السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في بيتنــا جاســوس !

في بيتنــا جاســوس !
8 ديسمبر 2007 23:34
يمتلئ العصر الحالي بالكثير من المغريات ووسائل الترفيه التي يخشى أولياء الأمور أن تؤثر على أبنائهم وتأخذهم إلى طريق الانحراف، ومن هنا ينبع خوفهم المشروع الذي يدفعهم أحياناً لرصد كل حركة يقوم بها أبناؤهم، دون أن يبالوا بالأنباء الذين يعتبرونها من خصوصياتهم ولا يحبون أن يطلع عليها أحد، وعندما يقوم الأب أو الأم بالبحث في دفاتر الأبناء أو موبايلاتهم أو أدراجهم يشعرون بالامتعاض، لأن هذا السلوك يعني لهم نوعاً من اختراق خصوصيتهم وغالباً ما ينفرهم من التقرب إلى الوالدين· لكن هل يكفي أن يشعر الوالدان بالخوف لكي يفتشا في ممتلكات الأبناء الخاصة؟ هل من حق الأهل التجسس على الأبناء بحجة مراقبتهم، وما هي حدود المراقبة، ومتى تتحول إلى تجسس؟ تقول أميمة سمير عبد المطلب: إن اطلاع الآباء على خصوصيات أبنائهم ليست عملية تجسس إطلاقاً، وإنما نوع من الحرص عليهم· من حقي كأم أن اطلع على خصوصيات أبنائي، ومعرفة كل المستجدات في حياتهم ومناقشتها سواء كان الأمر الطارئ صغيرا أو كبيرا، وهم يعرفون أن هذا نابع من حبي لهم · أما السيد أحمد فيعتقد أن الخوف على الأبناء من المغريات الكثيرة التي تحفّ بهم هو الدافع للمراقبة وليس الرغبة في التجسس، والمراقبة هنا تشمل تفتيش ملابس الأبناء والاطلاع على رسائل الموبايل وأرقام الأصدقاء، ومعرفة ما هي المواقع التي يدخلون عليها في الانترنت، ومعرفة كل شاردة وواردة يقومون بها، فمنذ البداية يجب أن تبنى علاقة الآباء بالأبناء على الصراحة والوضوح، حتى يمكن للأبناء أن يطلعوا والديهم على كل شيء بلا خوف ولا تردد· بعض الآباء يتركون الحبل على الغارب لأبنائهم، ثم يستيقظون عند حدوث أي كارثة، فيبدأ البحث والتجسس والتنصت والتفتيش، وهذا هو الخطأ''· لن أفعلها أبداً علياء سالم أحمد، لم يسبق لها أن تعرضت لمثل هذه التجربة، تقول: لم يحدث أن فتش احد في أغراضي· لم أكن أخفي سراً عن أمي وإلى الآن لا أخفي عنها سراً حتى بعد زواجي، ولهذا لم تكن يوماً بحاجة للتفتيش في أشيائي، وهذا ما أنوي عمله مع ابنتي، أعطيها ثقتي فتعطيني ثقتها وتفتح قلبها لي، أما أن أقوم بتفتيش أغراضها بحثا عن أسرارها، فهذا عمل لا أقبله أبدا، وقد يجرح شعورها وتعتبره قلة تهذيب من أمها التي يفترض أن تكون قدوة لها · بالنسبة إلى إبراهيم البلوشي يكمن الحل في الثقة، فقد جرَّب أن يثق في أبنائه ونجح عملياً، ولهذا يرى أن نغرس في الأبناء الثقة منذ الصغر، ونعلمهم الحوار والصراحة في كل شيء بلا خجل أو خوف من العقاب، وأن نرسخ فيهم الشعور بالحرية وممارستها وفق الشروط التي تضعها الأسرة والتي لا تعني الفوضى، وعندها، لن يحتاج الأب أو الأم إلى التجسس · مرض وتسلط وإذا كانت هذه نظرة الآباء والأمهات، فكيف ينظر الأبناء إلى الأمر؟ يقول محمد علي: كثير من الآباء والأمهات يتدخلون في حياة أبنائهم في كل صغيرة وكبيرة، وهذا الأمر يولد لدى الأبناء الشعور بعدم الثقة، ناهيك عن القوانين والأوامر الصارمة: لا تتكلم مع فلان، لا تتأخر عن البيت، لا تطل الحديث بالهاتف، مع من جلست؟ وأين ذهبت؟، وغيرها من الأسئلة التي تضيق الخناق على الشاب، وكأن الأهل تحولوا إلى جهاز مخابرات ومباحث، يرصدون كل شيء يقوم به الأبناء· الجميع يدرك خوف الأهل على أبنائهم، لكن ليس بهذه الطريقة التي تدفع الشاب أو الفتاة دفعاً لتحدي هذه السلطة بدلاً من أن يشعرا بالاستقلالية والحرية · أما فهد إسماعيل فيرى أن من يفعل ذلك مع أبنائه شخص مريض ومهزوز ولا يثق في نفسه أو في الآخرين، ويحتاج إلى العلاج· ولو اكتشفت أن والدي يقوم بالتجسس على مكالماتي او تصرفاتي، فسأنصحه بالذهاب إلى المستشفى للعلاج فوراً · ولا تبدو ردة فعل صديقه علي سالم الكثيري مختلفة، يقول: اكتشفت بالصدفة أن والدتي تقوم بالتجسس عليّ، وتبحث دائما في ثيابي وموبايلي وأدراجي، بل وفي أشرطة الفيديو لمعرفة ما أشاهد، فغضبت منها وأكدت لها أن التفتيش في أغراضي شيء غير جيد ويؤذيني، وأنها قد تتعرض لمثل هذا السلوك، ومثلما سمحت لنفسها أن تفتش في خصوصياتي، فقد يأتي أبي أو أحد إخوتي ويتجسس عليها أو يفتش في أغراضها · على الجانب الآخر تجد هبة أحمد فارقاً كبيراً في الطريقة التي يتعامل بها الأهل مع البنت عنها مع الولد، تقول: الأسر غالباً تتجسس على البنات أكثر، فالبنت توضع لها القيود والممنوعات في كل شيء، ومن حق الأهل أن يراقبوا كل تصرف أو تحرك تقوم به، في حين أن الشاب يتمتع بالثقة والقوانين والرقابة مرفوعة عنه · فتِّش عن التربية إذن·· الآباء يرون في مراقبة الأبناء دليل حب لهم وخوف عليهم، في حين يرى فيه الأبناء نوعاً من السيطرة والتجسس لا ينبغي للآباء أن يفعلوه، و بين قول الآباء واتهام الأبناء ماذا يقول علم النفس؟ تقول الاستشارية النفسية هالة الأبلم: أعتقد أن التربية هي الأساس، صحيح أن من الظلم والإجحاف إلقاء اللوم كله على عاتق الآباء والأسرة لكن هذه هي الحقيقة· فالأسر تختلف في طرق التربية لكنها غالباً ما تترك ثغرة ما ينفد منها الخطر· هناك من الأسر من ربى أولاده باستخدام القسوة والضرب فلم يجد الأبناء من يحتويهم ويحتضنهم آلامهم· وهناك من بالغ في الدلال وتلبية جميع رغباتهم فلم يبق سوى تجربة ملذات أخرى، وهناك من ربى أبناءه على الأخلاق والقيم والتدين لكنه أهمل مشاعر الأبناء واحتياجاتهم النفسية· أما الوجه الآخر للمشكلة فيبدأ منذ الطفولة، فقبل أن يختار الطفل تكون الأم قد اختارت له، وقبل أن يعيش خبرة مواجهة موقف ما تكون الأم قد تدخلت لإنهاء الموقف لصالحه، وغالباً ما ينشأ الطفل الذي يربى على هذا النحو سلبيًا يشبه الكرة التي يدحرجها آخرون نحو الهدف دون اختيار منها أو إرادة· وعندما يصبح مراهقًا لا يكون قد اكتسب أي خبرات مستقلة في طفولته تؤهله لمواجهة التحديات المختلفة والخبرات الجديدة، ولهذا تشعر الأم أنه (خام) وأن من السهل أن يكون ضحية للآخرين، فتخاف عليه وتستمر في أداء دور الحماية المفرطة، واختيار الأصدقاء ومراقبته· والحل في نظر الأبلم هو الحوار والحب فهما الطريق التي تقود إلى مدخل المرور الآمن من مرحلة المراهقة بسلام، فالاهتمام بهم ومناقشتهم في كل ما يهمهم يشعرهم بالاهتمام وعدم الإهمال، وينمي لديهم الإحساس بالأمان، ويُقوِّي ضميرهم اليقظ الحر فتقل أخطاؤهم وهفواتهم· كذلك تلعب