الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طبول الحرب في تركيا ··· بدائل بلا ضجيج

طبول الحرب في تركيا ··· بدائل بلا ضجيج
30 أكتوبر 2007 03:16
في المناسبات الوطنية اعتادت القنوات المرئية سواء أكانت خاصة أم تشرف عليها الدولة، على وضع ملصق في ركن شاشتها يتضمن صورة مصطفى كمال اتاتورك وخلفه العلم التركي وذلك قبل ساعات من الاحتفال· غير أن ما حدث أن هذا الشعار وضع قبل احتفال الجمهورية بعيدها -الموافق التاسع والعشرين من أكتوبر من كل عام-، فوضعت معظم القنوات الشعار مع المؤسس، فالوطن يمر بمحنة، وأعداؤه مصرون على النيل من وحدة تراب الأناضول، والآن دقت ساعة الثأر والانتقام من الخونة، وعلى الأمة التركية أن تتحد حتى يكون النصر حليفها· ''جميل تشيشك'' -نائب رئيس الحكومة التركية- أكد أن منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية ستتلقى إجابة عظيمة على فعلتها في مدينة ''هقاري'' جنوب شرق البلاد والتي أودت بحياة 12 عسكريا، فطوفان الغضب على أشده يهز المدن الكبرى، وفي الأقاليم البكاء يعصف بالنساء حزنا على الشباب الذين سقطوا ضحية لإرهاب الـPKK (منظمة حزب العمال الكردستاني)، حتى المناطق المصنفة بميولها الكردية خرج شبابها وفتياتها بالمئات يحملون أعلام بلادهم منددين بالمنظمة الانفصالية، حتى أن محطات الأغاني ودون أن تأخذ توجيهات لم تنس أن تذيع تنويعات غنائية ليس الهدف منها أن تدمي قلوب من يسمعها فحسب بل شحذ همهم على حمل السلاح والذهاب فورا إلى جبهة القتال· مع بدايات الأسبوع الماضي التقت الغالبية العظمى من الأتراك على موقف ثابت، ''دولت بهتشلي'' -زعيم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف- قال في تصريح له إنه ''لا يجد مبررا للانتظار فوقت الانتظار ولى''، فيما أعطى البرلمان الحكومة تصريحا باجتياح شمال العراق للقصاص من الإرهابيين· حذا ''دنيز بيكال'' -زعيم الشعب الجمهوري- حذو ''بهتشلي''، مضيفا: إن على الحكومة ألا تتباطأ، وعلى الخط نفسه أدلى كبار الصحفيين بدلوهم من خلال برامجهــم الجماهيريـــة، وها هـــو ''محمد على برانت'' -من قنال D الجماهيرية- يرصد صرخات الحرب، و''أغور دوندار'' ومعه ''على كريجا'' يستطلعان كل على حدة آراء قطاعات المجتمع عن مرحلة ماذا بعد سقوط الشهداء، وتلك بدورها حذرت من تأخير الرد فـ''الجنود جاهزون، ومن ورائهم الشعب كله''· النخبة السياسية الحاكمة قطعت عطلتها الاسبوعية، الرئيس عبدالله جول وفي طريقه عائدا من ''قيصريه'' مسقط رأسه كانت تصريحاته عنيفة مؤكدا حق تركيا دون أدنى شك في الدفاع عن نفسها، كما أنها غير مطالبة باستشارة أحد، فضلا على أنها لن ترضخ لضغوط هنا أو هناك؛ وبدون ألقاب رد ''الطيب رجب اردوجان'' بحدة على سؤال خاص باجتماع جلال الدين طالباني ومسعود البرزاني قائلا: -دون كلمة السيد، وفي نفس الوقت متجاهلا كونه رئيس دولة- ''أنقرة احتقرت ما قاله هذا الـ''طالباني'' ومعه بطبيعة الحال نقيضه بالأمس مسعود البرزاني''· وكم كان الأمر مثيرا وداعيا للسخرية حينما كانت تركيا تناضل من أجل رأب الصدع بين المختلفين المتناحرين العدوين اللدودين طالباني واتحاده من جانب وبرزاني وحزبه من جانب، والأخير كم استفاد بجواز السفر الدبلوماسي الذي منحته أياه