الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الاسم المستعار بين الهروب والتعبير عن الذات

3 مايو 2009 03:38
لم يتم تناول ظاهرة الاسم المستعار في حياة الخليج والجزيرة العربية الأدبية الحديثة إلا على المستوى الصحفي السطحي، ولعل أكثر هذه التناولات عمقاً ركز على أن اختيار الاسم المستعار يعني هروباً ما، نوع من هروب عن مواجهة المجتمع، وهروب كذلك من قبل صاحب هذا الاسم المستعار عن دفاع يفترض أن يرافق القول أو النص الذي يوقعه• لهذا فإن هذه التناولات كثيراً ما قصرت استخدام هذه الممارسة على النساء، فالمرأة بما أنها في مجتمعات محافظة كهذه، لهذا فإن تعبيرها الحر عن ذاتها يبدو مستحيلاً، ولهذا تلجأ الى التخفي خلف الاسم المستعار، ويكون الاسم في هذه الحالة نوعا من القناع• وحتى لا يأخذني الاستطراد بعيداً، أتصور أن هذه النظرة لا تقوم على قراءة نقدية وسسيولوجية معمقة لظاهرة الاسم المستعار، فالاسم المستعار مثلاً، لم يقتصر على المرأة، وإنما كثيراً ما وقع به رجال أقوالهم ونصوصهم، ثم إن هذه الظاهرة، كما تثبت إحداثياتها وتطوراتها أكثر تعقيداً من هذه الطروحات• ولعلنا، أو لعلي أنا على وجه التحديد، اسم سلمى مطر سيف، يشكل عندي حالة خاصة، فلقد التقيت مريم عبدالله (هل أقول ''الاسم الأصلي'' لسلمى؟) في المبنى الصغير القديم لمجلة الأزمنة العربية، وكان ذلك في السنوات الأولى من عقد الثمانينيات• كانت مريم في عامها الأول في جامعة الإمارات، وكانت في بداية الإعلان عن تجربتها في الكتابة الأدبية، وكنت أنا كذلك• وليس للمصادفة وحدها أن يكون الأستاذ غانم عبيد غباش أحد مؤسسي مجلة الأزمنة العربية وأحد مديريها، يكتب مقالة صحافية بالعامية تحت اسم مستعار هو: ''بلوطي''• فلماذا كتب غانم غباش مقالته تلك تحت اسم مستعار، وهو ليس بامرأة؟ هل كتبها ليهرب؟ لكن ليهرب من ماذا؟• أم كتبها لأنها بالعامية؟ كل هذه الأسئلة لا إجابة محددة عليها، لأن ظاهرة الاسم المستعار، كما أسلفت الإشارة، لم تدرس الى الآن درساً سيسيولوجياً نقدياً وعميقاً، وبما أنني لا أتذكر أنني قرأت نصاً موقعاً باسم مريم عبدالله، لا أتذكر، ولا تسعفني ذاكرتي على التذكر، لأن ما قرأته لمريم، أهم ما قرأته وُقِّع بهذا الاسم المستعار الجميل: سلمى مطر سيف• ومنذ ذلك الوقت، أي منذ مطلع الثمانينات وأنا أفكر بسؤال أوجهه إلى مريم وهو: لِمَ وكيف ومتى ولماذا وأين•• اختارت أو اختير أو كان هذا الاسم المستعار؟ ولأن الفرصة حينما كانت سانحة بالنسبة لي• وكنت زميلاً وصديقاً لمريم في تلك السنوات، لم أطرح عليها هذا السؤال، فإن فرصة طرحه عليها اليوم تبدو بعيدة الشقة، كما تقول العرب، ولهذا ليس أمامي إلا قراءته، حيث أحببت هذا الاسم المستعار من دون كل الأسماء المستعارة، أحببته جداً• وهو بالنسبة لي، من وجهة نظري، أكثر من اسم مستعار، إنه كتابة، إنه قصيدة• وأبدأ من الاسم الأول: سلمى: في مضيق الخليج مجموعة صخور تبرز من المياه وتُحطم السفن، ولكن الناس تسميها ''غبة أو لجة سلامة'' وكلا المضاف والمضاف إليه في هذه التسمية خادعان: فلا المضيق غبة ولجة، وكل بحَّار عَبر من بين تلك الصخور يعرف ما الذي تعنيه ''السلامة'' هناك• السلامة أيضاً في اللهجة هي الحياة• هذه الحياة التي تبحث فيها عن السلامة بعين الابرة ولا تجد• والقدس مدينة السلام، وسالم من التسميات الميثولوجية القديمة لهذه المدينة التي لا تحفل اليوم إلا بازدحام من يظنون بأنهم الناطقون الرسميون باسم الإله• هذا عن سلمى• أما عن مطر فإنه علي الإيجاز، الازدواجية التي يحللها الماء: الموت / الحياة، النعمة / اللعنة•• الخ• وهنا نأتي الى السَّيف: ما هو السيف• الخط• الخط القاتل، والخط المقتول• والسَّيف الحديدي المسنون الذي تمتدحه الشعرية التقليدية العربية لأنه يقطع الرقاب بسهولة قطع السكين لتورتة الاحتفال، والسيَّف هو الشاطئ• هو ذلك الخط الذي ترتفع قبله الأمواج حتى تتبدد وتنتهي وتتلاشى عند ذلك الخط• عند السيَّف• سلمى مطر سيف، الاسم المستعار كامل إلا أنه ناقص أيضاً، لا ينتهي كأنه بداية فحسب• ازدواج في كل مفردة من مفرداته، في كل حرف من حروفه (كرروه بينكم وبين أنفسكم كي تتأكدوا من هذا)• وفي تجربتها القصصية القصيرة، ولكنها الكبيرة، تكاد مريم عبدالله أن تكتب تلك القصص كشرح لهذا الاسم المستعار، ويكاد يكون هذا الاسم المستعار عنوان تجربتها التي مرت على حياتنا كبرق، وحفرت في أعماقنا ما لم تحفره الجبال• والفهم السائد والسطحي، والمحافظة العمياء والثقافة المدفوعة الثمن، ومضينا أبعد للزينة والاستلاب، كل هذا يجعلني أشعر بأن هناك من قتل ذلك الاسم المستعار الجميل سلمى مطر سيف•• ثمة من قتل سلمى مطر سيف•
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©