الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

العملة الخليجية قادمة رغم المصاعب

العملة الخليجية قادمة رغم المصاعب
18 نوفمبر 2007 23:24
هنالك شعور ظل يسود المنطقة بضرورة وحتمية تنفيذ أكثر مشاريع التكامل الاقتصادي طموحاً -وهو العملة الخليجية الموحدة- قبل أن يصطدم بالمشاكل في أوائل هذا العام عندما أقرت سلطنة عُمان بأنها لن تتمكن من تلبية الموعد النهائي المحدد للوحدة النقدية في عام ·2010 لذا فإن قرارها بالانسحاب من الخطط الرامية لتحقيق العملة الموحدة إنما يعكس ذلك الانقسام الذي طالما استمر سائداً في دول مجلس التعاون الخليجي بين الرغبة في التمسك بسياسات نقدية سيادية لكل دولة عضو وبين الطموحات الهادفة لمحاكاة واستنساخ تجربة العملة الموحدة في الاتحاد الأوروبي، وغني عن القول إن النموذج الأوروبي ظل يمثل إحدى الموجهات الكبرى لمجلس دول التعاون، حيث يقول زكريا هجرسي نائب المدير التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادي في البحرين ''استمر الاتحاد الأوروبي يعتبر القدوة ومصدر الإلهام فيما يختص بما حققه في مسألة العملة الموحدة''، لذا فإن قرار الكويت بالتخلي عن ارتباط عملتها بالدولار في مايو من عام 2007 والانسحاب بذلك من اتفاقية سابقة بالتمسك بالقيمة الحالية للعملات حتى موعد 2010 قد وجه لطمة غير متوقعة لطموحات الدول الست الرامية للتخندق خلف عملاتها الوطنية· وكما ورد في ''ميد'' مؤخراً فإن الحقائق تشير إلى أن الخليج ما زال بعيداً بكل المقاييس من بلوغ هذا الهدف، ولكن هذا لا يجب أن يحبط الآمال، ولعل تجربة الاتحاد الأوروبي مفيدة هنا حيث كان قد اصطدم بعقبة انسحاب أحد أعضائه عن المشاركة إلا أنه استمر في الازدهار حتى من دون مشاركة المملكة المتحدة· وبصرف النظر عن الآلام المتخلفة عن فقدان السيطرة على السياسة النقدية فإن الظروف التي ظلت تبرر ربط العملة الموحدة بالدولار أصبحت تتآكل بوتيرة متسارعة بسبب الضعف الذي استمر يساور العملة الأميركية، فبينما استمرت دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالموارد النفطية تكدس مليارات الدولارات في خزائنها وميزانياتها وتشهد فائضاً غير مسبوق في حساباتها الجارية إلا أن الاقتصاد الأميركي استمر في نفس الأثناء يعاني الأمرين في مواجهة مشاكل أخرى تستوجب بالضرورة اجتراح قيمة تنافسية لعملتها· ولعل بناء النظام النقدي الموحد على أسس متصدعة تتمثل في ضعف الدولار يرجح أن دول مجلس التعاون اختارت التوقيت الخطأ وبشكل يجعل من المستحيل على العملة ''الخليجية'' أن تصدح بالرنين في داخل جيوب المواطنين على الأقل في موعد العام ·2010 وبات يتعين على المجلس أن يهب أولاً لنجدة المشروع من الظروف الجائرة الاقتصادية والسياسية التي تمسك بخناقه· ومع ذلك فإن من الناحية العامة على الأقل فإن المجلس ما زال يؤكد التزامه بالمشروع، إذ يقول عبدالرحمن العطية الأمين العام لمجلس دول التعاون أمام اجتماع المجلس السنوي الذي تعد في امستردام في 31 اكتوبر المنصرم: ''أؤكد لكم على التزامنا بعدم التأخر عن الموعد المستهدف من عام ·''2010 أما الآن وفي ظل اتجاه بعض كبار المسؤولين المتنفذين في البنوك المركزية مثل محافظ البنك المركزي في دولة الإمارات العربية المتحدة ناصر سلطان السويدي إلى التشكك في جداول التوقيتات الزمنية فإن الاعتقاد العام بأن الأمور تمضي بصورة حسنة نحو العام 2010 أخذت تبدو غير مقنعة· وبالطبع فقد بدأت السلطات النقدية في دول المجلس تتجه إلى منحى آخر مختلف عندما تقدم محافظو البنوك المركزية في مجلس التعاون باقتراح بتأجيل موعد 2010 على أن يتم تقديمه إلى مؤتمر وزراء المالية، إلا أن الوزراء رفضوا هذا الاقتراح بحجة أن التبريرات بالتأجيل ليست كافية لتقديمها لرؤساء الدول في قمتهم المزمع عقدها في الدوحة في أوائل ديسمبر المقبل· وعوضاً عن ذلك طالب الوزراء محافظي البنوك المركزية ولجنة الوحدة النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي برسم جدول زمني جديد يتم التقدم به في عام ،2008 وهو الأمر الذي يعتبر ربما اعتراف ضمني بأن التأخير سوف يساعد على اعادة خطط العملة الموحدة إلى مسارها الصحيح مجدداً، إذ يقول عبدالعزيز العويشق مدير التكامل الاقتصادي في مجلس دول التعاون الخليجي ''ان الجدول الزمني الجديد سوف يمكننا من رؤية المعوقات والتأخيرات التي قد تنشأ على المدى الطويل''·· وبرغم التقارير الاعلامية التي تشير إلى أن قمة رؤساء دول مجلس التعاون سوف تحدد موعداً نهائياً