السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الحروب الرقمية» ومعركة احتكار تكنولوجيا الإنترنت

«الحروب الرقمية» ومعركة احتكار تكنولوجيا الإنترنت
18 فبراير 2014 23:58
تأليف: تشارلز آرثور ترجمة وعرض: عدنان عضيمة في قديم الزمان، كانت الحروب تمثل صراعاً على الأرض، ولكنها أصبحت في عصر ثورة المعلومات تنافساً على مساحات افتراضية لا وجود لها في الطبيعة ولا تحدّها حدود. وفي الحرب الرقمية الحديثة لا تُستخدم الرماح والسيوف ولا البنادق والمدافع، بل هي حرب التفوّق في القدرة على ابتكار الأجهزة الرقمية “الهاردوير” والبرمجيات الصالحة لتشغيلها “السوفتوير” بفعالية أكبر. ويدور الصراع الأكبر الآن بين الشركات التكنولوجية العملاقة التي تُعدّ على أصابع اليد الواحدة على احتكار تكنولوجيات محركات البحث في الإنترنت وما يتفرع عنها من تطبيقات ذات علاقة بالاتصالات وتقديم الخدمات الإعلامية والترفيهية. ونحن هنا بصدد كتاب جديد صدر بالتزامن عن دار “كوجان بيج” في لندن وفيلادلفيا ونيودلهي، ويتعرّض لهذا الصراع بالوصف والتحليل ويناقش تأثيراته الإيجابية على مسيرة التطوّر المتسارعة التي تميّز عصر المعلومات، وعلى مستقبل البشر أنفسهم. والكتاب من تأليف “تشارلز آرثور” الصحفي والمحلل ذي الباع الطويل في متابعة التطورات التكنولوجية في صحيفة “الجارديان” البريطانية. وتمتد خبرته في هذا المجال لفترة تجاوزت ربع القرن، عمل خلالها محرراً علمياً في صحيفة “إندبندت” ومجلة “نيو ساينتيست” العلمية الشهيرة ذات الانتشار الواسع. وكانت له لقاءات وحوارات مفصلة مع روّاد ثورة المعلومات من أمثال “بيل جيتس” و”ستيف جوبس” وكبار المدراء التنفيذيين في شركة “جوجل”، واشتهر أيضاً بمتابعته للاستراتيجيات والأفكار والخطط الإنتاجية لأضخم ثلاث شركات متخصصة بتكنولوجيا المعلومات هي: “آبل” و”جوجل” و”مايكروسوفت”. وقسّم “آرثور” كتابه إلى 7 فصول مرتبة بحيث تسرد الأحداث والوقفات المهمة خلال التاريخ القصير لعصر المعلومات. معارك «الحيز الافتراضي» وتعود البدايات الأولى للحرب الرقمية الكبرى التي يعرض “آرثور” لوقائعها ويتناولها بكل تفصيل، إلى عام 1998 عندما وجدت الشركات الثلاث “مايكروسوفت” و”آبل” و”جوجل” نفسها وهي تتزاحم على حيّز افتراضي واحد. وكانت تمثل شركات مختلفة من حيث الاختصاصات والتوجهات، إلا أنها كانت مجبرة على خوض سلسلة من “المعارك السوقية” للسيطرة على النواحي المختلفة للابتكارات الرقمية ومن أهمها: تكنولوجيا محركات البحث، والأجهزة والتطبيقات الموسيقية المحمولة، والهواتف الذكية، وسوق أجهزة الكمبيوتر اللوحية. وكانت الأسلحة التي استخدمت في هذه المعركة هي “المنصّات” أو الأجهزة أو المكونات الصلبة “الهاردوير”، والبرمجيات أو البرامج التطبيقية “السوفتوير” وأنظمة التشغيل والإعلانات. وصحيح أن الشركات الثلاث كانت تهدف من خوض هذه المعارك إلى تحقيق المزيد من المكاسب المادية، إلا أنها كانت في الوقت ذاته تفعل فعلها المؤثّر في تطوير حياة البشر وتغيير أسلوبهم في العيش والنشاط والإنجاز. ويعرض “آرثور” وقائع وتفاصيل هذه المعركة منذ بداية عقد التسعينيات وحتى رحيل “ستيف جوبز” عام 2011. ويشرح في كتابه الثقافات الإبداعية المختلفة للشركات الثلاث ويحدد المنتصر والمهزوم في كل فرع من فروع استثمار وتسويق أدوات