الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخ الأزهر في ذمة الله

شيخ الأزهر في ذمة الله
18 مارس 2010 20:02
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على? سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين... وبعد يقول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (سورة الأحزاب الآية 23 ). فقد العالم الإسلامي يوم الأربعاء الماضي العاشر من شهر مارس عَلماً من أعلام الأمة الإسلامية، وعالماً من علمائها الأجلاء، وأستاذاً من أساتذتها الفضلاء، ونموذجاً فريداً من الدعاة، إنه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية، الذي انتقل إلى رحمته تعالى في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية. وإذا كانت كل أمة تتحسس ألم المصيبة وفداحة الكارثة حين تفقد بطلاً من أبطالها، ورجلاً فذاً من رجالاتها، فإن أمتنا حريٌّ بها أن يطول حزنها، وتشتد مصيبتها لفقد أبنائها البررة، وعلمائها الأجلاء، وخطبائها البلغاء. وموت العلماء مصيبة كبيرة، حتى قال بعضهم: لموت قبيلة أيسر عند الله من موت عالم. وقال آخر: إذا مات العالم ثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا عالم غيره، ومن أشد الأخطار على الأمة أن يموت العلماء، فيخلفهم الجهلاء، الذين فرغت رؤوسهم من العلم، وقلوبهم من التقوى، فيفتون الناس بغير علم، فيضلون ويضلون. وهذا ما نبه عليه الحديث الصحيح الذي قاله نبينا - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم”، وفي رواية لم يبق عالماً” اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) ( أخرجه الشيخان والترمذي ). هذه نظرة الإسلام إلى العلماء الذين يرشدون الناس إلى الخير والهدى، ويبينون لهم أحكام دينهم الإسلامي الحنيف، فقد علمتنا عقيدة الإسلام أن الخلود لله عز وجل، وأن كل من عليها فانِ، وأن كتاب الله ليعد بحسن الصبر عمن نفقد حسن العوض منه، وإنا لنستنجز الله وعده أن يهبنا - ونحن الضعفاء - قوة من عنده ورحمة من لدنه. إن الدين الإسلامي يشجع على العلم، ويكرم العلماء، حيث إن أول آيات كريمة نزلت على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كانت تتحدث عن العلم {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} (سورة العلق الآية (1-5)). ورفع الإسلام مكانة العلماء عالية خفاقة {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (سورة الزمر الآية (9))، كما وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة تبين ذلك، حيث يقول - صلى الله عليه وسلم-: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) ( أخرجه أبو داود والترمذي) ، ويقول أيضاً: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة) (أخرجه أحمد). كما بين - صلى الله عليه وسلم - أن علمهم يبقى صدقة جارية إلى يوم القيامة، كما ورد في الحديث الشريف (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح ?يدعو له) (أخرجه مسلم ). مؤلفاته للشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي -رحمه الله- عدد كبير من المؤلفات، ومن أهم مؤلفات الشيخ التفسير الوسيط للقرآن الكريم والذي يقع في خمسة عشر مجلداً، وقد طبع عدة مرات، وكتبه في أكثر من عشرة أعوام، ليكون تفسيراً للقرآن الكريم، محرراً من كل الأقوال الضعيفة، وقد شرح الألفاظ القرآنية شرحاً لغوياً مناسباً، وبين أسباب النزول، كما امتاز بسهولة اللفظ والشرح، ويُدرس هذا الكتاب في المعاهد الأزهرية. ومن مؤلفاته -رحمه الله - أيضاً كتب: بني إسرائيل في القرآن الكريم، ومعاملات البنوك وأحكامها الشرعية، والحوار في الإسلام، والاجتهاد في الأحكام الشرعية، وأحكام الحج والعمرة، وتنظيم الأسرة، والتصوف في الإسلام، والجهاد من الرؤية الشرعية، وغيرها من الكتب. زيارته لفلسطين ومن المعلوم أن فضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي -رحمه الله - قد زار قطاع غزة بفلسطين بناء على دعوة وجهتها لفضيلته عند زيارتي له في مكتبه بمشيخة الأزهر ليشاركنا في