للوحدة النقدية فإن من غير المرجح اتخاذ مثل هذا القرار إذ إن السلطات في دول مجلس التعاون ليست في عجلة من أمرها في حسم مثل هذه المسألة الاستراتيجية البالغة الأهمية كما يشير المراقبون· وفي ظل قرار سلطنة عمان بالنأي بنفسها عن الوحدة النقدية فقد اقترح البعض ضرورة الاسراع في التنفيذ بحيث يتيح مقابلة الموعد المحدد في ،2010 وقد ألمح بعض المسؤولين إلى انفاذ مثل هذه الخطوة إذ يقول عبدالرحمن العطية: ''اذا نظرت إلى اليورو والاتحاد الأوروبي فسنجد أن بعض الدول ليست جزءاً من الوحدة النقدية''· وعلى كلٍ فإن خطوة الإسراع نحو العملة الموحدة لا تبدو ضمن أجندة المناقشات الرسمية على الرغم من أن المعايير الخاصة بنقاط الالتقاء والتوحد قد تم الاتفاق عليها، وهي تتلخص في ألا يزيد التضخم أكثر من 2 في المائة عن المتوسط الخليجي المشتهدف وألا تزيد أسعار الفائدة بأكثر من 1,5 في المائة عن المتوسط المستهدف لمجلس التعاون وألا يقل معدل العجز المالي أكثر من 3 في المائة من اجمالي الناتج المحلي، وألا يزيد الدين الوطني عن 60 في المائة من اجمالي الناتج المحلي وألا تقل الاحتياطيات المالية عن تغطية الاستيراد لأربعة أشهر، إلا أن الدول الأعضاء بمفردها ما زال يتعين عليها كل بمفردها انفاذ هذه الضوابط الصارمة· وغني عن القول إن التركيز على مسألة الوحدة النقدية يبقى أمراً مفهوماً على خلفية الاضطراب الذي ساد أسواق العملة في المنطقة في هذا العام إلى جانب قرار الكويت بفك ارتباطها بالعملة الخضراء وبشكل أثار التوقعات بأن المملكة العربية السعودية ربما تقتفي هذا الأثر، ولكن الاهتمام الأقل من المستحق لمسألة العملة الموحدة قد بدأ يشكل نوعاً من القلق والمخاوف أيضاً للمراقبين· وكما يقول ايكهارت ويرتز مدير البرامج الاقتصادية في مركز الخليج للبحوث: ''حتى اذا ما أصبحت لديك عملة موحدة فإن ذلك لن يؤدي في الحال إلى ازدهار التجارة حيث يحتاج الأمر أيضاً إلى انفاذ العديد من المتطلبات الادارية والقانونية''، فالعملة الموحدة بإمكانها إنعاش التجارة الخليجية البينية عبر تقليل مخاطر صرف العملات الأجنبية وإزالة تكاليف التعاملات في السلع والنقود، إلا أن هذه الفوائد يمكن أن تصبح أكبر من ذلك بكثير بمجرد إنفاذ وتحقيق المستجدات الأخرى للتكامل· وكما يقول العويشق: ''لقد تمكنا من تحقيق وحدة جمركية منذ العام 2003 وجاءت النتائج ايجابية مقارنة بتوقعاتنا الأولية''، فقد كان من المتوقع للتجارة أن تشهد توسعاً بمعدل يصل إلى 30 في المائة في خلال فترة السنوات الأربع الأولى من الاتحاد الجمركي ولكنه في حقيقة الأمر استمر يحقق نمواً بمعدل 20 في المائة في التجارة في كل عام في المتوسط منذ العام ·2003 أما الآن فإن المشروع الكبير المقبل الذي من المتوقع إطلاقه في مؤتمر قمة الدوحة في نهاية العام 2007 هو مشروع السوق الموحدة· وبلاشك فإن هنالك إجماعاً عاماً ومتنامياً بأن إصلاحات السوق الموحدة سوف تلقى تأييداً أكبر من العملة الموحدة لما سيتحقق من فوائد عبر حرية تنقل السلع والعمالة والخدمات، وإلى ذلك فإن بعض المقادير والمتطلبات الهامة والحيوية لإنشاء السوق الموحدة متوفرة أصلاً، فقد فرض الاتحاد الجمركي رسوماً خارجية مشتركة بواقع (5) في المائة كما تمكن أيضاً من إزالة الرسوم الجمركية الأخرى بين الدول الأعضاء· لذا فإن التمكن من انشاء أسواق مرنة فيما يختص بالعمالة سوف يمنح دفعة حاسمة للاستثمارات باتجاه تطوير اقتصاد حقيقي يفتقد إلى الحدود والحواجز في منطقة الخليج، علماً بأن وزراء العمل في مجلس التعاون كانوا قد اتفقوا في يونيو الماضي على مشروع قانون موحد للعمالة يعمل على مراجعة نظام الكفلاء الذي استمر يربط العمالة الوافدة بالمستخدم الحالي· وحتى يتم إنفاذ العديد من الاجراءات المماثلة فإن العملة الموحدة ربما تتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها؛ إذ يقول العويشق ''اذا ما تمكنا من تحقيق السوق الموحدة فإن التجارة والخدمات بين الدول الأعضاء ربما تصبح كبيرة الحجمبشكل يساعد الوحدة النقدية لأن تتمخض عن تأثيرات ونتائج أكثر عمقاً''، ومضى يشير إلى أن الآثار الناجمة عن العملة الموحدة تعتمد على المدى الذي ستمضي فيه الدول الأعضاء في مسألة التكامل قائلا ''حتى الآن فإن هذه الدول نجحت في التكامل في التجارة عبر الاتحاد الجمركي ولكننا ما زلنا نأمل في أن تحقق هذه الدول المزيد من التكامل وانجاز سوق مشتركة فيما يتعلق بالاستثمارات والخدمات''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©