السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رايس··· الواقعية والوهم بين الاستقرار والديمقراطية

رايس··· الواقعية والوهم بين الاستقرار والديمقراطية
5 نوفمبر 2007 00:32
من المؤكد أن ''كوندوليزا رايس'' التي جابت مختلف أنحاء العالم تتوقف أحيانا لكي تسأل نفسها إلى أين هي ذاهبة؟ فعلى مدار الأعوام الثلاثة التي قضتها في المنصب، أضاعت ''رايس'' فرصا كبيرة لأنها قدمت الطاعة والولاء على آرائها القديمة عن العالم· المشكلة لا تنحصر فقط في أنها انحرفت عن واقعيتها التي دفعتها إلى عالم الشهرة، ولكنها تتمثل أيضا في أن ذلك الانحراف قد أنتج حالة من الفوضى· ''رايس'' التي لا تقبل الفشل وظفت ذكاءها ومنطقها وأسلوبها الخاص لتختط لنفسها طريقا جديدا أكثر حكمة عن طريقها السابق؛ ورغم عودتها للواقعية، إلا أنها تظل مع ذلك -وفي نظر الكثيرين- مهندسة السياسة الخارجية القائمة على الأوهام· واجهت ''رايس'' بعد توليها منصب مستشارة الأمن القومي في إدارة ''بوش'' صراعات داخلية شرسة من ''تشيني'' و''رامسفيلد''، وهو ما دفعها إلى التركيز على مهمة تقديم النصح لـ''بوش'' في مسائل السياسة الخارجية التي لم يكن ملما بها، وتمكنها من اكتساب ثقته وحصولها على أعلى منصب في وزارة الخارجية· كانت التقديرات المبدئية براقة، حيث قارنتها وسائل الإعلام بـ''جورج مارشال''، بيد أننا عندما نتأمل ما فعلته، سوف نجد أنه لا يختلف عما يفعله وزراء الخارجية عادة، ولكن جوهر آرائها وثمار زياراتها المتعددة للكثير من مناطق العالم لم يكن واضحا لحد كبير، وهو ما يزال كذلك حتى الآن· وكانت المشكلة بالنسبة لـ''رايس'' أنها في سياق قيامها بدور الناصح لـ''بوش''، وقعت تحت تأثيره بـدلا من أن يقــع هو تحــت تأثيرهـا، فأخذت مــا يعلمه عن السياسة الخارجية وعبرت عنه وصاغته في شكل عقيدة، ثم انتهت هي نفسها إلى الإيمان بها· في الخطاب الذي افتتح به ولايته الثانية، أعلن بوش أن هدفه الرئيس هو إنهاء الطغيان، ونشر الديمقراطية حول العالم· ولعدة شهور اعتقد بعضهم أن الديمقراطية قد بدأت أخيرا مسيرتها الحقيقية معتمدين على بعض الدلالات -كانتخابات العراق ومظاهرات أوكرانيا وخروج الجيش السوري من لبنان-، وجعلت ''رايس'' من كل ذلك أدلة على أن العالم قد بدأ الدوران على محور جديد، كما اتخذت في نفس الوقت من التصريحات التي يدلي بها بوش تفويضا يجعلها تسعى من أجل جعل العالم يدور على ذلك المحور بشكل أسرع· هكذا انقلبت رايس انقلابا تاما على الأفكار والمواقف التي تبنتها على مدار الثلاثين عاما السابقة، ومنها أن المحافظة على السلام الدولي يتطلب تحقيق الاستقرار في موازين القوى، وأن سياسات القوة، وتوازنات القوى، هي التي يجب أن تشكل الأساس الذي يجب أن تقوم عليه السياسة الخارجية· بحلول عام 2006 كانت أحلام 2005 قد تحولت إلى كوابيس بالنسبة لـ''رايس''، فالانتخابات العراقية لم تؤد سوى لتعميق الانقسامات الطائفية، وإصلاحيو أوكرانيا تراجعوا عن مشروعهم وعقدوا تسوية كئيبة مع أعدائهم المدعومين من قبل موسكو، كما أن الانسحاب السوري من بيروت ترك فراغا سرعان ما بادر إلى ملئه راديكاليو حزب الله، أما الانتخابات في الأراضي الفلسطينية التي أصرت ''رايس'' على عقدها فقد انتهت بفوز جهاديي حماس الإسلامويين· فيما بعد تبين لـ''رايس'' أن الديمقراطية ليست هي العلاج لجميع العلل والأمراض كما كانت تعتقد؛ فالحكومات الديمقراطية تزدهر أو تتداعى بناء على قدرتها