أنقرة، ولكن عندما اشتد عوده بفضل الولايات المتحدة الأميركية نسي الماضي، وبات يتصرف وكأنه رئيس دولة تناطح الدولة التركية· وتناسا الاثنان معا أنه لم يحدث وأن توغلت القوات المسلحة التركية داخل الأراضي العراقية بدون تنسيق مع الفصائل الكردية الرئيسية! كما أن الصحف نفسها في عناوينها الرئيسية -صبيحة تفجير هقاري- قالت بوضوح: ''لا فرق بين طالباني ومعه برزاني عن آبو''، والأخير اختصار أسم ''عبدالله أوجلان'' المحبوس في إمرالي منذ فبراير عام ·1999 السؤال المطروح بعد كل هذا الإصرار البادي على مختلف المستويات التركية، هل الحرب باتت بالفعل على الأبواب؟! صحيح أن ما سرد سابقا مستقى من أرض الواقع وبمفرادته كما وردت -بما يوحي بأن قرار الحرب سيصدر بعد ساعات-، غير أن هناك مشهدين في غاية الدلالة، الأول: حرص هيئة الاركان العسكرية أن تصحح ما ذهبت إليه وسائل الإعلام، من خلال بيان قالت فيه: إن عدد الجنود الشهداء هم 12 وليس ،16 كما أنها قتلت 23 إرهابيا، وكأن هيئة الأركان أرادت أن تقول للرأي العام -مؤقتا على الأقل- إن أرواح الشهداء لم تذهب هباء· وبالتزامن حرصت تركيا على الإشارة إلى اهتمام الولايات المتحدة التي أدانت العمل الإرهابي، وطلبها مهلة قبل أي عمل عسكري، زاد عليه تصريح بوش بضرورة تعاون العراق -المالكي- وتركيا لمواجهة المنظمة الانفصالية، وفي هذا السياق انتقد المتحدث باسم الحكومة وسائل الإعلام لابتعادها عن الحقيقة، لأنها تضع سيناريوهات لعمليات عسكرية لم يتخذ قرار بشأنها بعد، فالحكومة وتحديدا رئيسها لا يريد حربا تعيد اقتصاد واستقرار البلاد إلى نقطة البداية· أما المشهد الثاني: فتمثل في قيام القناة الاخبارية المعروفة الـCNN التركية، بتحقيق ميداني في مدينة ''هقاري'' المتاخمة لحدود كل من شمال العراق وإيران، وفيه يتضح الفرق الهائل بين تلك المدينة المهمشة مقارنة بمدن أخرى قريبة منها ولكنها لا تعاني مثلما تعاني ''هقاري'' من إهمال وفقر بؤس وأحوال متردية، هي بمثابة وقود يدفع بالقانطين الباحثين عن فرصة عمل إلى الارتماء في أحضان الإرهاب والرضوخ لإغراء المال والمجد الاسطوري بكردستان الكبرى!! بالتوازي كان النواب الذين يعنونون أنفسهم بالحزب الديمقراطي الكردي، يعقدون مؤتمرا صحفيا نددوا فيه بقتل الجنود الأتراك، ولكنهم رفضوا بشكل مطلق القيام بعمل عسكري ضد إخوانهم في الجبال· ولابد هنا من الإشارة إلى أن هذا الموقف العلني لو حدث قبل سنوات لكان كفيلا بزج أصحابه في غياهب السجون، وهو ما حدث مع النائبة ''ليلى زانا'' وآخرين قبل أربعة عشر عاما تقريبا، المثير أن القانون الذي حوكمت به ''زانا'' مازال موجودا بنصوصه العقابية لم يتغير حتى اللحظة، وتفسير ذلك بسيط جدا فتركيا ليست هي نفسها عام ،1993 والعالم المحيط بها لم يعد هو نفسه، وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وبالتالي يجب أخذ رفض الآخرين لأي عمل عسكري في الحسبان وعدم التهاون بشأنه، ومن ثم مازال هناك متسع من الوقت، فبدائل الحرب المنفردة عديدة، وفي الشهر القادم ستشهد اسطنبول جولة جديدة لدول الجوار، لعل وعسى تعيد الاستقرار الى العراق، والاتفاق على سبل محددة لمواجهة فظائع الارهاب الانفصالي·
المصدر: أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©