الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما وراء اختطاف فولر

30 ابريل 2009 00:16
عندما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في مطلع 2009 أنه قد كلف السفير الكندي السابق ''روبرت فولر'' ليصبح مبعوث الأمم المتحدة في محاولة للتوسط وحل النزاع المسلح بين ثوار قبائل ''الطوارق'' وحكومة النيجر، استقبل القرار في كندا بارتياح شديد واعتبر قراراً موفقاً• فالسفير ''فولر'' معروف في الدوائر الدبلوماسية والسياسية في كندا، وعلى الصعيد العالمي بسعة الأفق وحسن التقدير والشجاعة في الرأي إلى جانب علاقاته الأفريقية الواسعة (خاصة أفريقيا الفرانكفونية) وصلاته الوثيقة بقضايا تلك المنطقة• هذه الصفات الشخصية، جعلت ثلاثة من رؤساء الحكومات الكندية يختارونه مستشاراً سياسياً لهم قبل تقاعده عن الخدمة• لذلك عندما جاء اختطافه ومساعده الكندي ''لويس جاتي''، قبل أربعة أشهر وأيام (من سيارتهما التي تحمل شارة الأمم المتحدة) وفي الطريق العام، وعلى بعد أقل من مائتي كيلومتر من نايمي (عاصمة النيجر)، كان وقع الخبر على الحكومة والرأي العام عاصفاً• وأعلنت جماعة تسمى ''جبهة قوات المقاومة'' في بيان على الإنترنت أن ''أسر فولر ومساعده هو رسالة قوية موجهة إلى الحكومة الكندية التي تقوم بتسليح قوات حكومة النيجر وتقاتل قبائلهم (الطوارق وتتمول في شراء السلاح وأدوات الحرب بعائدات اليورانيوم)• اختطاف مبعوث السلام الدولي جاء مفاجأة للرأي العام ''الطيب''، وأصبحت لأربعة أشهر قضية اختطاف السفير ''فولر'' قضية رأي عام وتبارت أجهزة الإعلام في الحديث عنه واستنطقت كل من له به صلة شخصية أو عامة وتناقلت بعض الصحف أخباراً من ''مصادر موثوق بها'' أن الخاطفين قد نقلوا فولر وصاحبه إلى المغرب وسلموه لفرع ''القاعدة'' المغربي، وحذرت كثيراً من مراكز البحوث والمختصين بأن ''القاعدة'' الآن تتمدد في الصحراء الكبرى، ونسيت أو تناست أن اختطاف السفير الكندي السابق المشهود له بالنزاهة والالتزام بالمسؤولية هو من قال خاطفوه إن أسره رسالة قوية موجهة لحكومة كندا التي تسلح قوات الحكومة التي تحاربهم•• ونسوا أن هنالك في الصحراء الأفريقية الكبرى مشكلة وقضية شائكة اسمها قضية الطوارق البدوية التي ظلت تعيش وتترحل في مساحة ممتدة ما بين شمال القارة إلى غربها وما بين النيجر ومالي إلى بوركينا فاسو• وأن هذه الأزمة التي خلفتها عملية اختطاف الدبلوماسي الكندي ليست الأولى، وأن انتفاضة الطوارق الحالية التي دعت الأمم المتحدة أن تتدخل، وتحاول إيجاد حل لها على يد ''فولر''، هي بتعبير أصحابها، أساسها وسببها أن الحكومة النيجيرية التي كان سبق لها وبفضل جهود أفريقية قد توصلت إلى اتفاق سلام ومصالحة مع زعماء ''الطوارق''، وأنها قد التزمت بمنحهم حقهم العادل في الثروة الوطنية والسلطة المركزية، وأن تقيم لهم مدناً تعمرها المدارس والمستشفيات، وأن تعيد لهم الحق الشرعي والطبيعي كمواطنين في الدرجة الأولى مثل القبائل الأخرى التي تحكم وتتنعم بالثروة (في بلد من أفقر بلدان العالم)• ومنذ عام 1995 (عام الاتفاق)، هدأت الأحوال، وصرف العالم أنظاره عن هذه القضية معتبراً أن التمرد (تمرد طوارق) قد انتهى• وجاءت مرحلة اكتشاف اليورانيوم في النيجر، وبكميات كبيرة، وتسابقت الشركات الدولية لنهب الثروة الجديدة، وما يصحب هذا النهب عادة من فساد وإفساد، وخلفت الحكومات المتعاقبة عهودها واتفاقها مع الطوارق (وهي عادة سيئة ليست قاصرة على صفوة النيجر)• وبينما عملية النهب مستمرة، والنهابون يتصورون أن الأمر قد استتب للحكومة القوية، فجأة انشقت أرض النيجر عن جيل جديد من أبناء الطوارق يتحدثون لغة جديدة، ويفجرون انتفاضة جديدة من أجل استرداد حقوق أهلهم وكرامتهم المهدورة• وبرغم كثرة القصص والروايات التي حفلت بها الأشهر الأربعة السابقة التي قضاها السفير ''فولر'' أسيراً••• وبرغم رفضي اختطاف المبعوثين الدوليين، أو طرد المنظمات الدولية العامة في الإغاثة، فإن قناعتي منذ البداية تتمثل في أن جوهر ولب عملية الاختطاف بالنسبة للخاطفين كان هدفها منذ البداية تلك الرسالة التي وجهوها للحكومة الكندية وللشركات الدولية العاملة في النيجر• وأظن أن الرسالة قد وصلت• عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©