السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا نزل هيراقليطس إلى النهر مرة واحدة؟

لماذا نزل هيراقليطس إلى النهر مرة واحدة؟
3 نوفمبر 2007 00:43
''إنك لا تنزل إلى النهر الواحد مرتين لأن مياها جديدة تجري حواليك· إن المعلومات الكثيرة لا تكفي للفهم· إن لم تتوقع ما ليس متوقعا فلن تجد الحقيقة أبدا''· هذه وغيرها من الشذرات التي حفظها لنا التاريخ من كتاب هيراقليطس المفقود الذي وجد في مدينته أفسوس، لذا فأنت عندما تقرأها لم يتوضح لك القصد مالم تكن لديك فكرة عن هذا الفيلسوف وتراثه الفلسفي، وفي الوقت نفسه تبدو لك عباراته معقدة تحتاج إلى تفسير، نعم وتلك هي سمته، إذ أنه يقول أنا لا أكتب للعامة، لذا فقد تعمد الإسلوب الجاف ظنا منه بأن لغة الفلسفة لابد من أن تكون بهذا المستوى المعقد وعسرة الفهم وإلا فلا قيمة لها، ثم إنه تعمَّد الغموض حتى لا يقرأه إلا من يقوى على فهمه من خاصة القوم· كان منعزلاً عن الناس ويسمى بالفيلسوف الكئيب أو الغامض الملغز، ويكره السياسة فهو يرفض الديمقراطية كما رفضها سقراط فيما بعد ولعل أغلب الفلاسفة كارهون للنظام الديمقراطي ،فضلا عن ذلك فهو لا يحترم عامة الناس لانحداره الأرستقراطي ولعمله الفلسفي، لذا فهو ينعتهم بنعوت مختلفة ويقول: إن الفرد الواحد يساوي عندي عشرة آلاف إن كان ممتازاً· يقول: كل شيء يتغير، فالتغير هو سمة الحياة فهي لا تثبت على حال، وهذا هو سر ديمومتها، ويوصفها بجريان الماء في النهر فإنك عندما تنزل إلى النهر تلامس رجليك قطرات ماء غير تلك التي تلامسها في المرة الثانية عندما تنزل النهر نفسه، لأن قطرات الماء متغيرة وهي في استمرارية وديمومة· ولما كان كل شيء يتغير فإنك إذا استدنت دينا من شخص فلا تعيده له لأن الحياة متغيرة ، واذا دُعيت الى حفلة عشاء فلا تحضر تلك الحفلة لأن الذي دعاك قد تبدل رأيه ولم يعُدّ لك وجبتكَ، هكذا يهاجمه خصومه، ومن أخذ بآرائه وصل إلى حد رفض الكلام والاكتفاء بالإشارة مثلما فعل اقراطيلوس· لكنه انتبه إلى مايقال عن صيرورته وقال على الرغم من التغير والتبدل في هذا العالم إلا أن هناك شيء ثابت يقف وراء التغير، وقد حار في تسمية هذا الثابت، مرة سماه بالكلمة، وأخرى بالدهر، وثالثة بالحكمة أو باللوغوس وأخيرا سماه النار، فالحياة مثل النار تحرق كل شيء ويتحوَّل العالم إلى رماد ومن ثم تبدأ دورة الحياة من جديد· إنه هيراقليطس الذي رفض أن يحتل منصب كبير كهنة الفرع المحلي الذي ورثه عن أبيه وتنازل عنه لأخيه، ورفض أن يكون من تلامذة مدرسة طاليس الطبيعية، وآمن بالتغير نقيضا للثبات، وبنى المنطق فيما بعد على اللوغوس، ورفض بارمنيدس فكرته بالصيرورة وطرح الكينونة بديلاً عنها· أستاذ في جامعة الإمارات
المصدر: العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©