الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرواية الإماراتية.. خرساء في مجتمع ناطق

الرواية الإماراتية.. خرساء في مجتمع ناطق
28 نوفمبر 2007 21:14
عندما قررنا فتح ملف الرواية في الإمارات، بحثنا عن محور يجمع تشعبات هذا الجهد الإبداعي، ويختصر إشكالياته، فأظهرت نتيجة البحث مجموعة من ''الإنحصارات'' تطوي الأعمال الروائية الإماراتية بين جدرانها، ويمكن الدلالة عليها بجملة وصفية صيغت بسؤال موجه إلى عدد من النقاد والروائيين هي: ''هل صحيح أن الرواية الإماراتية هي خرساء في مجتمع ناطق''؟·
وكان تقديرنا، أن صيغة السؤال مستفزة، وهو ما انعكس في ردود فعل من تلقوا السؤال للوهلة الأولى، لكن المفاجأة كانت أن أغلب الإجابات جاءت لتؤكد ما طرحه السؤال·
فالرواية الإماراتية عالجت حقبة زمنية عاش فيها مجتمع الإمارات حيث صورت ملامحه وعلاقاته وتركيباته الثقافية والاقتصادية وممارسات أبنائه التي كانت تتمظهر في علاقة الإنسان بالبحر والارتحال المؤقت بين لجاته والشخصيات التي مارست العمل فيه، ولذا ترى الشخصية المركزية بالرغم من توفر المساعد يواجه بالعائق الذي يحيل طموحه إلى سراب· ذلك مفصل ظلت الرواية الإماراتية تتناوله باستمرار، وهذا ما يضفي تفاصيل أكثر وضوحا على صيغة السؤال الأول: لماذا كانت الرواية الإماراتية مغلقة على تلك الموضوعة بالرغم من أن المجتمع الإماراتي بات أكثر انفتاحاً على الحضارة وأكثر الشعوب تقبلاً لحوار الآخر؟ ولماذا قصرت الرواية عن تناول التحولات الاجتماعية والبنى الجديدة ؟ هل الرواية الإماراتية مغلقة في مجتمع مفتوح أو بمعنى آخر هل هي فعل ماض في مجتمع حاضر؟ وهل يعود ذلك إلى قصور في أدواتها أو تناولاتها أم أن الحقبة الاجتماعية السابقة هي المهيمن الذي لم يستطع الروائي الفكاك منه؟
كل تلك التساؤلات يحاول أن يجيب عنها الاستطلاع التالي، الذي يبقى موضوعه مفتوحاً أمام الراغبين في مزيد من الإضاءة عليه على صفحات ''الاتحاد الثقافي'':

يقول الناقد د· علي بن تميم: ما العلاقة الرابطة بين ظهور الرواية في الشرق الأوسط في العقد الأول من القرن العشرين من جهة وبداية الشعور الوطني القومي، هل هناك علاقة واضحة بين الرواية والوطنية، وهل ظهور مفهوم الأمة في أرض ما يتبعه بزوغ الرواية؟ هل العلاقة بينهما علاقة تلازم؟ وإذا افترضنا جدلا أن هناك بقعة ما على سطح الأرض، تسكنها جماعة بشرية، وتعيش دون رابط يجمعها، ولنقل بأن الرابط المفقود هو فكرة الأمة الموحدة، هل يمكن أن ينتج هؤلاء رواية بالمعنى الحديث للمصطلح؟ ما الذي يجعل دراسات ما بعد الاستعمار تلح على أن الرواية هي شكل يعبر عن نضوج الأمة الموحدة، ولماذا يربط بعض المفكرين المعاصرين مثل فريدريك جيمسون وإدوارد سعيد وهومي بابا بين الأمة Nation والسرد Narration? وكأن هناك علاقة قوية بين الاثنين؟ ترى ما الأسباب التي تجعل الجماعات البشرية بدون رابط موحد كالطبقة والجنوسة والأمة والوطنية والهوية والتاريخ المشترك والمدنية لا يمكنها أن تنتج عملا روائيا؟
