الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علي موسى: الخور هوائي·· والعَبرة أمي

علي موسى: الخور هوائي·· والعَبرة أمي
8 ديسمبر 2007 23:31
طيور النورس تقدم عروضها للناظرين، تحلق عالياً ثم تهوي لتلامس الماء ثم تعود مرة أخرى إلى التحليق وهي تخفق بأجنحتها كأنها تلقي التحية على العابرين، بين الضفتين تتحرك حيوات كثيرة لكل منها عالمها الخاص وأحلامها المسافرة في عَبرة (مركب صغير) تشق جسد المياه لتحفر طريقها إلى الضفة الأخرى· بين ذهاب وإياب، تقضي الجباة السمراء يومها في مشهد يومي يراه كل من يعبر بجانب خور دبي، مشهد ظل حاضراً في ذاكرة المكان والناس، بالرغم من مظاهر التمدن التي تعلن هي الأخرى حضورها في صروح معمارية تلقي بظلالها على مياه الخليج، لتتعانق مع ملامح الماضي الناهض من عباءة الصباح، فيرسمان مشهداً غاية في السحر والجمال· علي موسى، سائق العبرة، واحد من هذه الوجوه التي كبرت في البحر، والتصقت به، ما إن سألته عن علاقته بهذا المكان حتى دارت في رأسه الذكريات، وسافرت عيناه تتحسسان زرقة البحر، ثم قال: علاقتي بالعبرة كعلاقة الأم بوليدها، هي رفيقة دربي، وشهدت مراحل حياتي لحظة بلحظة، وفي أحضانها قضيت 45 عاماً من حياتي أتنقل من ضفة إلى أخرى، رأيت وجوهاً لا تعد، والتقيت بأناس من مختلف الطباع والأجناس فصارت لدي خبرة واسعة بمعرفة البشر واكتشاف معادنهم في دقائق معدودة، بالإضافة إلى اكتساب فنون اللغة· ذاكرة علي موسى ألبوم واسع يحتفظ بمشاهد كثيرة لسواح وعمال وبحارة قدامى، بعضها يحتضن عاشقين مضيا إلى البحر يتأملان سحر المكان ولحظة ذوبان الشمس في الخور، وأخرى لعائلات رغبت في الاستمتاع بمشاهدة المباني التراثية في الشندغة، وثالثة تطل على زمن قديم مضى أكثره لكنه ما زال يعمر البال· يذكر علي موسى مواقف كثيرة حدثت معه وتركت أثراً جلياً في نفسه، ويروي: كنت أبحر بعائلة سعودية في الخور عندما سقطت الزوجة في البحر، فتملكها الخوف والفزغ ولم يستطع زوجها أن ينتشلها من الماء، فقفزت لنجدتها من موت محقق، حدث ذلك منذ عشر سنوات تقريباً، ومن يومها نشأت بيني وبين هذه العائلة صداقة وطيدة لا تزال مستمرة إلى الآن· لا ينفي علي موسى أنه يتعب ويشعر بالمشقة وهو يقضي نهاره متنقلاً من ضفة إلى أخرى خاصة في أيام الصيف، لكنه مع ذلك يعشق عَبرته الصغيرة ولا يستطيع العيش بعيداً عن الخور الذي يحمل له مكانة خاصة في قلبه، بل يشعر أنه بمثابة الهواء الذي يتنشقه· يسرِّح علي موسى بصره في الأفق، يستعيد ما كانت عليه العبرة في الزمان العتيق: ''في منتصف القرن الماضي كانت طرق دبي عبارة عن ممرات ترابية ضيقة لا تسمح بمرور السيارات، لذلك كانوا يستخدمون الحمير أو الجمال للتنقل، وكان الانتقال من ضفة إلى ضفة يتم بالدوران حول نهاية الخور، كانت الرحلة طويلة ومضنية، لهذا لجأ الناس إلى العبرة كوسيلة سريعة للعبور من ديرة إلى بر دبي، وإلى الآن لم تفقد العبرة شعبيتها بين الناس خاصة العمال والموظفون الذين وجدوا فيها وسيلة مثالية للهرب من الاختناق المروري الذي تشهده المدينة· المدينة تغيرت والطرقات تغيرت، والعَبرة لم تبق على حالها، أصبحت وسيلة للسياح الذين يرون أن التنقل بها له مذاق خاص تنفرد به دبي، الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو عشق علي موسى للخور والعَبرة، عشق ما زال على حاله، يتجدد في كل صباح تشرق فيه الشمس لتغمر بغلالتها الذهبية مياه الأزرق الساحر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©