الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«البيئة البحرية».. أمواج من الحنين إلى «زمن الأولين»

«البيئة البحرية».. أمواج من الحنين إلى «زمن الأولين»
15 ابريل 2016 22:04
أزهار البياتي (الشارقة) عندما يدخل زوار أيام الشارقة التراثية في موسمها الـ14 من بوابة ساحة التراث في قلب الإمارة القديمة، حتى تشدهم أصوات أهازيج النهامة والصيادين التي تصدح من بين أروقة البيئة البحرية، لتطالعهم من هناك مشاهد حية ومعبّرة تستعيد أمجاد البحر في الإمارات وتتباهى بمراكبه ورجاله وأدوات صيده التقليدية، حيث يتحّلق جموع من الحرفيين القدماء الذين يفترشون الأرض ويتلحفون السماء، مقدمين عروضا شائقة تحكي فصولاً من حياة أهل البحر وتفاصيل رحلات الغوص وأسراره. ولعل السفر في ومضة من الزمن إلى أعماق البحر وسبر أغواره لا يمكن لها أن تلم بكل تفاصيله المتعددة، إلا أن الشارقة وعبر مهرجانها التراثي المدهش تمكنت من استعادة أوجه مختلفة من طبيعة سكان السواحل ومهنهم وحرفهم اليدوية، من تلك التي تروي صفحات من حياة الأولين وتصور أهم طرقهم وأساليبهم المعيشية، حيث كان البحر هو عماد التجارة والصناعة والاقتصاد وعصب حياة السكان آنذاك. توثيق الموروث يقول «محمد أحمد محمد» أحد المشاركين في عروض البيئة البحرية من جمعية «المطاف» في رأس الخيمة: «نحن نعتز بمساهمتنا في الدورة الجديدة من «الأيام» كونها تعد مناسبة قيّمة لتوثيق الموروثات الشعبية، ومنظومة ذكية لصون التراث المحلي وحفظه من الاندثار، كما أنها بكل ما تحمله من معلومات وبرامج وأنشطة دسمة، تمنح الأجيال الجديدة فرصاً للتعرف على الملامح الاجتماعية والحياتية السائدة في المراحل الزمنية المنصرمة من عمر الآباء والأجداد، فتعرج على بيئات الإمارات المختلفة، وتبيّن خصوصية وتفاصيل كل واحدة منها على حدة، مؤكدة للقاصي والداني على أصالة أهل هذا البلد وقيمهم الاجتماعية، معّرفة بإرثهم الإنساني والحضاري، عبر محاكاة حية لنمطهم المعيشي وكافة أدواتهم وحرفهم التقليدية». ويتابع: «لقد جئنا بفريقنا المكون من حوالي 30 مواطنا من أعضاء جمعية «المطاف» للصيادين، وهم النخبة من الرجال الذين نذروا سنوات من عمرهم في العمل في البحر، وقضوا مراحل من شبابهم في اكتشاف أسراره والغوص في أغواره، بعضهم كان صياداً تقليدياً للسمك على ظهر مركب أو «محمل» باللهجة المحلية يصارع عواصف البحر ويجمع من خيراته، وبعضهم الآخر قضى عمره على الشواطئ «السيف» يرنو إلى الأمواج ويحوك بأنامله المدربات خيوطاً من شباك الصيد ويعقد «ليخها ومياديرها»، فيما تخصص البقية في مهن تدور في فلك الغوص والبحث عن اللؤلؤ، بالإضافة إلى حرف يدوية تتعلق بفلق المحار وصناعة «الجراجير» وخلافه». صبر ودقة ويتحدث المواطن «أحمد حسن» 60 عاماً، حرفي في مهنة صناعة شباك الصيد أو ما يعرف محلياً بـ «روب الليخ» عن دوره في الفعاليات، قائلاً: «إن هذه الحرفة التراثية تتطلب من أصحابها الكثير من الصبر والدقة في العمل، وعادة ما تمارس على رمال الشاطئ وقرباً من «السيف» حافة الموج، حيث تنصب هناك «عريشة» مسقوفة من سعف النخيل وقاية من حر الشمس، ليفترش رمل البحر صانع «الليخ»، ويبدأ حياكته حسب الحاجة والطلب، قاضياً ساعات طوال في صنعته، لينسجها إما بعيون صغيرة تناسب صيد الأسماك الصغيرة مثل السردين «العومة»، أو بعيون متوسطة الحجم لصيد سمك مثل «الخباط، والقرفا»، بالإضافة لأخرى كبيرة تلاءم صيد أنواع من سمك «الجنعد، والجباب»... وهكذا دواليك، كما يجاوره أحياناً زميل آخر في المهنة، متخصص في صب الرصاص الحار وصنع ما يعرف بـ «الميادير»، ومفردها «الميدار»، وهو الجزء المعدني الذي يعلق في نهاية خيط الصيد المفرد». كما للبيئة البحرية مهن أخرى استعرضتها أيام الشارقة التراثية، حيث جلس فالق المحار أمام الجمهور يومياً وطوال أيام المهرجان ليجرب حظه ويفلق محارة بعد أخرى بحثاً عن جوهرة لؤلؤة ثمينة، وهي مهنة عادة ما كانت تمارس من قبل بعض البحارة فوق ظهر «المحمل» مباشرة قبل الوصول إلى الشاطئ، خاصة في الرحلات البحرية البعيدة، كما استعرض صانع آخر لما يعرف بأقفاص الـ«جراجير» تفاصيل من حرفته وأدواتها القديمة. طبق «المالح» عبر بلال خميس (64 عاماً)، عن اعتزازه بتخصصه المشهور في احتراف صنع الطبق الإماراتي الشعبي «المالح»، والذي يدور في سياق مهن البيئة البحرية، وقال: «اعتمدنا لعقود في معاشنا وحرفنا وتجارتنا على ما يطرحه البحر من خيرات وثمار، وكان لي نصيب طيب منه فورثت منذ الطفولة حرفة صناعة «المالح» وأتقنت تحضيره، حيث كنا نبدأ ونحن ما زلنا بعد على ظهر الـ«المحمل» بجمع أسماك معينة مثل «الجباب، الجنعد، الخباط» وشق بطنها وترصيصها دون غسلها في علب معدنية «تنكات» خاصة، تتوالى على شكل طبقات يتخللها حفنات من الملح الخشن والليمون والفلفل، ليحكم فيما بعد إغلاقها وتحفظ وتخمر لما يربو على الشهر وأكثر، ثم تفتح ويّعد منها أطباق شعبية شهية من أكلة «المالح» التي ما زالت مرغوبة ومفضلة عند معظم أهل الإمارات».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©