الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حفار قبور مغربي يتعايش مع الموت ويعتبر عمله تقرباً إلى الله

حفار قبور مغربي يتعايش مع الموت ويعتبر عمله تقرباً إلى الله
19 مارس 2010 20:37
ينفر الناس من العاملين في المقابر ويستغربون من رباطة الجأش والشجاعة التي يتحلون بها وهم يستقبلون الجنازات كل يوم ويقومون بغسل الميت وتكفينه وإنزاله إلى القبر، ويعتقد العامة أن “القسوة” التي يوصف بها حفار القبور ومغسل الموتى وغفير المقابر تنعكس على وجوههم وحياتهم، فأصبحوا منبوذين في المجتمع، تنفر النفوس منهم وتقشعر الأبدان لرؤيتهم، والحقيقة أن الناس تنفر من حفار القبور؛ لأنهم يخشون لحظة احتياجهم إليه حين يتحول المرء إلى جثة بين يديه يقلبها كيف يشاء إلى أن يواريها الثرى. في إحدى مقابر المغرب، يعمل العم إبراهيم العماري الذي يجمع بين حفر القبور وتغسيل الموتى وحراسة المقبرة، بمساعدة زوجته وأبنائه. أمضى إبراهيم 43 عاما وسط القبور يستقبل الجنازات ويكرم الموتى ويواريهم الثرى ويواسي أهل الميت. وتشبع هذا الحفار بأصول الحرفة وعرف أسرارها من خاله الذي كان يعمل حفار قبور، واختار أن يكمل مسيرته رغم إدراكه أن الناس تكره هذه المهنة، ويرى العم إبراهيم أن الناس تكره حفار القبور؛ لأنه يذكرهم بالموت والحياة الآخرة، كما أن أغلبهم لا يلتقون بحفاري القبور إلا في مناسبة أليمة فقدوا فيها عزيزا لديهم، وهو ما يجعل نظرتهم إلى هؤلاء الأشخاص مرتبطة دائما بالموت والفراق الأبدي، كما لو أنهم سبب منية البشر، ورغم ذلك يبقى العم إبراهيم متمسكا بمهنته رافضا التخلي عنها لأنها ضرورية وأساسية في الحياة البشرية ولا غنى لأي مجتمع عنها. استقبال الجنائز يحفظ العم إبراهيم خريطة المقبرة عن ظهر قلب ويشير إلى مدافن المشاهير من فنانين وسياسيين ورياضيين. حياته داخل المقبرة تغيرت بعدما أصبحت تضم جثمان ابنته ولم تعد المقبرة بالنسبة إليه مكانا للعمل والسكن فقط، ووسط سكونها الموحش الذي تشقه بين الفينة والأخرى أصوات نحيب بعض الزوار الذين غالبهم الشوق والحنين لأحبتهم الراقدين تحت التراب. يبدأ العم إبراهيم في شرح مهنته وسرد تفاصيلها وأسرارها، فيقول: “يبدأ عملي حين يطلب مني أهل الفقيد تجهيز القبر، بعضهم يكلفني بتغسيل الميت وإعداد كفنه وآخرون يفدون إلى المقبرة مع جنازة جاهزة للدفن، وفي حالة كان الميت رجلا يساعدني ولدي في تغسيله وتكفينه ونقله إلى المسجد المجاور للصلاة عليه، بينما تتكفل زوجتي بتغسيل الموتى من النساء وإعدادهن للدفن، وبعد الانتهاء من الصلاة تبدأ مراسم الدفن بحفر القبر واستقبال الموكب الجنائزي وسط نحيب الوداع وقراءة القرآن والأدعية”. ويختار العم إبراهيم بقعة من أرض المقبرة التي قاربت على الامتلاء ويضرب بفأسه بقوة لحفر القبر العميق متمتما بالدعاء للميت، وبأن يجعل الله هذا القبر روضة من رياض الجنة، وبعد وصول الجنازة ينزل العم إبراهيم إلى القبر ويستقبل الجثمان بمساعدة ابنه وأقارب المتوفي إذا أراد أحدهم أن ينزل إلى القبر ويساعد في الدفن، ويوضع الجثمان على الجانب الأيمن موجها وجهه نحو القبلة، ثم يواريه التراب وتنتهي عملية الدفن على أصوات بكاء ونحيب أقارب الفقيد. ويرفض هذا الحفار تحضير القبر قبل إعلامه بوصول الجنازة كما يفعل بعض حفاري القبور لربح الوقت، ويعتبر العم إبراهيم أن هذا التصرف ينم عن حب