الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجويع الغزاويين... وسيلة إسرائيل الأخيرة

تجويع الغزاويين... وسيلة إسرائيل الأخيرة
20 نوفمبر 2007 22:42
لقد كانت الآمال عريضة لحظة الانسحاب الإسرائيلي العسكري أحادي الجانب من قطاع غزة، المصحوب أيضاً بإخلاء 9 آلاف من مستوطنيها هناك، بينما اتحدت إرادة المجتمع الدولي في مساعدة الفلسطينيين على جعل القطاع نموذجاً مصغراً لدولتهم القادمة· ولكن ألا ما أندر النهايات السعيدة في هذه البقعة المضطربة من العالم! لقد تسممت أجواء الحياة في القطاع مؤخراً بسبب انتشار العصابات الإجرامية، وبسبب القتال المتبادل فيه بين شتى الفصائل الفلسطينية· وفي الوقت الذي سقطت فيه بعض الصواريخ التي استهدفت المدن الإسرائيلية المجاورة على أهل القطاع أنفسهم، إذا بالرد العسكري الإسرائيلي على تلك الهجمات، يكمل تلك الصورة القاتمة للحياة، بين استمرار للهجمات العسكرية، وحصار اقتصادي خانق فرضته تل أبيب على جميع السكان· وبعد مضي بضعة أشهر من القتال المتبادل بين حركة حماس ومنظمة فتح المتنافستين -وهي المعارك التي انتهت إلى اندلاع حرب أهلية شاملة في شهر يونيو المنصرم- لقي فيها نحو 160 من الفلسطينيين حتفهم، بينما بلغ عدد مصابيها حوالي 800 كثير منهم من المدنيين، خرجت منها حركة حماس -التي تصنفها كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي باعتبارها منظمة إرهابية- الطرف الفائز بهذه الحرب· وعلى رغم الهدوء النسبي الذي ساد لاحقاً، إلا أنه من الصعب القول بنهاية هذه الحرب، مع ما نرى من صراع ''فتح'' من أجل توطيد سلطتها في الضفة الغربية، بينما تصر حركة حماس على إمساك قبضتها بقطاع غزة· لعل آخر مظاهر استمرار النزاع الداخلي بين الفصيلين، أحداث العنف الدموي التي انتهت إليها المظاهرات الشعبية التي نظمتها ''فتح'' الأسبوع الماضي، بمناسبة الذكرى الثالثة لوفاة زعيمها ياسر عرفات، بسب إطلاق عدد من شرطة ''حماس'' النيران على بعض المتظاهرين الذين كانوا يرشقونها بالحجارة، فقتلت ستة منهم بينما انهالت بالضرب والركل على آخرين· والحقيقة أن القطاع كله لا يزال تحت الحصار، بسبب العزلة المفروضة على حركة حماس· فعلى إثر الانسحاب الإسرائيلي بمدة قصيرة، شكا أهالي القطاع من أنهم يعيشون في سجن كبير، طالما أن ''تل أبيب'' تسيطر على أجوائهم وسواحلهم، إلى جانب سيطرتها على المعابر الرئيسية من وإلى القطاع· وعلى رغم أن في تلك الشكوى ثمة مسحة أيديولوجية في السابق، إلا أنها أصبحت أقرب إلى الواقع اليوم، بعد إغلاق منافذ العبور إلى داخل الحدود المصرية أمام سكان القطاع مؤخراً؛ ومن الطبيعي إذن أن يتطلع بعض السكان لمغادرة ديارهم والعبور منها إلى أي مكان آخر من العالم، فيما لو أتيحت لهم الفرصة· فالشوارع مقفرة وتكاد تخلو من الحركة تماماً، بينما تواصل الاستثمارات الخاصة مواتها، بسبب النقص الحاد في الواردات والجفاف الذي ألمّ بالصادرات· وفوق السمة المحافظة أصلاً لسكــان غزة، إلا أن تشدد حركة حماس لم يرغم نساءها على تغطية رؤوسهن فحسب، بل ووجوههن أيضاً· هذا ولا تزال تل أبيب تؤكد التزامها بعدم تجويع أي من مواطني القطاع وتوفير كافة مقومات الحياة لهم، إلا أنها تريد في الواقع لحركة حماس أن تواجه المصاعب أمام عزمها على بسط سيطرتها على القطاع· وسبيل ''تل أبيب'' الوحيد لتحقيق هذا الهدف، هو فرضها المعاناة على سكان القطاع أنفسهم حتى ترغمهم على اتخاذ التفاوض مع إسرائيل خياراً وحيداً لإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة، وهذا هو ما تؤيده منظمة فتح، بينما تتبنى منافستها ''حماس'' طريق العنف والكفاح المسلح ضد إسرائيل منهجاً رئيسياً لها وهادياً لنشاطها· وكما يقول ''راجي صوراني'' -مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وهو نفسه يعيش بين قضبان السجن الكبير المنصوب لأهل القطاع: ''هناك على الأقل قوانين ولوائح تحكم السجن والمسجونين، حين يكون المرء مسجوناً بالفعل· وقد سبق لي أن مررت بتجربة السجن هذه· أما اليوم فنحن نعيش في مزرعة للحيوانات، أي في حظيرة كبيرة يلقى علينــا فيها بالطعـــام والـــدواء لا أكثر''· هكذا يبدو قطاع غزة عبر هذه الصور المأساوية المرسومة عنه، شاحباً متضائلاً وأكثر عزلة وتشدداً، بينما يواصل أهله خوض ملاحم الحياة اليومية العصيبة، التي لا مفر من خوضها لأجل البقاء· ستيفن إيرلانجر كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©