التكنولوجيا الرقمية. ولقد كانت عوائد سوق تكنولوجيا المعلومات هائلة للدرجة التي جعلت الاستثمار فيها يجتذب ألوف الشركات الناشئة ويدفع ببعضها إلى قمم النجاح خلال زمن وجيز. بيئة الإثراء السريع ففي عام 1998، بلغ رأسمال شركة مايكروسوفت 344,6 مليار دولار، وآبل 5.54 مليار دولار. وفي ذلك الوقت، كانت “جوجل” في بدايات تأسيسها في شهر مارس 1996 برأسمال إجمالي بلغ 10 ملايين دولار فقط ولم تكن تمثل شركة بالمعنى الحقيقي إلا أن مؤسسيها الشابين الطموحين “لاري بيج” و”سيرجي برين” كانا يزاحمان الشركتين العملاقتين الأخريين في الطموح والقدرة على الابتكار والوقوف على حاجات المستهلكين. وسرعان ما تغيّرت هذه الأحوال. ففي عام 2012 انخفض رأسمال مايكروسوفت إلى 258 مليار دولار وارتفع رأسمال آبل بشكل مذهل إلى 564 مليار دولار (أو ما يزيد على الناتج الوطني الإجمالي لدولة النمسا)، وارتفع رأسمال جوجل إلى 203.4 مليار دولار. وتعبّر هذه الأرقام بوضوح عن الحجم الهائل لأسواق الأجهزة الرقمية والبرامج التطبيقية، وضراوة المعركة التي تسودها، وسرعة الحصول على العوائد الضخمة منها. ويتجلى ذلك من خلال النمو الصاروخي الذي حققته شركة “جوجل” خلال الفترة الممتدة منذ تأسيسها وحتى نهاية عام 2012، فلقد تضاعف رأسمالها خلال هذه الفترة التي لا تزيد على 15 عاماً بنحو 20 ألف مرة، وهو نمو لا يمكن لأي شركة لصناعة أو إنتاج السلع المادية أن تحققه مهما كان نوع النشاط الإنتاجي الذي تمارسه. وهناك الكثير من الأسئلة التي تتراءى إلى أذهان مستهلكي الأجهزة والخدمات الرقمية والباحثين عن الفرص الاستثمارية في تكنولوجيا المعلومات ومعظم الناس العاديين مثل: ما هو تاريخ الشركة التي أنتجت محرك البحث الذي يستخدمه أكبر عدد من الناس؟، وممن نشتري المحتوى الموسيقي الرقمي؟، وما هي الشركة التي تصنع برنامج التشغيل والبرامج التطبيقية التي تبعث الروح في أجهزة الهاتف “الموبايل” التي نستخدمها أو أجهزة الكمبيوتر اللوحية التي نقتل بها وقتنا أثناء انتظار موعد السفر بالطائرة؟، وغيرها من الأسئلة التي يعالجها الكتاب بالتفصيل. مثّل ابتداع “محركات البحث في الإنترنت” المعركة الأولى التي خسرتها شركة “مايكروسوفت” لصالح “جوجل”. ويعود سبب هذه الخسارة إلى عدم التزام خبراء الشركة بالمبدأ الذي كان مؤسسها ومديرها التنفيذي وعبقري ثورة المعلومات “بيل جيتس” ينادي به والذي يقول: “إذهب بمنتجاتك المتجددة إلى السوق قبل أن يسبقك إليه الآخرون”، وهو المبدأ الذي كان يقف وراء نجاح الشركة في احتلال موقع الريادة في مجال صناعة أنظمة التشغيل وخاصة منها نظام “ويندوز”. فلقد قال في حوار صحفي عام 1998: “أنا أعتقد أن من الأفضل لنا أن نركز على إنتاج البرمجيات دون غيرها. وعندما يكون لديك معالجات مصغّرة تتضاعف قدرتها على الأداء كل عامين، فلا بدّ أن يتولد لديك الانطباع من أن قدرات الكمبيوتر المستقبلية ستكون مفتوحة تماماً أمامك”. سوق البرمجيات وتمكنت مايكروسوفت” بالفعل من تنفيذ وصايا “جيتس” وأغرقت الأسواق بسلسلة مبتكرة من البرمجيات التي لا تتوقف عن التطور وبحيث تكون مرتبطة ببعضها من حيث زيادة فعالية الأداء حتى يضطر الزبائن لشرائها بشكل متواصل. ولقد رأى المشرّعون القانونيون في هذا السلوك نوعاً من الاحتكار وبما عرض الشركة لعدة دعاوى قضائية في