الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

علي أبو الريش: غياب الرواية يصيب العالم بكارثة

علي أبو الريش: غياب الرواية يصيب العالم بكارثة
11 ديسمبر 2007 00:40
ضمن البرنامج المهني المصاحب لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وفي القسم المخصص لحوارات في زمن الرواية، احتضنت قاعة المؤتمرات بمركز إكسبو مساء أمس الأول جلسة مفتوحة مع الروائي علي أبو الريش الحائز على جائزة أفضل كتاب محلي في مجال الإبداع الأدبي الإماراتي في الدورة الحالية للمعرض عن روايته: (ثلاثية الحب والماء والتراب)· حضر الجلسة الحوارية الدكتور يوسف عايدابي منسق عام المعرض ولفيف من المثقفين والإعلاميين، وقدم لها الأديب والقاص إبراهيم مبارك الذي أشار إلى أن علي أبو الريش هو رائد الرواية في الإمارات، كما أنه شاعر ومفكر أيضاً، ووظف علومه ومعارفه حول علم النفس في نتاجه الأدبي والإبداعي· وأضاف مبارك: ''يكتب أبو الريش بتلك الحرفية الذكية التي تستعين بالرمز الأدبي الدال عندما تشتبك الأحداث ويصعب الحديث عن أمور حساسة لا يمكن طرحها دون المراهنة على وعي المتلقي وفهمه لأهمية الرمز والدلالات القوية، حتى وإن تعلق الأمر برصد الجوانب الحياتية في قرية ما من هذا الوطن، وهذا مؤشر قوي على تشابك الحياة والمواقف والظروف· وأشار مبارك في المدونة الخاصة بالجلسة إلى أن أعمال علي أبو الريش عبرت عن الحراك الاجتماعي على امتداد ساحل عمان سواء في القرى النائية التي تقع خلف الجبال، أو تلك التي تجاور البحر، حيث مكونات المجتمع واحدة والمحيط واحد والظروف واحدة، في الزمن القديم وأيضاً الحديث· لذلك تأتي أهمية (أبوالريش) -كما يشير مبارك- كواحد من النوافذ المطلة بوعي على الحياة العامة والخاصة لإنسان هذه الأرض من الساحل إلى الداخل في التعبير الروائي المعاصر· ثم عرج المقدم على نتاجات أبو الريش الإبداعية الزاخرة التي انحازت لفن الرواية ولكنها لم تستغن عن القصة القصيرة والشعر والكتابة للمسرح، وذكر جانباً من هذه النتاجات مثل: ''(الاعتراف)، و(السيف والزهرة) و(زينة الملكة) و(نافذة الجنون) و(ثنائية مجبل بن شهوان) ومسرحية (ابن ماجد يحاكم متهميه)، والمجموعة القصصية (ذات المخالب)، والمجموعة الحاضنة للشعر والنثر معاً وهي مجموعة: (جلفار عطش النخيل)، وغيرها من النتاجات الثرية بمناخاتها وعوالمها الفنية· قدم بعدها أبو الريش ورقته المخصصة للجلسة والتي تناول فيها رؤيته وتجربته الخاصة حول فن الرواية وتداعياتها الفكرية والنفسية في مجتمع الإمارات المحاصر والمغترب وسط غابات الإسمنت والفورة الاقتصادية الهائلة والمفاجئة، كما تناولت الورقة إشكاليات تصنيف الرواية ووضع حواجز وهمية قاطعة ومكثفة تفرق بين الرواية القروية أوالريفية وبين الرواية المدينية، حيث يرى أبو الريش أن الحس المديني في الرواية لا يمكن الرهان عليه لأنه حس طارئ ومنقطع عن جذوره ووهجه وأثره الروحاني والعرفاني· يقول أبو الريش في كلمته: ''يشعر الإنسان بالتعب وهو يحمل كل هذه التفاصيل الملونة والمختلفة من الأشكال والأحجام من مشاهد يومية تسطو على الذهن فتحتل الكامن في الروح، ولولا السرد وهو نعمة الفطرة لأصيب العالم بكارثة يباب وجدب وتصحر فكري يؤدي إلى زهايمر