السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مواجهة الإرهاب بحل الأزمات الدولية

26 أكتوبر 2007 04:05
استضافت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مساء أمس الأول محاضرة بعنوان ''العنف والإرهاب السياسي'' ألقاها الدكتور محمد أحمد الشحي نائب مدير جامعة السوربون-فرع أبوظبي في المجمع الثقافي بحضور زكي نسيبة نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة وعدد من أساتذة الجامعات والمهتمين بالشأن السياسي· وأكد الشحي في بداية المحاضرة أن الإرهاب والعنف المتلبس لبوساً سياسياً أصبح مشكلة حقيقية ومأزقاً بالغ الخطورة بالنسبة للعالم اليوم، وانه في مواجهة التحديات الجسيمة التي يطرحها الإرهاب، ما زالت استجابة عالمنا المعاصر قاصرة وغير كافية أقله لجهة وضع تعريف جامع مانع متفق عليه للأعمال الموصوفة بـ''الإرهاب''، ذلك أن السمة الدولية العامة في سياقات التداول المفهومي للكلمة هي اعتبار ما يقوم به ''الآخر'' -أي آخر-إرهاباً، وما يقوم به الطرف الواقف وراء التصنيف أو التعريف ''دفاعاً مشروعاً عن النفس''، مشيرا إلى أن هذه الازدواجية في النظر لا تنسحب فقط على جماعات العنف، والمقاومة، بمختلف أشكالها، بل تنعكس أيضاً بوضوح من خلال تصنيفات الدول الكبرى، والمعايير التي تتبعها لوضع مناوئيها في خانة الإرهاب· وأضاف أنه ليس الالتباس، أو إشكالية التعريف هي وحدها التي تلقي بثقلها على قصور تعامل عالمنا المعاصر مع آفة الإرهاب، بل إن الانتشار الأفقي لجماعات العنف يؤشر إلى عدم خلو أي منطقة، أو ثقافة، أو دين، من هذه الآفة الخطيرة، حيث أشارت إحدى الدراسات الغربية إلى أن الإرهاب الدولي أصبح ظاهرة تمارسها 370 منظمة إرهابية، تمارس نشاطها في 120 دولة، في حين أشارت دراسة أخرى إلى أن عدد المنظمات الإرهابية أكثر من ذلك إذ بلغت عام ،1988 2176 منظمة منها 506 في آسيا، 229 في أفريقيا، 738 في أميركا اللاتينية، 655 في تركيا، 80 في أميركا الشمالية، 319 في الدول الغربية''· وأشار إلى أن التعريف الأقرب للقبول لأنه من أكثر التعاريف وضوحا وشمولية وعدلا ضمنته الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عن مجلس الوزراء الداخلية والعدل العرب في أبريل 1998 والذي ورد وفق التالي ''الإرهاب كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر''· الجذور التاريخية وأضاف أنه بالعودة إلى المراحل التاريخية التي مرت بها الظاهرة يمكن التأريخ لظهورها حتى في مراحل زمنية موغلة في القدم، مروراً بمرحلة العنف الثوري في القرن التاسع عشر على يد جماعات الفوضويين والعدميين، وصولاً إلى مرحلة عنف الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، التي ظهرت في خضمها جماعات عنف صاخبة كحركات اليسار العلماني مثل ''الوذرمن'' في أميركا والجيش الأحمر في اليابان وألمانيا والألوية الحمراء· وأخيراً أطل العنف السياسي والإرهاب الحالي المنسوب إلى جماعات من مختلف الأديان والمِلل· وفي سياق استعراض الجذور التاريخية للإرهاب ضرب المحاضر أمثلة متعددة، مؤكداً أن ''القيام بعمل يسبب إرهاب الآخرين قديم قدم التاريخ، ومن أقدم الأمثلة على ذلك الحركة الإرهابية اليهودية في القدس المسماة (السيكاريون) وهي طائفة دينية على درجة عالية من التنظيم، لعبت دوراً فعالاً في العمليات الإرهابية··في فلسطين في القرن الأول للميلاد، بين سنتي 66- 73 ميلادية