واشتياق للموت وتفاؤل بقرب وصول الموتى، ويؤكد أنه لا ينزعج حين يمر يوم دون أن تصل الجنائز إليه، بقدر ما ينزعج حين يدفن في اليوم الواحد أكثر من عشرة أشخاص. الخوف من القبور يعترف العم إبراهيم أن عمله أثر بشكل كبير على حياته الاجتماعية، حيث إن بعض أقاربه أحجم عن زيارته تعبيرا عن الرفض والاستياء من هذه المهنة، أما أقاربه القادمون من القرية لعيادة طبيب أو للقيام بإجراء إداري، فلا يفارق ملامحهم الخوف والقلق وتنتابهم الخيالات ويجافي النوم عيونهم طوال الليل خوفاً من القبور والنوم وسط الأموات. ويعترف إبراهيم بمعارضة زوجته للسكن في المقبرة قبل أن تستسلم للأمر الواقع وتتعايش مع الوضع، ويقول: “في سنوات زواجي الأولى أبدت زوجتي انزعاجها من السكن في المقبرة ومن حديثي المتواصل عن عملية الدفن، وكان أكثر ما يزعجها تعليقات قريباتها وصديقاتها اللاتي ينتابهن الخوف طوال زيارتهن للبيت، مما كان يسبب لها حرجاً شديداً، أما اليوم فقد أصبحت متصالحة مع هذا السكن وراضية به”. ويؤكد العم إبراهيم أن عمله وسكنه في المقبرة ليس كله سلبيا، بل له إيجابيات على أسرته وحياته الاجتماعية؛ لأن السكن وسط الأموات والقبور يدفع الأمر إلى أن يحاسب نفسه بشكل متواصل ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يغضب الخالق، ويضيف: “لا شك أن منظر القبور موحش ومزعج، خاصة حين يغادر الأطفال في الصباح إلى المدرسة، لكنه أيضا منظر مهم لمن أراد أن يتعظ ويعتبر”. ويؤكد العم إبراهيم أن أحفاده لا يخافون الأموات، رغم أنهم أطفال؛ فهم يصرون على حضور الدفن وقراءة القرآن الكريم على القبر، ويستيقظون من النوم حين تصل الجنازة في الليل ولا يتوجسون من اقتراب رقعة القبور من البيت والمرور بالموتى الذين يضيق المكان بقبورهم، مشيرا إلى أن أبناءه أصبحوا مستقيمين أكثر من أقرانهم بفعل تأثرهم بالعمل والسكن في المقبرة، ويأمل أن ينشأ أحفاده متأثرين بهذا الوسط. يخرج والدته من القبر لأخذ بصمتها عن الحوادث والقصص المخيفة التي واجهها في عمله، يقول إبراهيم إنه حين كان شابا يساعد عمه في حراسة المقبرة وقعت حادثة اغتصاب فتاة من عائلة معروفة وحين قامت الشرطة بتعقب الفاعل سقط من مرتفع فتوفي ودفن بالمقبرة، وفي الليل قام أشقاء الفتاة بنبش القبر وإخراج الجثة والتنكيل بها إمعانا في إذلال عائلة المتهم، ورغم تعاطفه مع عائلة الفتاة، فقد قام إبراهيم بإبلاغ الشرطة فاعتقلت أشقاء الضحية، ويعتبر العم أن هذه الواقعة من الحوادث القليلة التي تتعرض لها القبور، حيث إن الجميع يلتزم باحترام القبر وحرمة الموتى. ومن القصص الغريبة التي شهدها العم إبراهيم، حكاية رجل قام بنبش قبر والدته ليلة دفنها بهدف استغلال أصبع يدها في عملية البصم على عقد بيع الأراضي الفلاحية التي كانت تمتلكها ثم دفنها من جديد، فضبط وتم اعتقاله ومحاكمته، واعترف الجاني أن الطمع حرك الخديعة في قلبه ورفض فكرة أن يتقاسم مع أخواته الإرث، بحكم أنه الولد الوحيد وأنه رعى الأرض طيلة عمره واستقر رأيه ورأي بعض المتواطئين معه، على إخراج جثة والدته من القبر لأخذ بصمتها على عقد تم إنجازه بأثر رجعي على بيع ممتلكاتها له، لكن خطته باءت بالفشل بسبب ضوء المصباح الذي كان يحمله، والذي أثار انتباه أحد الحراس وسط ظلام المقبرة فهُرِع لإخبار الشرطة.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©