بشري، وفي التحليل النفسي عندما يقف كائن بشري أمام آخر يريد أن يتخلص من شحنات نفسية مختزنة، فأول العناية هي الحكاية، وأول الطرد المركزي للتراكم هو السرد، وأول الحرية هو التداعي الطليق واستدعاء ما لا يمكن استدعاؤه إلا من الاتكاء على مقعد الاختلاء بالنفس وفتح معبر الأنا ليمر ذلك اللاشعور الفردي والجمعي بسلام، بعيداً عن عين الرقيب الاجتماعي والحسيب الثقافي والراصد السياسي، وبهذا التلاحم الحميمي بين المحلِّل والمحلَّل تبدو الأشياء كطيور تسير في فضاء مفتوح''· ويضيف أبو الريش في ورقته التي أتت بمثابة بيان أو منيفستو يشرح حال الرواية في الإمارات ويغوص في حوار الذات مع المكان، وحوار الماضي مع الحاضر والمستقبل معاً: ''أقول: الرواية ليست سلعة استهلاكية يمكن أن تخضع للموضة والصرعات المتواترة، الرواية توأم الروح، فأينما تسكن الروح وتستقر تبدأ الرواية، والروح ملكية خاصة بالكائن، فأينما يوجد هذا الكائن توجد الرواية، فلا المكان الخارجي ولا الزمان الخارجي هما أساس الرواية، إنما المكان الحقيقي والزمان كذلك هو ذلك الداخل المستبد الجميل، والحاكم النبيل الذي يخرج ما إن يدق النداء الداخلي جرس البداية''· وعن اتهامه بأنه كاتب قروي ويدور في فلك نوستالجي بعيد عن نبض الحاضر والحياة المعاصرة يقول أبو الريش: ''إننا بإسقاط حق القرية في النتاج الروائي، وإعطاء الكلمة الأولى للمدينة، فإننا نغتصب حق البشر في التفرد، ونلغي فكرة الفروق بين الأفراد بما يمتلكونه من قدرات وملكات، وأنا أسأل إذا كانت المدينة هي قلب الرواية وروحها، فأين هذه المدينة في وطننا العربي، لقد أنجب هذه الوطن قرى إبداعية خلاقة، والمثال نضربه في إبراهيم الكوني والطيب صالح والطاهر وطار ونجيب مخفوظ وغيرهم، هؤلاء جميعاً لم يأتوا من المدن، وما يطلق عليه مدينة في وطننا العربي، ما هو إلا قرى كبيرة أو مجمع أرياف، لأن المدينة مرتبطة بالثورة الصناعية ونحن في وطننا العربي المسلوب لا زلنا نستورد من العقال وحتى الإبرة، فلماذا إذاً نتشبث بالوهم، ولا نستدعي العقل ليساعدنا في الخروج من هذا المأزق''· وفي نهاية الجلسة فتح باب النقاش بين الضيف والحضور، وتناولت النقاشات مفهومي المدينة والقرية في الرواية العربية، ومستقبل الرواية في الإمارات، ونقاشات أخرى حول المضامين والأشكال في تقنيات السرد الروائي، وعن حالات الاغتراب والتناقض التي يعيشها المثقف والمبدع العربي وسط غابة العولمة الحديثة والقيم الصنمية الجديدة المنضمة لتلك القديمة والمحنطة· المدينة وعن رؤيته لتأثيرات المدينة في نتاجه الروائي يقول على أبو الريش: أقولها وبكل تجرد، إنني لا أحقد على المدينة، فأنا أعيش فيما يشبه المدينة، لكنني لم أشعر أنها الملهمة في الكتابة، فهذه التي يطلق عليها جزافاً بالمدينة، لم تتكون بعد، ولم تخرج من إطار القالب الإسمنتي الفج، ولم تستعد بعد لتمنحني حقي في الارتباط بأشكالها المستقيمة على الأرض كشواهد القبور، ولا تزال الرواية عندي قريبة من الروح، بعيدة عن المنطقة المحايدة من الفكر، لا تزال الرواية تفتش في سر التفاصيل، وفي أسطورة قرية نشأت هنا وتطورت، وغيروا اسمها ظلماً وزوراً فقالوا عنها مدينة·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©