الاحتفال الذي تقيمه وزارة الأوقاف لتكريم العلماء وحفظة القرآن الكريم، وقد كانت الزيارة يوم الثلاثاء 27/ رمضان/1420هـ الموافق 4/ يناير/ 2000م، حيث حضر على رأس وفد كبير من علماء الأزهر وقد ضم الوفد كلاً من: الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر، والدكتور فوزي فاضل الزفزاف وكيل الأزهر الشريف وعدد من علماء الأزهر بجمهورية مصر العربية، وذلك للمشاركة في الاحتفال السادس لتكريم العلماء وحفظة القرآن الكريم الذي تقيمه وزارة الأوقاف الفلسطينية، وكان تحت رعاية ومشاركة الرئيس ياسر عرفات -رحمه الله- وقد رحبت بفضيلة الإمام وصحبه الأخيار على أرض فلسطين المحررة، كما ألقى الإمام الأكبر كلمة معبرة وصادقة نقل فيها تحيات مصر الكنانة إلى الشعب الفلسطيني، وجاء فيها: “إن شعباً هذه طبيعته وهذه توجهاته لن يخذله الله، إنه شعب وفيٌّ كريم، فيه أصالة الأجداد ويمتلك عزيمة المؤمنين”. وللحقيقة، فقد كانت هذه الزيارة إلى قطاع غزة زيارة تاريخية عكست وحدة الأمة، وأن الشعب الفلسطيني ليس وحيداً في الميدان، وقد هبطت الطائرة التي أقلت وفد الأزهر في مطار عرفات الدولي بمدينة رفح ظهر الثلاثاء وغادرته بعد صلاة العشاء، فقد كان المطار أحد رموز السيادة الفلسطينية وقتئذ. حبه - رحمه الله - لفلسطين ومازلت أذكر مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية خلال مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثاني عشر والذي عقده الأزهر الشريف بعنوان “هذا هو الإسلام” خلال الفترة من 3-5/ صفر/ 1423هـ الموافق? 16-18 أبريل/2002م، حيث كانت الجلسة الافتتاحية يوم الثلاثاء 16/4/2002م في قاعة المؤتمرات الكبرى بمجمع البحوث الإسلامية بمدينة نصر، وحضرها رئيس الوزراء، وفضيلة الأمام الأكبر، ووزير الأوقاف، ورئيس جامعة الأزهر، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور أسامة الباز، والدكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور يوسف القرضاوي ومئات العلماء من مصر والعالم الإسلامي، حيث كرّم فضيلته قضية فلسطين وأعطاها حقها في الجلسة الافتتاحية التي نقلتها جميع وسائل الإعلام، عندما أعطاني الفرصة لإلقاء كلمة فلسطين في هذه الجلسة فتحدثت عن فلسطين وانتفاضة الأقصى، وما يتعرض له المسجد الأقصى من اعتداءات، كما تحدثت عن ثبات الفلسطينيين ودفاعهم عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين بالنيابة عن المليار ونصف المليار مسلم، كما تحدثت عن الحصار المفروض على الرئيس ياسر عرفات -رحمه الله- ونقلت إليهم تحيات الشعب الفلسطيني وقيادته، وبينت أن الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية بدينهم متمسكون وعن عقيدتهم مدافعون، وأن الشعب الفلسطيني لن يفرط في ذرة تراب من أرضه المباركة، ولاقت هذه الكلمة ترحيباً كبيراً من الحاضرين، فجزى الله شيخنا خير الجزاء على مواقفه. وفاته وقد توفى -رحمه الله- في الرياض، وأكرمه الله بأن أُقيمت الصلاة عليه في المسجد النبوي الشريف، ثم دفن في البقيع، حيث الصحابة الكرام والأئمة الأعلام، ومن المعلوم أن فضيلة أستاذنا الجليل الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- قد انتقل إلى رحمته تعالى أيضاً في الرياض بالمملكة العربية السعودية يوم السبت الموافق 9/3/1996م أثناء حضوره مهرجان الجنادرية الثقافي، ليشارك في ندوة عن “الإسلام والغرب”، وخرجت أنفاس الشيخ -رحمه الله- وهو يدافع عن الإسلام ويذود عن حماه، وقد شرفه الله سبحانه وتعالى بأن دفن بالقرب من مثوى رسول الله - عليه الصلاة والسلام- ومسجده الشريف، بمدافن البقيع بالمدينة المنورة، التي ألف فيها كتابه القيم “فقه السيرة” ودمعه يختلط بالمداد تأثراً وحباً للرسول الكريم، وقبره -رحمه الله- في موضع متميز، قريب جداً من قبر الإمام مالك، وقبر الإمام نافع أحد القراء السبعة، رضي الله عنهم جميعاً. اللهم ارحم علماءنا، وأكرم نزلهم ، وعوضنا عنهم خير العوض وإنا لله وإنا إليه راجعون، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©