السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امحمد الملاخ: العربية لا تعيش وضعاً متجانساً

امحمد الملاخ: العربية لا تعيش وضعاً متجانساً
17 مارس 2010 20:12
فاز السيميائي والأكاديمي المغربي الدكتور أمحمد الملاخ بجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع المؤلف الشاب عن كتابه القيم “الزمن في اللغة العربية: بنياته التركيبية والدلالية”، وبهذه المناسبة خصّ الدكتور أمحمد الملاخ “الاتحاد الثقافي” بهذا الحوار حول الجائزة وبحثه العميق ورأيه في المشهد الثقافي العربي: كيف تلقيتم فوزكم بجائزة الشيخ زايد؟ ? أعتبر لحظة الإعلان عن فوزي بجائزة الشيخ زايد فرع المؤلف الشاب لحظة انعطاف حقيقية في مسيرتي العلمية، لحظة سيظل وقعها موشوما في الذاكرة والوجدان. أعتبر هذا التتويج تشريفا وتكليفا في الوقت نفسه؛ نظراً إلى حجم المسؤولية التي أصبحت ملقاة على كاهلي، والتي تفرض علي مواصلة مساري العلمي وفق ضوابط علمية رصينة تنسجم مع انتظارات الساهرين على هذه الجائزة، واللجنة العلمية التي وضعت ثقتها في عملي لترفعه إلى مصاف الأعمال المتوجة، وكذلك عموم المثقفين والباحثين، والأجمل أن يتزامن هذا التتويج مع صدور أعمال لي أنجزتها بالاشتراك مع زملاء باحثين وأخرى قيد الإنجاز في مجال معرفي أصبحت الوشائج التي تربطني به تتقوى أكثر؛ أعني تحديدا مجال اللسانيات. قيمة اعتبارية ? ما هو رأيكم في جائزة الشيخ زايد؟ وهل لها تأثير في المشهد الثقافي العربي؟ ? لا أحد يمكن أن يجادل اليوم في القيمة الاعتبارية لجائزة الشيخ زايد ودورها في حركية المشهد الثقافي العربي، لقد كنت من المتتبعين لمسار الجائزة منذ دورتها الأولى، وأكثر ما استرعى نظري المستوى الاحترافي الراقي الذي يشتغل به المسؤولون عن هذه الجائزة وأساليب التحكيم المتطورة التي لا تختلف عن الأساليب المعمول بها في أرقى الجوائز الدولية، ولا أبالغ إذا قلت إن الجائزة اليوم أصبحت مؤسسة ثقافية قائمة الذات ذات إشعاع عربي ودولي تشرف على إنجاز مشاريع ثقافية تَعْبُرُ أقطار الوطن العربي الكبير، ومن الأمور التي سبق لي أن أشرت إليها في كتابي “قضايا إبستمولوجية في اللسانيات” بمعية زميلي الدكتور حافظ إسماعيلي علوي حاجتنا الماسة إلى تطوير مؤسسات البحث العلمي في العالم العربي؛ لأن إنتاج المعرفة وتطويرها رهينان بخلق بنيات مؤسساتية لا يمكن للبحث العلمي أن يتطور بدونها؛ أي أن تقويم المشهد السوسيولوجي العام للعلم في بلد من البلدان هو جزء لا يتجزأ من تقويم المسار العلمي والثقافي، ولذلك فآليات الاشتغال الاحترافية لمؤسسة ثقافية في حجم مؤسسة الشيخ زايد تسهم بشكل فعال في خلق مؤسسات تدبير الشأن الثقافي وتدعم فضاء إنتاج المعرفة وطلبها واستهلاكها. ولقد كان لي الشرف أن يُتوَّج عملي في فرع المؤلف الشاب، فالتفاتة جائزة الشيخ زايد للباحثين الشباب دعم وتحفيز ريادي لجيلي من أجل المزيد من العطاء والإنتاج العلمي. ولا يفوتني هنا أن أتوجه بعبارات الامتنان والتقدير لرئيس اللجنة العليا للجائزة معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان والأستاذ راشد العريمي الأمين العام للجائزة وكافة الساهرين على جائزة الشيخ زايد على جهودهم من أجل الارتقاء بالثقافة والفكر العربي. معايير علمية ? خلاصة موجزة عن كتابكم المتوج بالجائزة؟ ? كتاب “الزمن في اللغة العربية: بنياته التركيبية والدلالية” ثمرة اشتغال دام أزيد من عشر سنوات، لقد تشكل في كنف التكوين اللساني الرصين الذي حظيت به على يد معلمة من معالم البحث اللساني في المغرب والعالم العربي ويتعلق الأمر بأستاذي وأستاذ الأجيال الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري الذي له الفضل في تكويني وصقل ملكة تدبير آليات البحث في الظواهر اللغوية، وبفضله تَكَوَّنَ جيل من الباحثين اللسانيين يشتغل في إطار برنامج علمي منفتح على قضايا وقطاعات معرفية متعددة. في كنف هذه المدرسة اللسانية تعلمنا كيف نمارس المعرفة اللسانية وفق معايير علمية مضبوطة المعالم، وأصبح بإمكان أجيال من الباحثين أن ينفذوا إلى مسائل علمية تتداخل فيها التخصصات وتتشابك، وصار المنحى التقاطعي للسانيات مع علوم أخرى يتضح وينضج أكثر فأكثر، فاشتغل جيل من الباحثين على قضايا نسقية المصطلح والتوليد الاصطلاحي وحوسبة اللغة العربية والتخطيط اللغوي واكتساب اللغة وتعليم وتعلم اللغة العربية واللسانيات المقارنة والتعدد اللغوي والمعالجة الآلية للغة العربية... لذلك يصعب موضعة كتاب “الزمن في اللغة العربية” خارج هذا السياق المعرفي. لقد كنت مقتنعا منذ بداية الاشتغال على هذا الموضوع بالمخاطر والصعوبات التي يطرحها هذا الاختيار؛ لأن كثيرا من الأعمال المنجزة ذات التقليد الاستشراقي تعتبر الموضوع محسوما، فاللغة العربية في زعم هذه الأعمال ليست لغة زمنية، وإذا ما أقرت بزمنية نظامها فبسند من أوصاف النحاة القدامى وتعميماتهم، أو بالاستناد إلى دراسة بعض المستشرقين الذي زاوجوا في وصف اللغة العربية بين مقولات جهية أو زمنية مشتقة من الأنظمة التحليلية للغات الهندوأوروبية، وبالتالي فالمعطيات ذات الدلالة في وصف النظام الزمني إما أنها قد غُيِّبت أو لم تُدرس بالشكل المطلوب، لذلك فالأمر لا ينحصر في تجديد الآلة الواصفة للنسق الزمني في اللغة العربية وإن كان مطلبا ضروريا بالنظر إلى تطور النماذج اللسانية وآليات صورنة الأنظمة الزمنية التي أسهمت بقسط وافر في صياغة نظام صوري للأنساق الزمنية للغات الطبيعية، وإنما إعادة اكتشاف المعطيات وبنائها، فثمة مجال استكشافي لم يتم النفاذ إليه، نجد المشتغلين على الزمن في اللغات الرومانية والجرمانية وغيرها قد طرقوه، مثل متوالية الأزمان ومسألة التباس الزمن والربط الزمني وتفاعل الزمن والجهة والموجهات وأصناف المكتمل والتباساته الدلالية وعلاقة الأسوار بالزمن والبنية السماتية الدقيقة للزمن وآليات اشتغاله في الخطاب. ومن محاسن الدرس اللساني أنه يعلمنا أنه ليس ثمة ما هو منجز ومكتمل، لا شيء يمنع من إعادة وصف الظاهرة وتحليلها متى توافرت المعطيات اللازمة وآليات الاشتغال المناسبة لوصفها. لذلك سلكت في كتابي مسلكا جديدا لدراسة الزمن قوامه جدة الأسئلة المطروحة، ومحاولة الانخراط في قضايا تطرحها المقاربات اللسانية الحديثة للظاهرة الزمنية، فتطور مباحث اللسانيات أفرز منحى جديدا لتأطير قضايا الزمن بشكل أنيق ومضبوط مثل دراسة مظاهر الزمن الصرفية والتركيبية والدلالية في إطار الوجائه، ومسألة وسم السمات الزمنية ولا توافق الصرف الزمني والتأويل الزمني في اللغات الطبيعية وبناء الإحالة الزمنية وحوسبة سماتها... وهكذا سلكنا طريقا معرفيا رسمت النظريات اللسانية المعاصرة معالمه، وذلك وفق نسيج منهجي قوامه فحص الفرضيات المتداولة واستحداث فرضيات أخرى بهدف رصد المعطيات