الولايات وأوروبا. وكانت هذه هي النكسة الأولى التي تتعرض لها منذ إنشائها. وفي تلك الفترة التي كان فيها خبراء مايكروسوفت منشغلين بإغراق الأسواق بالبرمجيات، أصيبوا بنوع من “العمى المؤقت” والافتقاد المفاجئ للقدرة على اكتشاف حاجة الأسواق الحقيقية لابتداع “محركات البحث في الإنترنت” search engines التي لم تكن معروفة من قبل. وفي ذلك الوقت أطلق الصديقان الشابان “لاري بيج” و”سيرجي برين” شركة “جوجل” للاستثمار في محرك جديد للبحث في الإنترنت يتميز بالسرعة وغزارة المصادر والمعلومات والصور. وبدأ مستخدمو المحرك يتزايدون وفق “دالة أسّية” وكان عدد صفحاته يزداد تضخماً بمرور الوقت. وصحيح أن “بيج” و”كينج” لم يكونا أول من فكّر في أرشفة محتوى الإنترنت أو ابتداع طريقة البحث فيها، ولكنهما ابتدعا أفضل نظام على الإطلاق لأداء هذا العمل. وكانت شركة “ياهو” وعشرات الشركات الأخرى تمتلك محركات بحث على الإنترنت، إلا أنها لم تجتذب اهتمام المستخدمين على النحو الكافي، وكانت أرباحها منها ضئيلة للدرجة التي لا تستوجب بذل ما يكفي من جهود لتطوير أدائها. وعندما عرض “بيج” و”كينج” صفقة بيع فكرة محرك البحث الجديد على شركة “ياهو”، عبّر خبراؤها عن خوفهم من أن يلعب المحرك الجديد دور المنافس لمحركهم الذي كان قيد العمل الفعلي وفوّتوا على أنفسهم اغتنام فرصة من ذهب. مبادرة فاقت التوقعات وعندما أطلقت “جوجل” محرّكها الجديد، استأثر باهتمام كبير من كافة مستخدمي الكمبيوتر من دون استثناء ولدرجة فاقت حدود التوقع. ويقول “دافيد فايس” الذي ألف كتاباً بعنوان “قصة جوجل”: “لقد أصبح معظم الباحثين والمتصفحين العاديين للإنترنت، يعتبرون (جوجل) امتداداً طبيعياً لأدمغتهم. وكل من استخدم المحرك بشكل مكثف ومتواصل لا بد أن يكون قد اقتنع بأن هذا الوصف لا ينطوي على المبالغة. وأما على المستوى التجاري، فلقد أصبح (محرك جوجل) وسيلة الشركات الناشئة للتعريف بنفسها عن طريق الإعلان على صفحاته التي تعدّ بالمليارات. وبدءاً من عام 2000، وبعد أن اكتشفت ألوف الشركات أن محرك “جوجل” يمثل بيئة مثالية للإعلان، بدأت تتدفق على الشركة الأرباح الطائلة حتى شعر الشريكان بأنهما يحصدان من ابتكارهما أكثر بكثير مما كانا ينتظران. وكان من الطبيعي أن تعمد “جوجل بعد تسجيل كل هذا النجاح إلى التحول لشركة مساهمة عمومية حتى لا تواجه تهمة الاحتكار، فأعلنت في 19 أغسطس من عام 2004 عن تسجيل نفسها في البورصة وحددت لسهمها قيمة سوقية تبلغ 85 دولاراً للسهم الواحد فتمكنت بذلك من سحب ملياري دولار من الأسواق خلال بضعة أيام فحسب. وما هي إلا فترة قصيرة تقل عن العام الواحد، حتى قفز سعر سهمها إلى 300 دولار، ما جعل منها في نظر سماسرة البورصة الشركة الأصلب عوداً والأكثر قدرة على النمو من بين كافة الشركات الأخرى المدرجة في أسواق التكنولوجيا. وخلال عام 2005 ارتفعت القيمة الإجمالية لأسهم “جوجل” المطروحة في الأسواق إلى أكثر من 80 مليار دولار. محركات البحث... موجة النزوح وفي بداية عام 2004، بدأ بعض كبار خبراء شركة “مايكروسوفت” بالهروب والالتحاق بشركة “جوجل”. وفي شهر نوفمبر من ذلك العام بلغت حالات التسرّب ذروتها وبما دفع بشركة “جوجل” إلى افتتاح مكتب لها لا يبعد إلا بنحو 10 كيلو مترات عن المقر الرئيسي لمايكروسوفت في مدينة سياتل مسقط رأس بيل جيتس. وبهذا