إذ اتبعـت أسلوباً جديداً خارجاً عن التقاليـد والعرف، فكانت تهاجم أهدافها في وضح النار، وفي مناسـبات الأعياد، وحيث يكثر الحشـد الجماهيري في مدينة القدس، مستخدمة سلاحها المفضل الذي هو سيف قصير يخفيه (السيكاري) تحت سترته''· وفي العصر الوسيط ظهر العنف السياسي في تاريخ العرب لدى بعض جماعات الغلو والتطرف كالأزارقة والميمونية والحشاشين، والقرامطة· ومع مطلع الأزمنة الحديثة ظهر العنف أيضاً أيام حرب الاستقلال الأميركية وسيقت حجج كثيرة لتبريره، كوسيلة لفرض الانفصال عن التاج البريطاني، حيث ''قال أصحاب إعلان استقلال أميركا عن جورج الثالث، ملك إنجلترا: لقد دمر بحارنا، ودمر شواطئنا، وحطم أرواح أهلنا· قالوا ذلك عندما لجأوا إلى الإرهاب للتصدي لعنف هذا الملك· وفي مثل هذه الحالات لم ينظر الأميركيون إلى قتل الجنود الإنجليز -أصحاب الستر الحمراء- والموالين على أنها إرهاب منظم، ولكنهم اعتبروها أفعالاً وطنية''· الإرهاب·· و''العنف الثوري'' وعلى ذكر الثوار تساءل المحاضر، هل ثمة ثورة رافقها من العنف والإرهاب الطـليق مثلما رافق الثورة الفرنسية ورموزها، ابتداءً من روبسبيـير ''الذي انغمس في وحل من رعب الاغتيال تترجرج أصداؤه عبر التاريخ في ثنايا ما خلدته الثورة الفرنسية لسنة ''1989؟ ولا عجب فروبسبيير نفسه هو القائل: ''إن الفضيلة بدون الإرهاب تبقى عاجزة ومشلولة''· وقد شهدت إحدى مراحل الثورة الفرنسية المبكرة، تبنياً رسمياً للإرهاب كوسيلة لضبط الوضع الداخلي في خضـم الغليان الثوري، وكوسيلة لردع التدخلات الخارجية المهددة للثورة في مهدها· وأضاف أن الإرهاب الموصوف بأقذع وأرذل الأوصاف في أيامنا هذه، كان في أعين ''الثوريين في مطلع القرن التاســـع عشر إيجابياً، ويرون فيه رديفاً للعنف الثوري، الذي قال عنه كارل ماركس إنه قاطرة التاريخ··وقد ربط تروتسكي باعتزاز بين الإرهاب والشيوعية في عنوان واحد من مؤلفاته المهمة (الإرهاب عنف)· ومارس لينين الإرهاب'' على أوسع نطاق· التحدي الماثل وأشار الشحي إلى أن ما يميز الخطر الإرهابي الماثل الآن عن كل هذا التاريخ المديد الذي عرف العالم خلاله الظاهرة، هو حجم التهديد الجسيم الذي أصبح الإرهاب الدولي يشكله مع مطلع الألفية الثالثة، فقد ''كانت عملية 11 سبتمبر2001 في أميركا أكبر عملية إرهابية في التاريخ، كشفت بما لا يترك مجالاً للشك عن وجود شكل جديد من الإرهاب أكثر خطورة من أي شكل تم التعرف عليه سابقاً، وهو وجود منظمة مكتفية ذاتياً ولا ترتبط بأية دولة اقتحمت الميدان الدولي مرتكبة جرائم أودت بحياة الآلاف مرة واحدة باعتبارها لاعباً جديداً على الساحة الدولية''· ومع أن أعمال جماعات الغلو والتطرف الديني المنسوبة إلى الإسلام هي التي جعلت البعض في الغرب يربط الآن بين الإسلام والعنف فإن الدين الحنيف بريء قطعاً من كل أشكال الإرهاب، بأي شكل· ودعا الشحي في نهاية محاضرته إلى العمل دولياً في مواجهة خطر الإرهاب بمنهج الوقاية، بتجريد المتطرفين والإرهابيـــــــين من أي مبرر أو ذريعة، من خلال حل مختلف الأزمات الدولية، وتنقية الثقافة ومناهج التعليم من أية شوائب مشجعة على التطرف والعنف وإلغاء الآخر وإقصـــائه، لأن الرهان الوحيد الرابح لعـــــــالمنا المعاصر، هو التعايش السلمي، والتسامح الديني والثقافي، وقبول الآخر، وفهمه، بعيداً عن أية عُقد أو أحكام مسبقة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©