الزمنية والقضايا الشائكة من قبيل التناوب الحركي في الأفعال العربية وتفاعل الزمن والجهة والوجه والتبعية الزمنية ومتوالية الأزمان والتسوير الزمني والتباس الزمن في الخطاب، فكان مبنى عملنا يتسع لنظريات صرفية وتركيبية وللدلالة الصورية والتداوليات المعرفية... ولقد قضيت ردحا من الزمن قبل الاهتداء إلى نظام منهجي يحتضن طموحا كبيرا ركبنا غماره، ويتعلق الأمر بصياغة وصف وتفسير كافيين للنظام الزمني في اللغة العربية، ومع ذلك يبقى العمل المنجز حلقة معرفية ينبغي أن تُردَف بحلقات تدعم أو تفند النتائج المتوصل إليها. عوائق معرفية ? ما هي مشاريعكم العلمية المقبلة ؟ ? قبل نشر كتاب “الزمن في اللغة العربية” أصدرت بمعية زميلي الدكتور حافظ إسماعيلي علوي كتابا بعنوان: “قضايا إبستمولوجية في اللسانيات” عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وأغتنم هذه الفرصة لأوجه عبارات الامتنان والتقدير للسيد بشار شبارو الذي احتضن مشاريع علمية لي ولزميلي برحابة صدر واحترافية عالية. ويعد هذا الكتاب محاولة لاستخلاص السمات العلمية التي تميز بناء النظريات والنماذج اللسانية ومجمل القيود العلمية المعمول بها في أوساط العلماء التي يتقيد بها اللسانيون في استدلالاتهم وصياغة فرضياتهم وتقويمها، ولم يقتصر نظرنا على اللسانيات الغربية، بل جاوزنا ذلك نحو تقويم طرائق التعامل مع التراث اللغوي العربي، وإشكالية العلاقة بين النحو واللسانيات. وأفضت بنا المقاربة إلى تحديد بعض العوائق التي تسم توطين المعرفة اللسانية في الثقافة العربية المعاصرة. كما أنجزت بمعية الدكتور مصطفى غلفان والدكتور حافظ إسماعيلي علوي كتابا يتناول تاريخ اللسانيات التوليدية من النظرية ما قبل المعيار إلى البرنامج الأدنوي، وهو عمل يغطي أزيد من خمسين سنة من تاريخ اللسانيات التوليدية، وهي النظرية التي وسمت تاريخ اللسانيات الحديث بطابع خاص. ويندرج هذا العمل في خانة الكتب التمهيدية التي نتوخى من خلالها تقديم نظرية لسانية محددة للقارئ العربي وفق عرض نظري وتطبيقي يسعى إلى التبسيط في عرض المادة النظرية، وترسيخ تقنيات الاستدلال اللساني التوليدي دون استغلاق منهجي أو مفاهيمي، وبما أن العمل الذي أنجزناه يندرج في إطار نظرية تتجدد باستمرار، فإننا حرصنا على أن يكون عملا مواكبا قدر الإمكان معتبرين منجزنا خطوة في طريق بناء مداخل لسانية يتوفر فيها شرط المواكبة والقابلية للتجدد، ولذلك فهذا العمل سيصدر في طبعة أولى تتطلع إلى طبعات أخرى تواكب ما تعرفه النظرية التوليدية من تطور، على غرار المداخل باللغة الإنجليزية للنحو التوليدي التي اهتدينا بها في مسيرتنا الجامعية، والتي ما تفتأ بدورها تتجدد باستمرار. وهكذا يجمع عملنا بين المنحى البيداغوجي لأنه موجه إلى عموم طلاب اللسانيات بالجامعات العربية، والمنحى العلمي لأنه يسعى إلى تأصيل الاستئناس بأساليب النمذجة التوليدية وطرائق مقاربتها للظواهر اللغوية، وآليات صياغة المبادئ والتعميمات والصورنات اللسانية التوليدية. ومن رحم هذا العمل أشتغل بمعية زميلي حافظ إسماعيلي علوي على معجم النحو التوليدي، ولقد ارتأينا أن يكون لبنة لبناء معاجم لبعض النظريات والنماذج اللسانية، وهي عبارة عن معاجم تتناول بالشرح الأجهزة الاصطلاحية للأنحاء المعاصرة. ومشروعنا يحتاج إلى فريق عمل متعدد التخصصات ودعم مؤسساتي لأن انطلاقته كانت بمجهودات