أصبحت عملية النزوح التي تتمّ لجهة واحدة، أكثر سهولة. ولقد عبّر معظم الخبراء النازحين عن شعورهم بأنهم أصبحوا يعملون في شركة عامرة بالأفكار والحوافز المشجعة. وقال أحد هؤلاء ويدعى “جايل لاكمان”: “أصبحت جوجل تمثل ثقافة عظيمة”. وكانت هذه الظاهرة مفيدة جداً لشركة “جوجل” التي استغلت الفرصة وراحت تطلق سلسلة من الخدمات الرقمية على محرّكها الناجح. وفي 11 نوفمبر من عام 2004، أطلقت “مايكروسوفت” النسخة المحسّنة من محرك البحث MSN المصمم بحيث يقدم إجابات سريعة لطلبات المستخدمين بعد البحث في أكثر من 5 مليارات صفحة ووثيقة عبر الإنترنت، إلا أنه لم ينجح في منافسة محرك “جوجل”، وما لبثت أن أتبعته بعد عدة سنوات بمحرك “بينج” الذي لقي المصير نفسه. وهكذا، كانت “جوجل” ولا زالت المنتصرة الوحيدة في معركة محركات البحث. صراع على الموسيقى الرقمية لم تكن معركة احتكار خدمات نقل التراث الموسيقي العالمي إلى شبكة الإنترنت والأجهزة الذكية المحمولة شأناً من شؤون “جوجل”، بل أخلت ساحة هذه المعركة التي تنطوي على عوائد ضخمة لشركة “آبل”. وهي التي سجلت فيها انتصاراً عريضاً عوّضت فيه عثراتها السابقة في صناعة الكمبيوتر الشخصي وانطلقت منها إلى آفاق جديدة أكثر رحابة وأوسع مدى. وتبدأ القصة من اليابان عندما تمكن علماء من شركة “توشيبا” العتيدة وبالتعاون مع علماء من شركات يابانية أخرى، بتحقيق اختراقات حاسمة على مستوى تطوير صناعة الأقراص الصلبة والرقائق الحاسوبية من حيث زيادة قدرتها على التخزين، ومضاعفة سرعتها في معالجة وإمرار المعلومات، وتصغير حجومها. ويعرض “آرثور” لهذه القصة بالتفصيل. ففي 1 فبراير من عام 2000، قصد أحد فنادق لندن لإجراء حوار صحفي مع خبير ياباني يدعى “كوجي هيس” Koji Hase الذي أصبح فيما بعد نائباً لرئيس قسم الشراكات الاستراتيجية في شركة “توشيبا”. وكان الرجل بارعاً في ابتكار أقراص CD ROM المعروفة والتي كانت تستخدم في تسجيل النصوص والصور، وأقراص DVD التي تستخدم في تسجيل أفلام الفيديو. ولكنه ذهب إلى لندن لعرض المزيد من ابتكاراته الجديدة وأهمها النسخة الأولى من “ذاكرة الفلاش” أو “الذاكرة الوامضة” flash memory المعروفة التي بلغت قدرتها على التخزين 1 جيجابايت عام 2002 وبدأ استخدامها في صناعة أجهزة الاستماع الموسيقية MP3 Players. وأعلن “هيس” أن شركة “توشيبا” تعمل مع شركات يابانية أخرى على تطوير وصناعة “أقراص صلبة” يبلغ عرضها 4.5 سنتمتر فقط وتبلغ سعة تخزينها 2 جيجابايت. وقال: إن شركته تبيعها بالفعل للولايات المتحدة. وما لبثت شركة “آبل” التي كانت تعاني من تراجع مبيعاتها من الكمبيوتر الشخصي “آي ماك”، أن ابتعثت أحد خبرائها الذي يدعى “روبنشتاين” إلى شركة “توشيبا” للوقوف على هذه الابتكارات الجديدة والبحث في مجالات استخدامها. وعرض عليه الخبراء اليابانيون الأقراص الصلبة والذاكرات ذات الحجم الصغير والأداء السريع، فقفزت إلى ذهنه فكرة استخدامها في صناعة “المشغلات الموسيقية” وبما يدفع بشركة “آبل” إلى موقع الريادة في هذه الخدمات بسرعة كبيرة. وبمجرد عودته إلى الولايات المتحدة، سارع لإخبار ستيف جوبز بالفكرة وبأن كل ما يتطلبه الأمر هو ميزانية مناسبة حتى تتمكن “آبل” من الاستحواذ على خدمات أول مجموعة من أدوات التشغيل الإلكترونية الشخصية gadgets. وأكد “روبنشتاين” له