وهكذا فإن هذه الأسئلة تؤكد بأننا لا يمكن أن نحدد مضامين الرواية وأزمنتها، لأنها ليست موّرثة بواسطة الجينات، وهذا أمر واضح، وإنما هي مكوّن معقد يستند على الشفرة الاجتماعية، ولذلك فبدون هذه الشفرة الاجتماعية الممثلة بالهوية لا يمكن أن تنشأ الرواية، لأنها تصبح معزولة بدون قرّاء، فالروائي لا يستطيع أن يشيد عالمه السردي بدون هذه الشفرة الموحدة، لأنه يريد أن يفهم مجتمعه مع قرائه، فهو يضطر للعودة إلى الماضي إذا اكتشف بأن واقعه المعاصر يشهد زوال الشفرات الموحدة من أجل الارتباط بقراء محددين يبحث عنهم الروائي، ولعل الروائي يفعل ذلك حتى يعطي الدوال المفرغة من المدلولات في لحظته المعاصرة مدلولا جامعا، لأن استدعاء الموروث التاريخي أو الأزمنة المنصرمة في العالم الروائي يهدف إلى اكتشاف هذا الرابط الموحد المفقود في الأزمنة المعاصرة، وهنا أذكر بنجيب محفوظ الذي بدأ مشواره الروائي متصلا بالتاريخ المصري القديم، وظل فترة طويلة مستحضراً هذا الماضي حتى عاد من جديد إلى أزمنته المعاصرة بعد أن تيقّن بأن الشفرة التي يبحث عنها قد ترسّخت في مجتمعه، فلم يعد بعدها من مبرر في أن يظل في الماضي، طالما الحاضر قد أدمج في رباط موحد، فعاد واتصل بإشكالات واقعة، وأعتقد أن هذه الأفكار قد تساعدنا في فهم ما يحدث في السرد الروائي الإماراتي·
وإذا استفدت هنا من فكرة منتج الأفلام باريان دي بالما الذي يقول: ''الناس لا يرون العالم حتى يوضع لهم في شكل سردي''، وانطلاقا من باريان يمكن الإشارة إلى أن الروائي الإماراتي يعايش ضبابية في العالم الواقعي، فضاء أبيض غير محكوم بشفرات واضحة تربطه بالقراء، وخشية من يعيش العزلة في كتابته، يرحل إلى الماضي حتى يقاوم عزلته وضياعه مضطرا إلى القفز عن واقعه إلى الوراء، حتى يمسك بعالم مرتبط بالقراء، وقد نكتشف إذا درسنا الأعمال الروائية في دولة الإمارات نموذجاً معيناً للتلقي، فما المتلقي الذي يحرص الروائي الإماراتي على مخاطبته؟ وهل نموذج التلقي هذا المرتبط ببيئته يجعله يتحول عن لحظته المعاصرة! وإذا كان السرد ينظم ويدخل الزمن في إنسانيته، ولذلك فهو يصور لنا المظاهر المؤقتة للوجود كما يقول بول ريكور، فإن الكتابة الروائية الإماراتية استنادا إلى هذه المقولة تبحث في الأزمنة التي يشعر فيها الروائي بأنها تعزز حضوره المغيب في لحظة تتجاور فيها ثقافات عالمية متنوعة تنافس عالمه المعاصر، ولذلك فإنه يشيّد عالما روائيا على طريقته الخاصة حتى يجعل الأزمنة مندمجة في إنسانيتها، ومن ثم يتجاوز مسألة التجاور هذا إلى الاندماج، ولو أنه يحقق هذا الاندماج تحقيقا مجازيا·

الصورة المثلى