فردية. وفي سياق مواصلة الاشتغال على الظاهرة الزمنية، أنا بصدد إعداد كتاب معنون بـ”في التنظير الزمني للغة: نماذج وتمثيلات” يسعى إلى تدقيق بعض القضايا مثل برنامج التوازي بين سمات الأسماء والأفعال ومتوالية الأزمان وإعراب الأفعال في اللغة العربية من منظور مقارن وبنى الشرط والمكتمل علاوة عن تأصيل المقاربات الزمنية في البحث اللساني العربي وفق منظور ترصيدي للمنجز الغربي في هذا الباب. ولقد كان لعضويتي في مختبر العلوم المعرفية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس فضل الاهتمام بقضايا تقترن بتوسيع تطبيقات علم النفس المعرفي واللسانيات المعرفية لتشمل مجالات تربوية، مثل نمو المعجم الذهني عند متعلمي اللغة العربية، والمعالجة الذهنية للبنيات التركيبية في اللغة العربية في مراحل التعلم، علاوة عن اكتساب ومعالجة البنى الزمنية. مشكلات لغوية ? ماهي وضعية اللسانيات في العالم العربي عموما وفي المغرب خصوصا؟ ? لا أحد يمكن أن يجادل اليوم بخصوص الوضعية الاعتبارية الخاصة التي تحظى بها اللسانيات باعتبارها علما يقود قاطرة العلوم الإنسانية بإطلاق، غير أن تقويم حصيلة هذا العلم في العالم العربي يحتاج إلى مقام أرحب، وفي هذا السياق يمكن أن أنوه بالعمل الجبار الذي قام به زميلي الدكتور حافظ إسماعيلي علوي في أطروحته لنيل الدكتوراه، فهو تشخيص شامل ودقيق لواقع البحث اللساني في الثقافة العربية، وقد نشرت الأطروحة في كتاب بعنوان: “اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة: دراسة تحليلية نقدية في قضايا التلقي وإشكالاته”. ويمكن أن أقول بإيجاز إننا قطعنا أشواطا مهمة في توطين المعرفة اللسانية في مشهدنا الثقافي العربي وفي مؤسساتنا الجامعية، وأهم ملمح للتوطين يتمثل في جعل “اللسان العربي” يخوض في التخصصات اللسانية بتعدد مشاربها وشعبها بما يقتضيه ذلك من تأهيل العربية اصطلاحيا كي تصير حاملة للمعرفة اللسانية، وليس ذلك بالأمر الهين، فالتراكم المنجز في مجال ترجمة الأعمال اللسانية بيِّن، والتراكم في البحوث اللسانية الدقيقة في مجال الصواتة والصرافة والتركيب والدلالة والتداول في تزايد مستمر...، زد على هذا أن هناك وعيا يتنامى في أوساط الدارسين بأهمية انفتاح اللسانيات على محيطها وضرورة انخراطها في قضايا من قبيل التعدد والتخطيط اللغوي وتعليم اللغات وتعلمها وإعداد المعاجم المتجددة والمعالجة الآلية...، كما أن الوعي يتنامى بخصوص ضرورة دخول اللسانيات قطاعات أخرى غير مطروقة مثل لغة القانون والاقتصاد وفنون الإشهار والتواصل... وبالرغم من هذه الحصيلة ثمة اختلالات لا بد من الإشارة إليها: 1 – ضعف حصيلة ترجمة الكتب اللسانية بالنظر إلى الكم الكبير للمكتبة اللسانية الغربية، فالترجمة مدخل لتأصيل العلم وتوطينه، لقد تبنينا في مشاريعنا اللسانية اتجاهات وتيارات متعددة، دون أن يواكب ذلك عناء ترجمة الكتب والدراسات الأساسية المرتبطة بها، زد على هذا غياب مؤسسات خاصة بالترجمة أو ندرتها، تشتغل وفق مقاييس ولجان علمية متخصصة، تعمل على التنسيق مع مؤسسات البحث العلمي في العالم العربي لتلبية الحاجيات المعرفية الأساسية لمراحل نمو المعرفة اللسانية في العالم العربي وتطورها. 2 – ضعف التراكم المواكب لما يستجد، فهناك عدد من التخصصات الدقيقة حصيلة منجزها غير مقنعة بالنظر إلى ما تعرفه من تطور في الغرب مثل علم النفس المعرفي واللسانيات العصبية واللسانيات المعرفية واللسانيات الحاسوبية واللسانيات الأحيائية. 