(إيل أوف مان) ·· ملاذ كارهي الضرائب الأوروبية

قلّما يتردد اسم هذه الجزيرة المنعزلة على ألسن غير المهتمين بعالم الأعمال؛ ولا يكاد يدري بها أو بموقعها إلا قلّة من الناس بالرغم من أنها أصبحت مؤخراً مقصداً للمستثمرين في القطاعات الصناعية والسياحية والعقارية· وتعوم جزيرة (إيل أوف مان) أو جزيرة الإنسان، منفردة في البحر الإيرلندي بين إنجلترا وسكوتلاندا وإيرلاندا وويلز، وتبعد بأقل من 100 كيلومتر عن شاطئ لانكاشاير الإنجليزية· ومن أهم عناصر تميّزها وتفرّدها عن بقية الجزر البريطانية، أنها تشكل إمارة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي ولا تتبع المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ولها برلمانها الخاص الذي يدعى (تينوالد)، وتطبق قوانينها الخاصة، وتتمسك بثقافتها وعاداتها وتقاليدها ومطبخها وطوابعها البريدية· وبسبب طبيعتها الساحرة ونظامها السياسي الناجح ، أصبحت ملاذاً لعشاق الاسترخاء وقضاء الأوقات الممتعة· كما أن سكان الجزيرة ينطقون لغة خاصة بهم تدعى (مانكس) قليلة الشبه بالإنجليزية بالرغم من أنهم جميعاً يفهمون الإنجليزية ويتحدثونها بطلاقة· ولعل هذا كله يتفق مع طبيعتهم المنفتحة على الآخر ليس إلاّ· ولجزيرة الإنسان عملتها الخاصة، ونظام قيادة السيارة فيها هو النظام اليساري، بخلاف النظام اليميني المتبع في كل دول الجزر البريطانية التي تحيط بها· وبلغت هذه الجزر مستوى من النجاح السياحي والاقتصادي خلال السنوات العشرين الماضية جعل منها حديثاً تتندّر به الأوساط الاقتصادية والسياحية· وأصدرت صحيفة فاينانشيال تايمز قبل أيام ملحقاً خاصاً من ثماني صفحات يتناول المنجزات المتميزة لهذه الجزيرة الصاعدة التي يبدو بوضوح أنها عازمة على تخطّي نماذج هونج كونج وتايوان وسنغافورة من حيث سرعة التطور· وجاء في تقرير بقلم جيمس ولسون نشرته الصحيفة في ملحقها الخاص أن هذه الجزيرة، وبعد 24 عاماً من النمو الاقتصادي المتواصل، والتصدّي للانتقادات الأوروبية المتواصلة لها بسبب الانخفاض الشديد للضرائب التي تفرضها على الاستثمارات المحلية والأجنبية، أصبحت الآن ملاذاً آمناً لرؤوس الأموال الاستثمارية العالمية· ويُعرف عن حكام الجزيرة براعتهم الفائقة في اكتشاف الفرص السانحة للتعجيل بتحقيق عملية التطور الاقتصادي بالسرعة القصوى من خلال الانفتاح والتعاون مع دول العالم،ولم يعد غريباً بعد كل هذا أن يتمتع سكانها الذين يبلغ عددهم 80 ألفاً، بأعلى مستوى معيشة بين سكان الجزر البريطانية كلها· و(جزيرة الإنسان) غير محمية بقوات مسلحة خاصة بها؛ بل تعتمد على القوات البريطانية لحمايتها· وتمكنت من تأسيس نظام متكامل من البنى التحتية والخدمات المتطورة والتسويق الناجح بما جعلها تشكل نموذجاً رائداً للنجاح الاقتصادي· وسرعان ما يلاحظ الأجانب من أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، سهولة دخول أسواقها التي تنطوي على القوة والضخامة بعد أن أصبحت همزة وصل بين الأسواق المجاورة المنتشرة في أوروبا والعالم· وربما كان من أهم أسباب نجاحها أن معدل الضرائب التي تفرضها على الشركات والصفقات والاستثمارات التجارية يبلغ الصفر تماماً· وكانت هذه العوامل المشجعة وراء تدفق نهر من الأموال الاستثمارية إليها· وفضلاً عن كل هذه المزايا، أصبحت (إيسل أوف مان) تجتذب السياح من كل أنحاء العالم من خلال التنظيم الدقيق والمتواصل للسباقات الرياضية والمهرجانات السياحية والانتشار الواسع للمنتجعات السياحية والفنادق الفخمة والمتوسطة على طول الكورنيش الشاطئي لمدينة دوجلاس التي تعد عاصمة الجزيرة وأهم مدنها· وتحظى نظافة البيئة باهتمام كبير من حكام الجزيرة التي تولد نسبة كبيرة من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الرياح والطاقة الشمسية·