اما الكاتبة المسرحية والقاصة باسمة يونس فترى: أن الرواية الإماراتية لم تكتب حتى الآن عن الإمارات لا في التاريخ ولا في الحاضر ولم تسجل وقائع الحياة الإماراتية في رواية كما يجب، ونستطيع أن نقول بأن الرواية في الإمارات غائبة ولا يمكنها الاكتفاء أو الاعتماد على جهد فرد لأنها ستموت مبكرة، وربما نحتاج لإعادة تذكير بأن الأدب هو الذي يوثق التاريخ بالصورة المثلى وهو حاضن لمراحل مهمة يمكن أن لا تؤدي الغرض من التعريف بها الكتب والوثائق الأخرى وقد تعرفنا إلى تاريخنا وتواريخ وحضارات سوانا عبر الكتب والروايات والحكايات، ولا شك بأن إهمال أو لنقل التغاضي عن هذا الجانب يحتاج إلى المكاشفة للتوصل إلى حلول وأن نتصارح عن الأسباب التي تؤدي للجفوة بين الكتاب وبين كتابة الرواية وفي الوقت نفسه علينا عدم حصر فكرة الرواية بأنها كتابة عمل ضخم يتجاوز آلاف الصفحات ومئات الفصول وعشرات الأبواب بل يمكن أن تكون رواية صغيرة لكنها متميزة وموثقة لأحداث هامة ومتقنة الحبكة وملتزمة بفنيات الرواية، وبالتأكيد لا مجال لفرض فكرة الإبداع الروائي على أي كاتب أو أن نسارع بمساءلة الكتاب عن السبب الذي يوقفهم عن كتابة الرواية لأن الأدب شعور حر ومطلق الحرية وغير مقيد برأي أو بحاجة أو بظاهرة معينة كما وأن كتابة الرواية فن بحاجة إلى قدرة وجهد والى وعي وتركيز كامل واطلاع على الكثير من الأحداث والوقائع، فكتاب الروايات في الغرب مثلا يشحذون فرق عمل تطلع على الوثائق إن كانت رواية تاريخية أو تبحث في المصطلحات والحالات العلمية والطبية إن كانت في هذا المنحى أو تتعمق في الأساطير إن كانت أسطورية أو تراعي الكثير من الأحلام والأمنيات إن كانت مستقبلية، ونجيب محفوظ الذي كتب تاريخ مصر في رواياته كان متفرغا تماما للكتابة ويعيش في قلب أحداثها حتى أن أكثر شخصياته كانت منقولة من الواقع الذي يجري حوله ومن المقهى الذي كان يجلس فيه، وكل هذه الدأب يعني الخروج برواية تنجح في أن تكون حقيقية وفي التواصل مع الناس بعملية ومنهجية وهو ما يستقطب القراء الذين يبحثون عن همومهم وعن قضاياهم وعن الحقائق التي تهمهم شخصيا في كثير من الأحيان، ومع ذلك فيمكننا من خلال النظر إلى تجارب مختلفة أن نتوصل إلى حلول في شأن مسح الغبار عن الحركة الأدبية في الإمارات بشكل عام وبالتالي دعم وتعضيد أسس الكتابة الروائية وعدم تجاهل مردودها الثقافي والتاريخي والحضاري المهم، يمكن أن نفكر بإطلاق مشاريع مثل الجوائز القيمة والمؤثرة ودعم الكتاب الموهوبين من خلال ورش عمل أو بالتبادل الثقافي والاطلاع على التجارب الأخرى والذي أؤيده بشكل كبير، والتبادل الثقافي الذي أعنيه هنا هو احتكاك المبدع الإماراتي بالمبدعين من كافة دول العالم وأن لا يتوقف هذا التبادل على مناسبة أو مؤتمر أو مهرجان، بل تكون هناك رحلات أو بعثات مكثفة للالتقاء بالروائيين وربما فكرة العيش معهم لفترة والتعايش مع الحالات الناجحة من الروائيين في العالم والاطلاع على تجاربهم والاستفادة منها، وعلينا عدم التوقف طويلا أمام فكرة ضعف فضيلة القراءة في هذا الزمان، فهي غير صحيحة وإن كانت حالة راهنة فهي لن تظل حالة مستقبلية، ويمكننا من خلال قياس ما يحدث في عدة مجالات أن نستشرف مستقبلا جيدا للعودة إلى ممارسة الأفعال الجيدة مثل القراءة·