أن الساحة ستكون خالية من المنافسين تماماً لأن شركة “سوني” كانت تقصر خدماتها الموسيقية على أجهزة “الوولكمان” غير المحمولة على خط الإنترنت. ظهور (آي بود) وتعود فكرة ابتكار جهاز الاستماع الموسيقي المحمول “آي بود” IPod لخبير يعمل في “آبل” ويدعى “فيل شيللير” Phil Schiller والذي يصفه “آرثور” بأنه يحمل بين كتفيه رأساً يفوق في ضخامته رأس دبّ في مجال ابتداع الأجهزة الجديدة وتسويقها. وهو الذي طرح السؤال المهم: كيف يمكننا أن نبحر في الأصوات النقية لأعداد هائلة من الأغاني والقطع الموسيقية عن طريق الإنترنت؟. ولقد تمكن من الإجابة عن هذا السؤال عملياً عندما نجح في ابتكار نظام رقمي يمكنه أن يحقق الانتقال السلس والعذب ضمن قوائم الأغاني والقطع الموسيقية وبما يحقق رغبات كل المستخدمين بسرعة. وتمكن خبراء “آبل” من تطوير هذه الخدمات وتحسينها حتى تتوافق مع أحاسيس ورغبات الذوّاقين للموسيقى. ووضع “شيللير” نصب عينيه هدفاُ محدداً يقضي بتصميم قوائم الأغاني بالطريقة التي تضمن تحقيق التفوق الحاسم على كل منافس قد يعترض طريق “آبل” إلى أسواق الموسيقى الرقمية. وأعلن ستيف جوبز في واحد من المؤتمرات الصحفية التي قدّر لها فيما بعد أن تجتذب ألوف الصحفيين كلما أراد أن يعلن عن ابتكار جديد لشركة “آبل”، عن أن “آي بود” لا يتطلب أكثر من ثلاث ضغطات على الأزرار حتى تبدأ بالاستماع إلى الأغنية التي تختارها من بين قائمة لا تكاد تكون لها نهاية. وقال جوبس: إن “آي بود” يعد في حقيقة الأمر أول مكتبة افتراضية جامعة للأغاني المحمولة على خطّ الإنترنت. ولم يكن لجهاز “آي بود” أن يحقق الانتشار الواسع المطلوب لو بقي محمولاً على “منصّة ماكنتوش” Mac platform، بل كان من الضروري تشغيل خدماته على منصّة “ويندوز”. وفي عام 2002، أطلقت “آبل” الجيل الثاني من “آي بود” بسعة تخزين تبلغ 20 جيجابايت، وأتبعته بنسخة أخرى تدعى “آي بود العامل على نظام ويندوز” الذي يستخدم البرنامج التطبيقي MusicMatch لتحقيق اتصال الجهاز بأجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام ويندوز للتشغيل. وفي هذه الأثناء، كانت “آبل” تعمل على تطوير وإثراء مخزنها الموسيقي “آي تيونز” iTunes الذي يتضمن المحتوى الموسيقي الجاهز للتسويق على أجهزة الكمبيوتر بنوعيها وبقية الأجهزة الإلكترونية المحمولة. ويمكن القول في الخلاصة: إن استثمار شركة “آبل” في الموسيقى الرقمية فتح أمامها آفاق جديدة في صناعة الهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية. معركة الهواتف الذكية حمل شهر يوليو من عام 2004 خبراً محزناً لشركة “آبل” والعالم أجمع عندما عمّم ستيف جوبز عبر بريده الإلكتروني على طواقم الشركة خبر إصابته بنوع نادر من سرطان البنكرياس. ومن المعروف أن معظم المصابين بسرطان البنكرياس يموتون في غضون 6 أشهر. إلا أن جوبز كان مصاباً بنوع نادر جداً منه قابل للشفاء التام بالعلاج. ولم يلتزم جوبز بنصائح الأطباء وأهمل تلقّي العلاج اللازم ورفض الخضوع لجراحة استئصالية بعد أن تداعت حالته. وخلال بضع سنوات كان مجبراً على أداء عمله من مكتبه المنزلي، ولكنه تمكن بعد ذلك من العودة إلى مكتبه لتنفيذ أفكاره الابتكارية العامرة بالطموح. ولم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه العودة فاتحة للعمل في أكثر الهواتف الذكية