في التوسط بين أصحاب الإدعاءات المتصارعة دونما حاجة إلى استخدام الكثير من العنف؛ ولو كانت ''رايس'' قد أدركت ذلك حينها، لكانت قد فعلت المزيد من أجل دعم وتعزيز وضع تلك الديمقراطيات الوليدة· كان لا بد من ثمن لذلك، وحان موعد دفع ذلك الثمن سريعا عندما اندلعت أول حرب عربية- إسرائيلية بعد مرور 24 عاما من آخر حرب، وكان يمكن تجاوز ذلك لو أنها قدمت دعما لحكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة المنهكة في لبنان· لقد أجبر المساعدون ''رايس'' في ذلك الوقت على القيام بدبلوماسية مكوكية، إلا أنها أعلنت أنها لا تبتغي فقط التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإنما ستسعى من أجل العمل على إرساء السلام الدائم الذي سيعمل على معالجة'' الأسباب الجذرية'' للعنف، وهو ما لا تحققه الدبلوماسية المكوكية· عندما انتهت تلك الحرب كانت سمعة أميركا باعتبارها القوة الأعظم في العالم قد تلقت ضربة أخرى، فيما اهتزت سمعة إسرائيل ذات الجيش الذي لا يقهر، وكان صوت حزب الله قد ارتفع مدعيا انتصاره· وكان يمكن لـ''رايس'' أن تسعى لتحقيق نوع من التعويض عن خسائرها من خلال البدء مثلا ببرنامج شامل لإعادة بناء المناطق اللبنانية المدمرة، ولكنها لم تفعل ذلك أيضا ولم تقدم سوى مساعدات هزيلة في مقابل ما قدمه حزب الله الذي ضخ كميات هائلة من الأموال التي تلقاها من الإيرانيين لتعزيز نفوذ ميليشياته، وإضعاف ''السنيورة'' مرة أخرى· لقد أدى هذا الفشل إلى إيقاظ ''رايس'' من أحلام يقظتها، ففي يناير الماضي سافرت رايس مرة ثانية إلى القاهرة، وخلال هذه المرة لم تنطق باسم ''أيمن نور'' على الإطلاق على الرغم من أن المنشق المصري كان لا يزال في السجن، رغم حرصها على إثارة قضيته في كل مرة تزور فيها القاهرة، وبدل ذلك تقدمت بشكرها للرئيس المصري؛ لم تكتف ''رايس'' بذلك بل صرحت بأن ''علاقة واشنطن بالقاهرة هي علاقة''تحظى بتقدير عميق من الولايات المتحدة''· في بعض الأوقات خلال هذا العام، بدت ''رايس'' وكأنها عادت إلى جذورها الواقعية، وهو ما بدا بشكل واضح في إبرامها لصفقة لنزع الأسلحة النووية مع نظام كوريا الشمالية· كما أنها وبعد سنوات من الاحتقار للجهود الدبلوماسية، أصبحت كما تقول تأمل الآن في النجاح في جمع الإسرائيليين والعرب في مؤتمر يمثل محاولة أخيرة لحل الصراع· ولكن المشكلة هنا هي أن قوة الضغط الأميركية، قد ضعفت، وأن القوى المنخرطة في الصراع تدرك جيدا أنها- رايس- وبوش قد تحولا إلى بطتين عرجاوين في الوقت الذي تشتعل فيه المنطقة· مما يقال إن رايس تجد نفسها الآن محكومة بمواجهة مع ''ديك تشيني'' حول السياسة الأميركية الواجب إتباعها حيال إيران: فهو يريد أن يضرب إيران، وهي تريد مواصلة المحادثات، ولا يعرف -حتى الآن-إلى أي جانب سينحاز الرئيس في النهاية! يبقى أخيرا موضوع العراق؛ فالنجاحات التكتيكيـــة الأخيرة التي تحققـــت في هذا الملف، تمثلت فقط في بناء تحالف مع أمراء الحرب العشائريين، بدلا من بناء منارة للديمقراطية· لقــــد كانــــت حرب العراق هي حرب ''رايس'' مثلما كانت حرب الجميع في الإدارة، ولكن الشيء المؤسف أنه وبعــــد أن ينقضي وقـــت طويــــل على أفول شهرتها وسحرهـــا، فإن العبـــارة التي ستبقى وتستخــدم للإشــارة إليهــــا هي: إنها امرأة سعت إلى الديمقراطية على حساب الاستقرار ولكنها لم تنجــح في تحقيق أي منهمـــا· كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©