تسجيل الأحداث

ويرى القاص إبراهيم مبارك أن البعض يسأل عن الرواية في الإمارات ويقول: لماذا هي غائبة عن الأحداث الجديدة التي تمر بالإمارات اليوم ولماذا تدور معظم الروايات في مجال المشاكل الاجتماعية القديمة أو الماضية، وكأنهم يقولون إن الرواية أو القصة هي قصيدة لشاعر يقف على حافة البحر أو تلال الرمل وينشد قصيدته للأحداث اليومية التي تمر عليه وإن الأديب هو كاتب سيناريو يغرف من المشاكل الاجتماعية اليومية ويقدمها لكل شهر رمضاني يأتي عاما بعد عام، كما نشاهد الآن الأعمال الكثيرة التي تظهر في الإمارات والخليج العربي دون الالتفات الى المستوى الفكري أو الثقافي أو الفني·
وأجدني لا أناصر أو أخذ بهذا الرأي الذي يطلب من الأدب أو الرواية على وجه الخصوص بأن يسجل أحداث الساعة عاماً بعد عام·
إن الرواية في اعتقادي هي إفراز فكر ورؤيا فاحصة ودقيقة ومتأنية في تسجيل الأحداث، وذلك بعد ان تترسخ كل الاشكاليات الاجتماعية وتثبت بدون تأويل في قراءة المشاكل الاجتماعية أو هي رؤية الفاحص الواعي للقضايا التي تمر بهذا المجتمع أو ذاك، وليس عيباً ان يتناول الروائي حدثا في الماضي ويشتغل على اسقاطه على الحاضر واستخلاص العبر والحكمة من تلك المواقف أو الأحداث، ولعلني استشهد ببعض الروايات التي كانت سجلت بعد الأحداث بزمن والتي أثبتت أنها الأصدق في طرح القضايا الاجتماعية التي يمكن القياس عليها والمقارنة بالحاضر تكون أكثر دقة مثلاً رواية ''عمارة يعقوبيان'' أو ''الأم'' لمكسيم جوكي أو ''الحرب والسلام'' وقد تكون الأحداث اليومية لأي مجتمع هي أيضاً مهمة وقوية عندما تجد الروائي الصادق أو المنقب عن القضايا الاجتماعية وعرضها بشجاعة وقوة، مثلاً ''أولاد حارتنا'' لنجيب محفوظ وما ينتج عن هذا العمل الشجاع في وقفة من تحدي ورفض من بعض القوى الاجتماعية·
وعندما يتجه الروائي أو الأديب الى رصد الماضي وتسجيله عبر الرواية أو القصة فإنه يسجل الكثير من الأحداث التي لا يمكن أن يسجلها القلم الرسمي ولا حتى كاتب التاريخ الرسمي ولن توجد مرايا كاشفة للعلل الاجتماعية أو القضايا الاجتماعية المهمة وكيفية قراءة الإنسان الشعبي لها غير عبر البعض من الكتاب الجادين وأصحاب الرؤيا الثاقبة لقضايا المجتمع، ولعل الأديب علي أبو الريش واحد من هؤلاء ونحن نحتاج لهؤلاء أن يكتبوا عن القضايا الاجتماعية الحاضرة والماضية حتى نستشرق ونستدل بها لرؤية القادم·

التغيرات الجوهرية

القاص والناقد عبد الإله عبد القادر له رأي مختلف في إطار هذه الاشكالية فيقول: في قراءة أولية للمشهد الروائي في دولة الإمارات، وعلى الرغم من التجارب الكثيرة وفي مطلعها تجربة علي أبو الريش، الذي واصل الكتابة دون توقف عبر المراحل العديدة التي مرت منذ تأسيس الدولة وحتى الآن على عكس الآخرين الذين بدأوا مع مسيرة التأسيس وتوقفوا تماماً أو توقفوا نسبياً مثل راشد عبد الله، محمد غباش، وغيرهما، في مثل هذه القراءة وبعيداً عن نقد الأسلوبية أو الشكل أو الانتقال إلى المضامين، يمكن أن نشير إلى عدة مؤشرات·