تطوراً على الإطلاق. فلقد عاد لتنفيذ مخطط واضح كل الوضوح، ويتلخص ببناء هاتف ذكي من تصميم شركة “آبل” بنسبة 100 بالمئة، بالرغم من أن “آبل” كادت تنتهي من مشروع مشترك مع شركة “موتورولا” على تطوير هاتف ذكي يعمل بذاكرة الفلاش ومتخصص بتخزين وبث الأغاني والقطع الموسيقية. وكان جوبز قد لاحظ الانتشار السريع للهواتف الذكية، والذي بلغ عدد ما يباع منها سنوياً 520 مليون جهاز بالمقارنة مع أجهزة “آي بود” التي بلغ مجموع ما بيع منها منذ البدء في إنتاجها 6 ملايين جهاز. فكانت مبيعاتها أشبه بنقطة ماء في محيط. وسارع جوبز إلى توجيه أوامره لمهندسي “آبل” بتصميم هاتف ذكي يمكنه أن يخترق الأسواق وبحيث يعمل بطريقة لمس الشاشة بدلاً من الأزرار ولوحة المفاتيح. وفي 29 يونيو 2007 أعلن أمام الصحافة عن إطلاق أول نسخة من “آي فون” يعمل بنظام “سافاري” للتشغيل ويستأثر بتطبيقات نظام “ويب 2.0” للإبحار في الإنترنت. ونجح الجهاز الجديد في استقطاب اهتمامات أوسع شريحة من مستخدمي الأجهزة الرقمية وخاصة من الشباب. وحقق للشركة ما لم تكن تحلم به من العوائد والأرباح، وهذا ما دفع خبراؤها إلى تطويره من دون انقطاع من جيل إلى جيل. وظهر بعده “آي فون2” ثم “آي فون3” وهكذا حتى ظهور النسخة “آي فون5” والتي تمثل هاتفاً يتضمن أكثر من 200 ألف تطبيق ووظيفة إلكترونية. وبالرغم من اقتحام العديد من الشركات العالمية لصناعة الهاتف المحمول مثل “نوكيا” التي كانت سباقة إلى هذه الصناعة، وموتورولا، وسامسونج، وسوني إريكسون وغيرها، إلا أن “آي فون” تمكن من الفوز في معركة المنافسة على أسواق الهواتف الذكية. ثورة في عالم الترفيه وبعد أن سجلت “آبل” مكاسب في صناعة الهواتف الذكية، قدمت للعالم بدعة إلكترونية محمولة جديدة تمثلت في إطلاق الكمبيوتر اللوحي “آي باد”. وهو يعمل بنظام التشغيل (iOS) وتم إطلاق نسخته الأولى في 3 أبريل من عام 2010. وتتابعت نُسخه المتطورة بعد ذلك حتى ظهرت نسخته “iPad Air” في شهر نوفمبر 2013 جنباً إلى جنب مع الجيل الثاني من نسخته المصغّرة “آي باد ميني”. وهكذا تمكنت “آبل” من كسب معارك تقديم الخدمات الافتراضية الموسيقية والهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية بالرغم من ظهور العديد من المنافسين في كافة هذه الحقول في الآونة الأخيرة. ومثلما يسقط قادة الجيوش أحياناً وهم يخوضون حروبهم الكبرى، فلقد أعلن عن وفاة ستيف جوبس في 5 أكتوبر 2011 بعد معاناة طويلة مع المرض لتنتهي بذلك مآثره التي غيّرت العالم، إلا أن معركة “آبل” في مجال ابتداع وتطوير الأجهزة الرقمية وبرمجيات تشغيلها لم تنتهِ بعد. قصة «برين وبيج» يحكي النجاح الذي حققته “جوجل” قصة الشابين المتواضعين “سيرجي برين” و”لاري بيج”، اللذين كتب لهما بين عشية وضحاها أن يصبحا من أصحاب المليارات من مجرّد استثمار فكرة تأسيس محرك البحث الأكثر فعالية في العالم والذي يدعى (جوجل). واليوم أصبح هذا المحرك يستضيف أكثر من 200 مليون متصفّح كل يوم، وهو ناطق بأكثر من 100 لغة عالمية، ووصف بأنه “محرك البحث الذي يعرف كل شيء عن أي شيء”. ولا تقتصر أهمية مثل هذه الاختراقات الرقمية على العوائد المادية التي حققتها للشركات المعنيّة، بل وأيضاً على تأثيرها الكبير في إعادة صياغة مستقبل البشرية كلها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©