القدوة دورًا أساسيًا في تكوين شخصية الأبناء، لأنهم يتقمصون السلوك العادي التلقائي دون أن يدركوا فلا تحتاج معهم إلى مجهود في الإقناع أو الترشيد أو التوجيه· ومن أهم وسائل التحكم بسلوك الأبناء إشباع رغباتهم العاطفية، والاعتدال في السلوك، فلا إفراط في الرعاية ولا إهمال فيها· ويعتبر الوجود المستمر في حياة الأبناء أحد أساليب الحماية من الانحراف· وعليه يمكن التأكيد على فعالية التوجيه والإرشاد المستمرين، وجدوى الرقابة حين تكون عن بعد دون أن نشعر الأبناء بذلك بل نكون جزءاً لا يتجزأ منهم · سلوك مرفوض ينقسم الناس في نظرتهم إلى مراقبة الأبناء إلى فئتين: فئة تعتبرها خوفاً وحماية للأبناء وبالتالي يحق لأولياء الأمور القيام بها، وأخرى تراها تجسساً وسلوكاً مرفوضاً و عيب لا ينبغي على الأهل القيام به، وهذه الفئة تسوق أدلة على صحة موقفها من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، لهذا كان لا بد من مرجعية توضح لنا الأمر على المستوى الديني، لهذا لجأنا إلى فضيلة الشيخ أحمد محمد المختار الواعظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، فقال: لا يجوز التجسس بأي شكل من الأشكال، ففي الكثير من الآيات الكريمة نهى الله - سبحانه وتعالى - عن التجسس· فلا ينبغي على الإنسان أن يقوم بهذا السلوك بل يأخذ الناس على ظاهرهم· وتجسس الأم أو الأب على أبنائهم في كل صغيرة وكبيرة كالتفتيش في ملابسهم أو الموبايل أو الكتب والمذكرات، لا يجوز شرعاً، إلا في حالات ظهرت فيها علامات وأسباب واضحة، مثل شرب الخمر أو الانحراف إلى عالم المخدرات، فهنا يجوز التجسس على الأبناء وإيقافهم عند حدهم · وفي حال استدعت الضرورة ذلك، أي التجسس، يؤكد فضيلته أن من الأفضل أن يتم ذلك بطريقة حضارية، لا أن تكون المراقبة بطريقة تنفر الأبناء من الأهل، حيث نرى الكثير من الأمهات والآباء يتحولون بلمح البصر إلى رجال تحريات، و يقومون بتفتيش مفاجئ أثناء وجود الأبناء في البيت، وربما أمام أعينهم، ويتصرفون بطريقة تشبه ما يحدث في الأفلام البوليسية، مما يولد لدى الأبناء النفور والكراهية بدل الحب والأمان والصراحة · ولعلاج هذا التصرف لا بد للأهل - كما يقول المختار - من أن يمنحوا الأبناء الحب والحنان اللازمين للاستقرار النفسي والعاطفي، ويتيحوا لهم الفرصة للإفصاح عما يعانونه من مشكلات، فإذا أعطي الابن هذا الحب فإنه سيبادر إلى الحديث مع الأسرة بكل صراحة ووضوح دون خوف· وفي حال ظهرت حاجة ما للمراقبة يفضل أن تكون عن بعد، وبطريقة خفية من دون أن يشعر بها الأبناء، فإذا وجد الوالدان شيئاً يريبهما يستحسن أن يلجآ للنصح والتوجية، وإذا لزم الأمر إلى جلسات المصارحة الفردية التي يتحدث فيها الأب للولد بأشياء كثيرة، بشرط ألا يكون فيها تشهير ولا تحطيم لمعنويات الابن وشخصيته، عندها يشعر الولد أن أبيه يحبه، ويخاف عليه، ويحرص على مصلحته ويريد له الخير''· وأخيرا، يؤكد المختار: إذا أردت أن تزرع نبتة صالحة، عليك أن تحرص عليها منذ أن تغرسها، وأن تتعهدها بالرعاية والسقاية وتعتني بها كل يوم لكي تحصل على الثمرة الحلوة التي تستمتع بحلاوة طعمها ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©