوى أصولية وقومية (يسارية وغير يسارية) تعادي الولايات المتحدة، وتستمد شعبيتها من العداء الشديد لقيم وأفكار الغرب الحداثوية والتنويرية، وتقوم في داخل بنيتها الفكرية على قاعدة مواجهة سياسات أميركا في العالم كله. وأخيراً لا بد من التأكيد هنا على أن هذا الجيل العربي الذي ولد واستفاق وعاش في كنف أنظمة استبداد، وسمع وشاهد بعض الرموز والأسماء ذاتها الممثلة لتلك الأنظمة على مدار عقود عديدة مضت، هذا الجيل ينشد الخلاص حالاً، ويرفع شعار "كفاية".. وهو يطمح للتغيير والإصلاح الحقيقي على ضوء ما يشاهده من أفكار وثقافة الحداثة السياسية الديمقراطية في غير بلد عالمي.. بينما هو لا يزال يعيش تحت وطأة نظم متهالكة ضعيفة فشلت في كل شيء، وهي بالكاد تقدم لقمة خبز للناس، لا بل وتمن عليهم بهذه اللقمة المغموسة بالكثير من الإهانة.. أقول إن هذا الجيل العربي الصاعد كالنهر الجارف طالباً التغيير الحقيقي المنشود، يبدو لي ضائعاً ومشتتاً وقابلاً للاندراج في أية أيديولوجية غير عاقلة، خاصة في ظل هيمنة نظام فكري وثقافي إطلاقي وحدّي يعمل على تجديد نفسه بألبسة وتجميلات ديكورية مزيفة، وبصورة تابعة غير مستقلة. وهو نظام ثقافي بعيد عن العلم ومنطق التجربة، وقيم التطور والحداثة الإنسانية، كالنظام أو الإيديولوجية الدينية الأصولية الإلغائية الكارثية عليه وعلى مجتمعاته التي يريد إصلاح أحوالها ومواقعها. إنه جيل لا يزال يحمل في داخل وعيه وثقافته بعض البذور والطبائع الإقصائية للآخر.. وهذا ما رأيناه وشاهدناه وسمعناه في بعض أمكنة التظاهر في تونس ومصر. والخشية كل الخشية أن تركب تلك العقلية القديمة صهوة الإصلاحات المنشودة، وتستثمر موجة الإصلاح العربية المتسارعة لتمرير برامجها السلطوية البالية التي لا تختلف كثيراً عن برامج بعض النخب السياسية العربية السابقة التي تريد إقصاءها عن الحكم. نبيل علي صالح كاتب من سوريا ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©