أولاً، أن ظهور فن الرواية منذ بداية تكوين الدولة يعني أن هناك ظاهرة جديدة تناسبت مع التغيرات الجوهرية في المجتمع الإماراتي، وأن الطفرة الحضارية التي شهدتها الدولة في منتصف السبيعنات وبداية الثمانينات صاحبتها التطورات الطبيعية في العملية الإبداعية على كافة أشكالها، خاصة وأن الرواية والقصة احتلتا مكان الحكاية الشفاهية والأدب الشفاهي وأن كان هذا الفن قد اعتمد في كثير من مكوناته على مفردة الأدب الشفاهي من حكايات وخراريف وأساطير·
ثانياً، نستطيع أن نؤشر من خلال فن الرواية والقصة الحديثين أن الطفرة الاقتصادية غير المتوقعة في السبعينات في القرن الماضي أحدثت نقلة حادة للمجتمع البسيط المتعايش، وبذلك ولدت هذه النقلة اسئلة صعبة كانت تحتاج إلى إجابات ولم يستطع الإنسان الواعي إيجاد تلك الأجوبة في حين كان يرى أن العديد من العلاقات التي جُبل عليها تتصدع وتتلاشى قيمها، وأن جغرافية الأرض والإنسان تتغير كل يوم حتى فقد علاقته بالمكان والزمان وكل المفاهيم التي تدور حوله بما في ذلك وسائل الإنتاج التي تلاشت ليحل محلها وسائل أخرى قد تكون غريبة، بل وظهرت إشكالات جديدة مثل مشاكل التركيبة السكانية، صراع القديم والجديد بكل ما في الطرفين من مفاهيم وقيم، انحسار العقلية الغيبية التي اعتمدها المجتمع السابق طبقاً لطبيعته وثقافته ومسكوناته وحلول مجتمع مادي صرف متمرد على القيم المسكونة اجتماعياً في دواخل الشخوص والعقول·
ثم جاء الانفتاح الأوسع مع بداية القرن الجديد، ونهاية القرن الماضي على عوالم قد تكون كونية ليتقزم الإنسان أمام ناطحات السحاب وبذلك يتغير فضاء المدينة والبيت والعمل والإنسان وأصبح مجرد رقم صغير محجم أمام كل هذه المباني العملاقة والشوارع المزدحمة·
وأمام هذا المشهد كانت الرواية والقصة بالذات في طليعة الإبداع الذي تأثر سلباً وإيجاباً بكل تلك المتغيرات الجذرية، وبالفعل انعكست كل تلك المتغيرات بالثيمة الأساسية لهذا الأدب الإبداعي، وظلت ملازمة في الموضوعات التي كرست بشكل ملحوظ على صراعات الماضي، بل أصبح معظم الكتاب أسرى التراث والماضي وأحياناً التاريخ، ومعظمهم يطرح تلك المواضيع دون المحاولة للخروج من قيودها حتى ولا نجد من يحاول اسقاطها على الإشكاليات المعاصرة، وهذا ما نلمسه أيضاً في كتابات المسرح في الإمارات خاصة في العلاقة مع المرأة، ووسائل الإنتاج، وكأن الكاتب أي كان جنس الكتابة يهرب من الواقع اليومي وصراعاته الجديدة، وإشكالاته المتعددة ويحتمي بالتراث وحكاياته ما يؤدي إلى خلق أسئلة عديدة تطرح نفسها وهي: هل هو عجز فني أسلوبي، قد لا يتوفر عند الكاتب لخلق ثيمته المعاصرة؟ أم هل هو عدم وعي أو فهم بما يدور حوله؟ لكن الواقع يثبت عكس ذلك، فمعظم كتابنا على وعي وفهم يتناسب والانفتاح الجديدة على أوقيانوس العالم، أم هل هو عدم استيعاب للمشهد اليومي المعاش المتغير نحو أشكال جديدة شكلانية ومن داخل الإنسان؟ أم هل هو نقص في الحريات؟ ولكن الإجابة على هذا التساؤل هي في التأكيد على أن نسبة الحرية وسقفها أكبر مما يتوفر للعديد من الكتاب في أنظمة عربية تدعي الديمقراطية في إعلامها وتكتم حناجر الكتاب وتؤمم أقلامهم بالسر والظلام، وهذا الشبح غير موجود في الدولة التي لم تعرف سياستها أبداً بالقمع الفكري أو الاضطهاد الإيدلوجي·
وفي إطار كل هذا المشهد لا بد أن نقر أن الرواية ليست القصيدة، التي تتفاعل آنياً مع الحدث والتغيير، ربما للعوامل آنفة الذكر مجتمعة أثر في مسارها، إنما تحتاج إلى اختمار وتخمر وترسب في ذهن الروائي لتنعكس لاحقاً في كتاباته هكذا علمتنا تجارب الروائيين الكبار، والروايات التي خلدت وخلّدت أصحابها، إن الزمن كفيل من خلال التراكم الكمي والنوعي معاً لخلق رواية متطورة جداً قد تكون في مقدمة المنتوج الأدبي الروائي الإنساني·

الوجود والحضور

ويخالف الناقد الدكتور صالح هويدي التصور الذي وضعه السؤال عن الرواية الإماراتية فيقول: أفهم من سؤالكم الذي آثرتم صياغته على نحو رمزي، وبلغة أدبية، أنكم تذهبون إلى الاعتقاد بأن المجتمع الإماراتي مجتمع صاخب، موّار، يعج بالظواهر والمشكلات، خلافا لواقع الرواية الإماراتية التي أدارت ظهرها لهذا الواقع، لتناقش موضوعات الماضي، ولتبدو في حالة سكونية·
وأجد نفسي بناء على هذا الفهم أتفق إلى حد كبير مع هذا الرصد الذي يمثل رأيا نقديا سليما، برغم تحفظي الجزئي على الموقف نفسه، وعلى اللغة الأدبية التي استخدمت في وصفه· فعلى الرغم من عدم انفتاح الرواية الإماراتية على الحاضر المحيط بها وقصورها عن مواكبة الواقع الذي تعيشه، فإنها لم تعدم، على نحو من الأنحاء، استجابة هنا أو هناك للظواهر الراهنة التي تناولتها تجارب معدودة، إلى جانب أن استخدام مفردتي (خرساء) و(ناطفة) لا يبدو دقيقا بما يكفي، ما دام ثمة شواهد تخرج على القاعدة، وإن سلمنا بمحدوديتها سلفا، ليصبح الأمر تأتأة وليس خرسا، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى التي قد نختلف عليها، فهي تلك المتصلة بالقول إن المجتمع الإماراتي مجتمع - على خلاف الرواية المصاحبة له - صخّاب، يحفل بالمظاهر الاجتماعية والتاريخية التي أغفلتها الرواية، على النحو الذي سنوضحه·
وقبل أن نبين موضع اختلافنا مع هذا التصور، لا بد من توضيح حقيقة هي، أن من يكاد يحرص على كتابة الرواية في الإمارات لا يكاد يتجاوز الروائي الواحد الفرد، وأقصد به (علي أبو الريش) وأن من عداه، ممن كتب أكثر من عمل أو عملين - وهم لا يزيدا على روائيين اثنين - توقفا منذ ربع قرن أو أكثر، وهي فترة زمنية معاصرة تعدم من يمثلها، فضلا عن أنها تعني تعذر القول بأن ثمة كتابات روائية لا تعبر عن الراهن المجتمعي، ما دامت متوقفة في الأصل·