3 – الانقطاع المعرفي الذي يعد من أبرز تجلياته غياب الاستمرارية في التعاطي مع إشكاليات لسانية محددة وغياب مراكمة الأعمال فيها بطول نفس قد يدوم سنوات، فهناك من الباحثين الغربيين من يتخصص في معالجة ظواهر معينة لسنوات فيراكم التحليلات والتعميمات والأوصاف، فتُحِس أن مجرى العلم يتسع وتتسع معه رؤية الظاهرة المدروسة دون أن تضيق، وقد ضربت مثالا في كتابي “الزمن في اللغة العربية” بالعالم اللساني ستيشو الذي نذر مساره العلمي لدراسة الزمن وكذلك فعل آخرون كسميث وكيرون... ولقد أدركت هذا الأمر طيلة رحلتي مع كتاب الزمن، وبمقدار المتعة التي كنت أجدها وأنا أنجز عملي، كانت الحسرة تنتابني أحيانا عندما أقارن ما أنجز في الغرب حول الزمن بما أنجز عندنا. وخلاصة الأمر أننا جاوزنا البدايات وأننا الآن بصدد مخاض تأصيل الدرس اللساني وفق قواعد علمية وأصول معرفية كلما تقدمنا في الخوض في المسائل الكبرى التي أسلفنا الحديث عنها سابقا، فعملنا ينبغي أن يصب في المرحلة الحالية على إرساء التراكم المبني على أسس علمية تُستخدم فيه سلطة العلم في الاكتشاف والتجديد والتطوير مع النزوع نحو ابتكار أنجع الوسائل النظرية والاستدلالية لمعالجة القضايا اللسانية. ? كيف ترون المشهد الثقافي الإماراتي وماذا يقدم للثقافة العربية؟ ? أظن أن الحراك الثقافي في الإمارات أصبح بارزا بالنظر إلى المؤتمرات العلمية التي تحتضنها سنويا، وأعرف أن الجامعات الإماراتية تستقطب خيرة الباحثين في مجالات متعددة، مما يبين أن هناك حرصا على تكوين جيل من الباحثين المرموقين. ? كيف ترون مستوى اللغة العربية، وهل من مخاطر تتربص بها؟ ? لا أعتقد أن اللغة العربية تعيش وضعا متجانسا وموحدا في الوطن العربي، فالسياسات اللغوية المتبعة في بعض الدول العربية من جهة التخطيط اللغوي وتدبير التعدد، يعكس بجلاء عدم تجانس الوضع اللغوي العام. فالصراع بين اللغات وعدم التكافؤ في توزيع الوظائف و في مجالات استعمال لغة معينة في ميادين الاقتصاد والتعليم وفنون التواصل الجماهيري، وهيمنة لغة معينة في المجالات التي أُريد لها أن تكون حيوية في سوق الإنتاج، يبين اختلاف الرؤية في تدبير التعدد اللغوي من بلد إلى آخر. لكن بالرغم من ذلك هناك بعض الدول التي نجحت في إقرار التعريب الشامل لمستويات التعليم وتعريب الإدارة والتكنولوجيا، وتوظيف التدريس المتعدد، أعني تدريس المواد بلغات مختلفة، بدل اعتماد لغة تدريس واحدة . كما لا يمكن للمرء أن يبخس جهود المجامع اللغوية في التهيئة اللغوية، بالرغم من مشاكل التنسيق بين مؤسسات التعريب عبر الوطن العربي. إن رهان الرفع من مستوى اللغة العربية هو رهان التنمية والتحديث. فبالرغم مما قيل عن تهديد العولمة للاستقرار اللغوي، وإذكائها للصراع اللغوي داخل البلدان، أقول إن للعولمة فضيلة تحسيس العرب بتحديات ورهانات التنمية والتحديث، وضرورة مضاعفة الجهود في الترجمة وتوطين المعارف الجديدة وبلورة سياسات تعليمية تشجع على الإنتاج والتميز والابتكار، وفق قناعة تتأسس على مسلمة مفادها أن الامتلاك الجيد للغة أو لغات الهوية مدخل لامتلاك لغة أو لغات العولمة تبعا لمنظور تتوازن وتتكافأ فيه وظائف اللغات وقيمها الإنتاجية ولا تتصارع أو تتنابذ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©