الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاشة مفتوحة لتفريغ الكبت

شاشة مفتوحة لتفريغ الكبت
8 ديسمبر 2007 23:29
عرف الإنسان فن الكتابة على الجدران منذ ملايين السنين· وكانت الرسوم والكتابات الجدارية أولى طرق التواصل ونقل العلوم والمعارف في فجر التاريخ، تدل على ذلك آلاف المدونات المهمة التي تسكن جدران الأهرامات ومقابر الفراعنة وكهوف حضارة الانكا في جبال الانديز وحضارة المايا في المكسيك· وظل هذا الفن صامداً ليومنا هذا على الرغم من اختراع الورق الأمر الذي تشهد عليه '' هيروغليفيات عيال الفريج '' على جدران البيوت والمدارس!! وهؤلاء المراهقون الذين وجدوا في الجدران مساحات ضخمة فارغة تتسع لأفكارهم وميولهم وحتى تسميع ما حفظوه من (أغانٍ) على جدران المرافق العامة والمدارس وغرف مولدات الكهرباء ، ففي كل مكان ترك المستهترون من المراهقين بصمات تدل على مرورهم هنا، تصرف خاطئ أسبابه مجهولة تتأرجح بين غياب التشريعات الرادعة، وقصور التربية الصحيحة ··! في كل مكان يقول حمد علي : يحدث أحياناً أن يشتري أحد الأصحاب علبة بخاخ بلا سبب ، ثم يقوم باستعمالها في الكتابة على أي جدار، مثلا، جدار المدرسة إن كان ساخطاً على أحد المدرسين أو الطلبة ، وربما جدار العيادة إذا كان يود التعبير عن حبه لأي نادٍ رياضي ، أو جدار أي بيت عادي إن كان يود شتم أحد سكان المنطقة! أي أن الجدار المستهدف يتحدد بحسب الغرض من الكتابة، لكن سبب الكتابة الرئيسي غير معروف، يقول حمد: ربما يحب الشاب التباهي بشجاعته المزيفة لأني كشاب لا أعتبر من يقوم بهذا العمل شجاعاً بل أعتبره جباناً لا يستطيع مواجهة الناس· يكره حمد هذا التصرف ويعتبره اعتداء على المال العام ويتابع: ''العيادة والمدرسة والبيوت والعمارات ليست ملك المراهق الذي يتلف جمالها ، إنها ملك لأصحابها وللدولة ، يجب أن نهتم بها لا أن نتلفها ونعبث بجمالها· بمناسبة وبغيرها ويعتقد خالد عبيد أن الشباب ازدادوا ولعاً بالكتابة على الجدران في أيام كأس الخليج ومبارياته، يقول: كثير من الطلاب كانوا مشدودي الأعصاب ومتوترين، الكثيرون كانوا يحاولون التعبير إما عن سخطهم على مباراة أو عن فرحتهم لأي نتيجة في أي مباراة، ووجدوا الجدران أفضل مكان لتكوين لوحات التشجيع أو التعبير عن الغضب، لكن هذا لا ينفي أن بعض الطلبة كانوا يحبون ''الشخبطة'' على الجدران لأي سبب ، فهناك البعض ممن يتعمد كتابة العبارات المسيئة في دورات المياه، وهناك من يحب كتابة كلمات وعبارات توحي بالقوة مثل : (البازوكة، المافيا، ما يهزك ريح ) ، وهناك من يجيد الرسم ويتعمد رسم الوجوه الكاريكاتورية أو شعارات النوادي والمؤسسات · ويضيف خالد : هناك من يكتب كتحدٍ لأي ''شلة'' أخرى خاصة في المدارس ويأتي أفراد الشلة المنافسة ليردوا عليه برد جارح على الجدار نفسه فيعاود الكاتب الأول الرد وهكذا إلى أن يتحول الجدار إلى منتدى حوار وشتم وقذف ! والغريب في الموضوع أن لكل شلة زعيماً يتولى قيادتها وتنظيم سلوكها واختيار شعار لها يتفق عليه جميع أفراد الشلة لأن الشعار أهم شروط الشلة ويمكن أن يكون رسما لعقرب أو سيف أو علامة الخطر أو أي رمز آخر · أحمد رحيم من الشباب الذين تصادموا من قبل مع عابثين يكتبون على الجداران ، يقول عن الواقعة: كنت أمشي مع أحد الأصدقاء حين رأيت عدداً من الطلاب يحملون بخاخات ملونة في كيس ويكتبون بعض العبارات المهينة على جدار المدرسة، صدمتني العبارات أكثر