وفي ظني أن ثمة فرقاً بين القول بوجود كتابات روائية في مشهد ما والقول بوجود حضور روائي، ففي الإمارات ثمة شعر حداثي متواصل الحلقات حقق تراكما إبداعيا ومستوى فنيا جيدا، مثلما فيه قصة قصيرة لافتة ومتطورة، لكن من الصعب القول بوجود حضور روائي إماراتي، بمعنى الحضور التراكمي واستمرار التقاليد وتحقيق تحولات نوعية يمكن تلمسها· وآمل ألا يفهم هذا الحكم على نحو ضيق وعاطفي، فليس المقصود التقليل من شأن بعض كتاب الرواية المشهود لهم بالتجويد، بقدر ما نقصد به الحديث عن حضور الظاهرة الفنية بمعناها الاصطلاحي، وهو أمر يتصل بكون المجتمع الإماراتي مجتمعا سكوني البنية بسيطا في علاقاته الموروثة، لم يشهد هزات وأحداثا كبرى أو تحولات اجتماعية وتاريخية، تغير من بنيته وتتيح المجال لظهور الفن الروائي، وهو أمر لا علاقة له بالتطور الاقتصادي أو بالنهضة العمرانية الضخمة، يبقى بعد ذلك أن أستشهد بعملين، للروائية أمنيات سالم والروائي ثاني سويدي اللذين عالجا في روايتيهما، الواقع الاجتماعي، بمظاهره القديمة وتحولاته الجديدة ولم يغفلا الحاضر، أما الروائي علي أبو الريش، فعلى الرغم من انشغاله بموضوعة تتصل بالماضي غالبا، لكن من الخطأ النظر إلى ذلك بمعزل عن حالة الإسقاط الرمزي التي يحيل عليها منجزه الروائي·

عيوب كثيرة

ويتحدث الكاتب نواف يونس عن إشكالية الرواية في الإمارات فيقول: من أهم ملامح النتاج الروائي في الإمارات، كثرة العيوب الفنية والفكرية من حيث تكاثر الشخصيات دون أي غرض وظيفي لتلك الشخصيات مما يتعذر معه على القارئ معرفة ما يدور في ذهن وفكر ووجدان هذه الشخصيات أو طبيعة الصراع الذي يدور بينها مع استثناءات محدودة نجدها خصوصا لدى علي أبو الريش حيث تبرز في بعض رواياته أسئلة الوجود والهوية، مع احتدام الصراع بين الذات ونفسها وبينها وبين محيطها إلى جانب اختلال مستويات السرد وعدم توظيفها بوعي فني، أضف على ذلك عدم استغلال وتوظيف هذه المتغيرات والتحولات التي طرأت على المجتمع في الإمارات وأثرها على الحراك الاجتماعي ودورها السلبي والإيجابي في انتقال المجتمع من نظمه التقليدية البسيطة في تركيبها، إلى مجتمع يواكب العالم الحديث من خلال نهضة شملت الجوانب السياسية والاقتصادية والعمرانية وحتى الثقافية والاجتماعية، خصوصاً أن عالم الرواية يتيح عملية الكشف عن حقيقة الذات وأبعاد المجتمع في حراكه وتحولاته، لكون المجتمع في الإمارات لا يزال منحازاً للقيم التقليدية ولا يرغب في إحلال أي قيم أخرى بديلة، لذا، فالمتابع للنتاج الروائي في الإمارات رغم محدوديته، يرى أن أغلب إن لم يكن كل هذا النتاج يتمحور حول قضايا إما غارقة في العودة إلى الماضي القريب (قبيل ظهور النفط) وتحميله تلك الإسقاطات على الواقع بدلالات ورموز غالبا ما تكون ضبابية وغير واضحة، أو ترصد لحظات واقعية وجدانية لم تتبلور في أطر ومعاني الوطن والأرض والأم والموت والحياة وفلسفة الوجود وأسئلة الهوية وأبعاد الذات الإنسانية وعلاقتها بنفسها وبالآخر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©