الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

معالجة التضخم في الإمارات ·· بين الهلع وضرورات الحذر

15 ديسمبر 2007 21:49
تتباين التقديرات بشأن المستوى الذي بلغه معدل التضخم في الإمارات لكنها تجمع على تجاوزه 10% خلال العام الحالي وهو أعلى مستوى له منذ 20 عاماً· ومهما كانت طبيعة الأسباب التي أدت إليها، فإن ظاهرة التضخم بهذا المستوى تعد خطيرة على عافية وقوة أي اقتصاد· فالتضخم، حتى وإن كان ظاهرة لا بد منها لأي اقتصاد يشهد نمواً وازدهاراً سريعين، كما هو حال اقتصاد الإمارات في الوقت الحاضر، إلا أن خروجه عن المستوى المقبول يجعل منه ''آفة خطيرة على النمو'' لأنه يعني، أولاً، تقويضاً للنمو الحقيقي في الاقتصاد، وثانياً، إضعافاً لثقة المستهلك والمدخر والمستثمر، وثالثاً، إشاعة لاضطرابات واختناقات اقتصادية واجتماعية ناجمة عن تدهور مستوى المعيشة لقطاعات واسعة من المجتمع· لذلك تضع الدول الحريصة على عافية اقتصاداتها محاربة التضخم في أولويات سياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية مستخدمة في ذلك شتى الوسائل والأدوات· إن معدلاً سنوياً للتضخم عند 10% أو أكثر يعني بكل بساطة طرح عشرة نقاط مئوية أو أكثر من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة كبيرة بالنسبة إلى الاقتصاد الإماراتي· كما يعني مثل هذا المعدل ارتفاعاً في تكاليف المعيشة من شأنه أن يفقد الاقتصاد الوطني جزءا مهما من تنافسيته· وعلى هذا الأساس، فإن المعدلات المرتفعة جدا لنمو الناتج المحلي الإجمالي والذي غالباً ما تتباهى البيانات الرسمية به قد لا يعني في واقع الأمر نمواً حقيقياً في الاقتصاد، إن لم تكن تعني في بعض الأحيان انكماشاً في الاقتصاد· من الطبيعي أن يثير الارتفاع الحالي في معدل التضخم بدولة الإمارات قلقاً واسعاً يمتد على جميع المستويات، بما يدفع بصانعي القرار إلى اتخاذ كل ما هو ممكن من أجل الحد من هذه الظاهرة ومكافحتها· في نفس الوقت تدفع الآثار المضرة المترتبة على التضخم بالعديد من الأوساط إلى اقتراح، بل والمطالبة، باتخاذ مدى واسع من الحلول العاجلة التي تراها ضرورية لمحاربة تلك الظاهرة· أن معالجة ظاهرة التضخم في الإمارات أمر في غاية الخطورة والدقة لأنها يتعين أن تنبع من اتخاذ إجراءات وتدابير مدروسة بتأن وعناية فائقين بعيدة عن الضغوط النابعة من العجالة والقلق والهلع· يجب أولا إدراك حقيقة أن التضخم في الإمارات ليس نابعا من عامل واحد تكفي معالجته للقضاء على تلك الظاهرة الخطيرة بسرعة بل هو ناجم عن مجموعة من العوامل المعقدة المتباينة في دورها وتأثيرها· لذلك يتعين تشخيص تلك العوامل حسب وزن ودور كل منها ومعرفة ما يمكن معالجته منها وما هو نابع من ظروف موضوعية خارجة عن السيطرة· فبالإضافة إلى وجود عوامل جعلت من التضخم ظاهرة عالمية تشتكي منها العديد من البلدان، هناك أيضا عوامل محلية نجمت عن فورة النمو الاقتصادي التي تمر بها البلاد إلى جانب عوامل أخرى يمكن أن تكون قد نجمت عن أخطاء في السياسة أو عن ترهل وتساهل حيال مهمة مكافحة التضخم في وقت مبكر قبل استفحاله· على هذا الأساس، يتعين قبل كل شيء توخي الدقة والحذر في اتخاذ السياسات والإجراءات الكفيلة بخفض التضخم وخصوصاً أن بعض الاقتراحات المطروحة في الوقت الحاضر تنطوي على تبني خيارات استراتيجية غاية في الخطورة والأهمية على حاضر ومستقبل الاقتصاد الإماراتي، كتلك التي تتحدث عن ''ضرورة'' فك الارتباط بين الدرهم الإماراتي والدولار الأميركي، أو تلك التي تطالب بتدخل الدولة بشكل أكبر في قوى السوق والأسعار، وتحديداً في قطاع الإسكان والإيجارات، في اقتصاد عرف عنه أنه يقوم على مبادئ السوق الحر· يتعين قبل تبني أي سياسة أو اتخاذ أي إجراء الوقوف بشكل كامل على النتائج الإجمالية المترتبة على الاقتصاد من جراء تلك السياسة أو الإجراء· كما ينبغي إدراك حقيقة أساسية مفادها أن التضخم، سواء في الإمارات أو في أي اقتصاد آخر ينمو بسرعة، هو ظاهرة طبيعية إذا بقي في حدود معقولة، وأن ارتفاعه في أوقات من النمو الاقتصادي السريع الذي يتسم بتدفق الأموال وزيادة الطلب، هو الآخر طبيعي، والمطلوب هو الحد من الارتفاع، أولاً، وعكس مساره، ثانياً، من دون أن يعني ذلك استئصاله تماما· مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©