مما صدمني أسلوب تعبيرهم عن الغضب ، درست الموقف بسرعة فأنا وصديقي أضعف من الدخول معهم في صراع لأنهم أكبر سناً منا كما كان واضحاً ، اتصلت بأخي الأكبر الذي أخبر أحد المشرفين الإداريين في المدرسة وطلب مني تأخير المخربين بأي شكل وهذا ما فعلته أنا وصاحبي ، وكدنا يومها أن نتعرض لضرب مبرح لولا وصول أخي والمشرف الإداري اللذين أمسكا بالطلاب وعاقبوهما بأن يعيدوا طلاء جدار المدرسة · ويتابع أحمد : لا تقتصر المشكلة على جدران المدارس فقط فهناك مداخل الأنفاق وجدران الجسور وغيرها من الأماكن والغريب أني رأيت كتابات كثيرة على جذوع الأشجار وكراسي الحدائق، بل وهناك من كتب على صخور جبل حفيت أيضاً· حتى في البيت ناصر علي يعتقد أن الكتابة على الجدران تبدأ من المنزل فالكثير من الشباب يكتبون على جدران بيوتهم الداخلية أيضاً، ويذكر أنه زار وعائلته منزل أحد الأقارب قبل سنوات فكان المنزل أشبه بالسبورة ''العودة'' كله كتابات وشخابيط! يؤكد ناصر أن ما رآه على الجدران الداخلية لذلك أثار استغرابه : هناك من يحل واجب المدرسة على الجدار، وهناك من يكتب هذه غرفة فلان ، وكتب على باب المطبخ '' هنا المطبخ'' أمر غريب فعلاً لكنه أوضح لناصر أن البعض لا يجد الرادع الكافي في المنزل لذا يكمل ممارسة الهواية خارج حدود البيت، ويعتبر أن كل جدران الكون مكان مناسب ليكتب خواطره ويعبر عن مشاعره عليه · قصور أسري ومدرسي من جهته يقول الاختصاصي الاجتماعي عبد الرحمن هيكل : يفتقر الكثير من الشباب المراهق للصحبة الناضجة والتوجيه الصحيح، والأغلب منهم خاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق بعيدة عن أماكن الترفيه والنوادي الاجتماعية والثقافية يعيشون حالات من الفراغ التي تدفعهم لمحاولة إثبات الذات، الكثير منهم يحاول قضاء الوقت بالتجمع والشللية ويتبنى البعض منهم آراء وأفكار يتلقطونها بلا وعي من المحيطين بهم ويخرج الأغلب منهم من دون أن يعرف الأهل مع من خرج الأبناء ولا إلى أين يذهبون ·· هذا الأمر هو دافع من دوافع كثيرة لممارسة فن التنفيس عن المشاعر على جدران المباني المختلفة، كما حدث في الولايات المتحدة الأميركية على يد الزنوج حينما تعرضوا للكبت والاعتداء ، و في ألمانيا بعد انقسامها حيث عبر الشعب عن دواخله بالكتابة على سور برلين، أي أن هذه الظاهرة القديمة يرجع سببها الرئيسي إلى عدم وجود فرصة للتعبير عن الذات، والكبت والحاجة إلى الظهور أو الحب أو الصداقة ، وتعتبر أيضا متنفساً عن المشاعر السلبية تجاه الآخرين من حقد أو غضب أو حتى الإحساس بالظلم· والسيطرة على هذه الظاهرة مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة ووسائل الإعلام لوضع حدود لمثل هذه التصرفات والقضاء عليها، وكذلك ضرورة التوعية بالقيم الإسلامية التي تحث على التحلي بالأخلاق الفاضلة والاحترام · يبدأ دور المدرسة ببث الوعي بسلبية الظاهرة وخطورتها مستعينين بأدوار الإعلام المدرسي كالإذاعة وصحف الحائط لنشر قيم الولاء والانتماء للوطن والمحافظة على الممتلكات العامة التي وفرتها الدولة لخدمة الناس، وإقامة الفعاليات المختلفة التي يشارك فيها الطلاب وتستثمر وقت فراغهم بطريقة نافعة بعد انتهاء اليوم الدراسي ، وكذلك التعاون مع الأهل لحل مشاكل بعض الطلاب الذين يتكرر سلوكهم السيئ للسيطرة على سلوكهم بطرق ودية ولتفريغ شحنات الغضب المكبوتة بالطرق السليمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©