الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجزائر- المدينة»... خطة لإنهاء «الكآبة»

«الجزائر- المدينة»... خطة لإنهاء «الكآبة»
5 مايو 2009 00:13
الناس في العاصمة الجزائرية يقولون إنه من بين أجمل سواحل العالم... إنه خليج الجزائر الذي تحيط به تلال منخفضة وشواطئ صخرية تمتد على مرمى البصر. ولكن بعد إمعان النظر، لا تبدو الصورة مثالية؛ حيث تنتشر النفايات في الواجهة البحرية التي تبدو مهجورة وخالية إلا ممن يبحثون عن الخصوصية وشباب تقض مضاجعهم مشاكل يريدون الاختلاء بأنفسهم والبحث لها عن حل. إنه من نوع الأمكنة الذي لن تأخذ أسرتك أو محفظتك معك إليه، وهو لا يشبه لقبي المدينة العربي والفرنسي: «الجزائر البيضاء» و»الجزائر السعيدة». منذ أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها في 2002، سعت الجزائر جاهدة إلى الخروج من حالة الانكسار والعزلة الدولية التي تسببت فيها عشر سنوات من القتال المحتدم الذي حصد أرواح ما لا يقل عن 200000 شخص. واليوم، وكبلسم ممكن لما ينتاب المدينة من شعور بالضيق والكآبة، يعتزم المطورون العقاريون والمسؤولون الحكوميون إطلاق مشروع سيغير معالم الواجهة المائية للمدينة بقيمة 8 مليارات دولار –مبان حديثة تضم مكاتب ستقام إلى جوار ثالث أكبر مسجد في العالم. غير أن السكـــان استقبلوا الخبر بنوع من الفتور لأن المشروع سيغير مظهر المدينة من دون أن يعالج احتياجاتهم في وقـــت يصل فيه معدل البطالــــة إلى 12 في المئـــة، وإن كانت مصادر مستقلـــة تقول إن المعـــدل الحقيقي يناهز ضعف ذلك في الواقع. ويقول حسين، وهو صاحب أحد مطاعم الوجبات الخفيفة في حي الحراش -الذي تقطنه الطبقة الوسطى- رفض الكشف عن اسمه الأخير: «من المفروض أن يوفروا الوظائف، لا أن ينفقوا كل المال على مسجد واحد». في فبراير الماضي، كشفت إحدى مجموعات التطوير العقاري النقاب عن مخطط طموح لتغيير ملامح الواجهـــة المائيــة عبر مشروع ضخم يسمى «الجزائر المدينـــة». ويقــول مؤيدو المشروع، الذي يعــد مشروعاً منفصلا عن مشروع المسجد الكبير الذي تخطط الحكومة لبنائـــه بمبلـــغ 4.5 مليار دولار، إنه سيُدخل البلد إلى العالم الحديث وسيمنح الجزائريين عاصمة يستطيعون الافتخـــار بهـــا بعـــد سنــوات مـــن الحرب. وفي هذا السياق يقول سعيد بوحاجة، البرلماني والعضو في اللجنة الوطنية للتنمية: «إننا نريد عاصمة تلبي طموحاتنا وتكون جزءاً من العالم الحديث وعالم متوسطي متداخل ومترابط»، مضيفاً «إننا في حاجة إلى تجديد العاصمة ومنحها ومنح البلد صورة جديدة... إن الجزائريين يريدون عاصمـــة يمكنهم أن يكونون فخورين بها». غير أن المشروع عانى كثيراً لجمع رأس المال، كما أن العديد من الأشخاص العاديين يخشون أن تكون الحكومة متحمسة أكثر لأن يصبح للمدينة مظهر حديث وجميل أكثر من اهتمامها بمصلحة الفقراء. منذ أربعين عاماً، يعيش عبدالنور زياني ويعمل في الشارع نفسه في حي الحراش الذي لا حديث فيه اليوم إلا عن «الجزائر المدينة». ويقول زياني: «لم يتم تجديد هذه المنطقة أو تغييرها منذ أن رحل الفرنسيون. والحكومة لا تبني حتى طريقا جديدا»، مضيفا «وكل ما يفعلونه هو وضع اسفلت جديد على الاسفلت القديم». ويقول أيضا: «إن الجزائر العاصمة ستصبح أكبر تغير يشهده أي منا». ولكن المخططات لا تأتي بأي تجديد لحي الحراش حيث يقول السكان إنهم يشكون في أن المشاريع الجديـــدة ستضيف أي شيء لحياتهم غير مزيد من حركة السيارات والمركبات. الشيخ طاهــــر بلقاســـم يبدو متشائمـــاً. إنه رجل مسن يقوم بعمليات حسابية بواسطة حاســـوب قديم بأحـــد المخـــــازن بالقـــــرب من محل زياني. ضحك على المتاعب التي يصطدم بهــا مشروع داخلي وقال: «لو طلبوا مني المساهمة بالمال، لما أعطيتهم ديناراً واحداً». أما زياني، فيبدو أكثر تفاؤلا، ويأمل أن تصله مزايا المشروع أيضاً، ولكنه لا يخفي قلقه من ألا يقبل الأغنياء على الوجبات السريعة، التي يبيعها إذ يقــــول: «عليّ أن أتأقلم مـــع الوضع الجديد. وربمـــا أبدأ في بيع المواد الغذائية المجمدة». وتقدم المواد التي تروج لـ»الجزائر المدينة» ترفاً وفخامة من النوع الذي اشتهرت به دبي بين خضرة التلال وزرقة الخليج، حيث ينوي القائمون على المشروع إنفاق 2.5 مليار يورو لإنشاء متنزه مائي، ومرفأ لليخوت يتسع لـ600 يخت، وأبراجاً تضم مكاتب حديثة، وشققاً سكنية فاخرة، ومركز تسوق مفتوحا لـ24 ساعة في المكان الذي توجد فيه المخازن الرمادية والبقع المهجورة. وكان رئيس المجموعة العقارية وعد بأن مشروع «الجزائر المدينة» سينهي «كآبة الجزائر العاصمة» عبر جعلها «عاصمة للحداثة»، وذلك حسب صحيفة «الوطن» الجزائرية الناطقة بالفرنسية في ديسمبر 2007. غير أن بنوك البلاد ومستثمريها لم يبدوا اهتماماً كبيراً لدفع الفاتورة. ففي شهر فبراير، عرضت المجموعة العقارية سندات للاكتتاب على أمل جمع 91.3 مليون يورو ، ولكنها سرعان ما اضطرت إلى إنهاء الاكتتاب قبل جمع المبلغ المطلوب. ويرى محمد تواتي، وهو كبير المحررين الاقتصاديين في صحيفة «ليكسبريسيون» وأحد مؤيدي المشروع، أن اشتراكية الدولة في السابق والفضائح التجارية اللافتة جعلت البنوك الجزائرية حذرة في تعاملها مع المقاولين الخاصين، ودفعت بعض الناس العاديين إلى رفضه. ويقول: «إن الناس لن يستثمروا في مشروع لا يفهمونه. لا بد من عملية تسويق جيدة لفهم ما يجري بالضبط، وأعتقد أن عملية التسويق بالنسبة لمشروع «الجزائر المدينة» كانت ضعيفة جدا!». ليام ستاك -الجزائر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©