الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان: صناعة المجاعة!

11 مارس 2017 22:47
من النادر أن يعلن مسؤولو الأمم المتحدة عن حدوث حالات مجاعة بشكل رسمي. وكانت آخر حالة يتم الإعلان عنها، هي التي سُجلت في الصومال قبل ست سنوات. ولا تتم عادة الإعلان رسمياً عن حدوث مجاعة إلا عندما يبدأ الناس في الموت جوعاً. وهذا هو ما يقع الآن في أحدث دولة في العالم هي جمهورية جنوب السودان، حيث يواجه 100 ألف من السكان مجاعة حقيقية، ومن المنتظر أن يمتد خطرها قريباً ليصيب مليون مواطن آخرين. وتبدو المقولة التي تفيد بأن المجاعة لا تنتج عن أسباب طبيعية بحتة، صحيحة تماماً ولا مراء فيها؛ لأنها من الظواهر التي «يتسبب فيها البشر». وعادة ما يكون الهدف من ترويج الأسباب الخاطئة للمجاعة هو تجنب مساءلة المتسببين فيها ومحاكمتهم. وبالنسبة للمجاعة التي تضرب دولة جنوب السودان، يمكن القول إنها «من صنع السياسة». ويكمن السبب الأول والمباشر في الأساليب التي تتبعها حكومة جنوب السودان وخصومها من المتمردين في أسلوب إدارة الحرب الأهلية. وتحرص القوات الحكومية والقوات المتمردة على استهداف المدنيين بدلاً من استهداف بعضها بعضاً. وتركز كل منهما هجماتها على المصادر والموارد الضرورية لحياة السكان المدنيين، مثل قطعان المواشي في المناطق التي تعتبر فيها الأبقار مصدراً أساسياً للرزق والتبادل التجاري. وعادة ما تؤدي الغارات التي يشنها المسلحون على المناطق التي تكثر فيها قطعان المواشي إلى إفقار تجمعات بشرية كاملة، وتؤدي إلى دورة لا تنتهي من الأعمال الانتقامية وتسميم العلاقات بين المجموعات القبلية المتجاورة. وركزت الحكومة هجماتها الأخيرة على المناطق التي تنتج المحاصيل الزراعية الكافية لإطعام أعداد كبيرة من الناس. وأدى ذلك إلى نزوح جماعي للسكان، وتدمير الإنتاج المحلي من الحبوب، وهو ما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار المواد الغذائية. ولا يمثل تدمير مصادر الإنتاج الغذائي إلا جزءاً من المعادلة التي أدت إلى حدوث المجاعة. ولو سمحت حكومة جنوب السودان للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى ضحايا الهجمات التي أدت إلى تشريد نحو 3 ملايين مواطن، لتمكنت الوكالات الإنسانية عندئذ من منع حدوث المجاعة. إلا أن ما حدث هو العكس، حيث منعت الحكومة تلك المنظمات من الاقتراب من موقع الكارثة باستخدام حيل كثيرة، وكذلك فعل المتمردون، وهو ما أدى إلى حدوث نقص حاد في مواد الإغاثة لأعداد كبيرة من السكان، بمن فيهم عشرات الآلاف من الأطفال الذين لم يتلقوا أي مساعدات على الإطلاق في الوقت الذي كانوا فيه في أمسِّ الحاجة إليها. وقد خاض شعب جنوب السودان حرباً دامت عقوداً عدة لنيل استقلاله عن جمهورية السودان. وأدى ذلك إلى حدوث حالات مجاعة متفرقة وموت أكثر من مليونين من سكان الجنوب خلال الحرب التي اندلعت بين الشمال والجنوب. والآن، يتمتع شعب جنوب السودان باستقلاله التام عن الشمال، إلا أن سلاح التجويع المدمر دخل كاستراتيجية في الحرب بين الحكومة والمتمردين. ومن المتوقع أن يعاني آلاف، وربما مئات الآلاف، من سكان جنوب السودان من مجاعة قاتلة. وقد بدأت صور الأطفال الجياع في الظهور والانتشار. ويتطلب الأمر تقديم مساعدات بمئات ملايين الدولارات لتدارك الوضع بشرط أن تلتزم حكومة سيلفاكير بوعدها بالسماح بمرور قوافل المساعدات الإنسانية. ولكن، لو كان الجانب الإنساني لهذه المحنة هو الحل الوحيد الذي سيؤخذ به من دون معالجة أسباب المجاعة ذاتها، فإن دورة الموت ستعود من جديد في العام المقبل أو الذي يليه. وعلى العالم أن يفعل كل ما في وسعه لمعالجة هذه المأساة من جذورها حتى لا تتكرر مرة أخرى. والآن تشهد جنوب السودان جرائم حرب تقع كل يوم وعلى أوسع نطاق. ولا توجد محاسبة أو مساءلة من أحد عما يقع من عمليات وحشية أو نهب للممتلكات العامة، ولا ملاحقة لمسببي المجاعة. وتم تخصيص المليارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لدعم قوات حفظ السلام وتقديم المساعدات الإنسانية لشعب جنوب السودان وغيره من الشعوب التي تعاني من ويلات الحروب، وكانت اتفاقيات السلام التي تهدف لوضع حد لدورة العنف في جنوب السودان تنهار واحدة تلو الأخرى. ولكن لم تُبذل أي محاولة لعلاج السبب الأساسي للمشكلة، والذي يتجسد بمجموعة من أمراء الحرب الفاسدين الذين يسعون لتحقيق مآربهم الشخصية. والآن، تأتي مبادرة «الخفارة» Sentry التي شاركنا في إطلاقها لمتابعة حركة أموال تجار الحرب في جنوب السودان، خاصة تلك التي جمعها الساسة الذين ساهموا في حدوث المجاعة. ووجدنا أن عائلات هؤلاء المسؤولين تعيش حياة الترف والبذخ في الخارج، حيث تسكن أفخم البيوت في الوقت الذي يعاني فيه شعب الجنوب مجاعة قاتلة. والهدف الذي نسعى إليه من مبادرتنا هو محاولة تفكيك الشبكات التي تستفيد من الأزمة سياسياً أو مالياً. وعلى المجتمع الدولي، اتباع الوسائل التي تجعل الحرب أكثر تكلفة من إحلال السلام بالنسبة للمسؤولين السياسيين وقادة التمرد والجهات التي تتعامل معهم. * عضوان مؤسسان لمبادرة Sentry لكشف مجرمي الحروب ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©