الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السلاطين الجدد ...والثأر من أتاتورك

السلاطين الجدد ...والثأر من أتاتورك
26 ابريل 2009 00:53
مثل يوم 23 إبريل، موعداً آخر تقابل فيه أهالي الأناضول مع مناسبة مهمة سبق ودشنها رمز البلاد مصطفى كمال أتاتورك• إنه عيد الطفولة• لكن هذا العام بدت فرحة الأتراك بها، على غير المعتاد، فالوجوم افترش الوجوه مثل الغيوم الكثيفة التي حجبت وبإصرار ضوء الشمس• وكان واضحاً أن الزلزال الأكاديمي، الذي استهدف الجامعات وهي أحد حصون العلمانية، لم تنته توابعه بعد، بل لعلها اتحدت مع علامات استفهام أخرى، صبت جميعاً في ذات الاتجاه المناؤى لمؤسس الجمهورية الحديثة، وقد تمحورت حول تلك المحاولات الدؤوبة التي تسعى جاهدة للتقليل من أهمية أتاتورك سعياً على المدى البعيد لمحو صورته من الذهن الجمعي لعموم الأتراك• ولذا بدا وكأن الغليان يعتمل الآن في الصدور في انتظار إشارة مجهولة للتصعيد، تقابله أصوات دعت -ولا زالت تدعو- إلى التروي وضبط النفس• وفي خطوة لها أكثر من معنى أدى رئيس الأركان الجنرال إليكار باشبوغ زيارة مفاجئة لمدينة شيرناق جنوب شرق تركيا حيث تدور المواجهات ضد العناصر الانفصالية، وهناك في شوارعها ترجل القائد القوي وسط حفاوة بالغة• ولكن ترى إلى أين تسير الأمور بهذا التجاذب: هل إلى مزيد من خطوات العصف باساتذة دور التعليم العالي؟ أم طمس صورة الغازي الجسور، ولتكن الأخيرة البداية ومنها نقف عند الزلزال الأكاديمي وتداعياته! وفي البدء كانت المشكلة، فعندما كان ''حزب العدالة'' يخطو أولى خطواته في الحياة السياسية، ظهر مؤسسوه وكأنهم يحملون في داخلهم ثأراً دفيناً ضد أتاتورك وعلمانيته المنعوتة في مجالسهم بـ''المتطرفة ''، في مقابل حنين لاسترجاع أيام السلاطين والخلفاء العثمانيين• لكن المعضلة كانت في كيفية الانتقام من هذا الرجل! ولأنهم يعلمون جيداً كم هو حاضر في أذهان الملايين من أبناء الأناضول على رغم رحيله قبل عقود خلت، كان لابد لهم من الصبر والتريث حتى تأتي الطعنات في قلب الكمالية، ومعها طمس صور مؤسسها المطبوعة في وعي المجتمع التركي، محبوكة ومتقنة• وتوالت السنوات وحلم الانقضاض على الصورة التي دقت المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية العثمانية يداعب مخيلة ''الخلفاء'' الجدد في المجتمع التركي، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة، حين جاء وقت تغيير العملة المحلية، فبعد إزالة الأصفار الستة الشهيرة، ونهاية ظاهرة المليارات والتريليونات، انتهزت وزارة المالية الفرصة التي قلما جاد الزمان بمثلها، معطية إشارة التبديل حتى لا تنفرد صورة المؤسس بالعملات كما هو سائد منذ تدشين الجمهورية عام •1923 وفي إيحاء لربط الماضي بالحاضر، تم اختيار ''يونس أمرا'' (1238- 1321) الذي يعد بمثابة أسطورة في التراث الثقافي الطوراني بإجماع ليكون في الجانب الثاني لورقة البنكنوت ذات المائتي ليرة، ولم يكن هذا خلواً من المعنى• وفي إجراء مبـاغت آخر اتسم بالدهاء وضعت صورة ''فاطمة عليا'' (1882- 1938) على فئة الخمسين ليرة الأكثر تداولا بين جميع شرائح الشعب، والمعنى الظاهر الذي أريد تسويقه هو أن ''حزب العدالة'' الحاكم يقدر مسيرة النساء في الحياة التركية• لكن السيدة التي وصفت من قبل أصحاب المصباح، شعار الحزب الحاكم، بأنها ذات باع طويل في التعليم كانت واحدة من أشد المناوئين لطموحات مصطفى كمال أتاتورك بالذات• وهذا هو الهدف! لكن غاب عنهم أن واقع ما بعد العثمانية الذي صار عنوانه العريض الجمهورية الكمالية بات عصياً على الاختراق، من وجهة نظر قطاعات كبيرة من الشارع التركي• فمواطنو هذا الموقع الموصوف بالجسر الذي يربط الشرق بالغرب، يقول هؤلاء، باتوا على قناعه تامة بأن وطنهم بفضل علمانيته صار نموذجاً مهماً سواء في جوارهم الجغرافي أو محيطهم الإقليمي، ولهذا فقد أدركوا أن هناك التفافاً ماكراً حول مبدأ فصل الدين عن الدولة• وأن تبديل شكل العملات، ما هو إلى خطوة في مسيرة تغيير من ألف ميل! وهذا هو الإشكال الذي طالبوا بمواجهته بكل حسم! وعندما انتبه أولو الأمر إلى الأثر السلبي لما فعلوه، عادوا إلى شاشات ''الميديا'' المرئية، قبل ساعات من بدء الانتخابات المحلية التي جرت نهاية مارس الماضي، وقد رفعوا شعارات ومقولات أتاتورك، وجاء رد الفعل مختلفاً وصادماً، وعاد ''حزب العدالة'' بتراجع بلغ 12 في المئة مقارنة بنتائجه في الانتخابات البرلمانية قبل أكثر من عام• والمثير أن أردوغان الذي سبق ولمح إلى أنه قد يستقيل في حال لم يتمكن حزبه من تجاوز عتبة الخمسين في المئة سرعان ما نسي ذلك• وبدأ رجاله يثيرون فصلا آخر من فصول قضية الانقلاب على الحكومة والمعروفة بـ''الأرجينكون''! ففي يوم الاثنين الذي وافق الثالث عشر من الشهر الحالي، فوجئت البلاد بأنباء القبض على عدد من رموز المدافعين عن العلمانية، وبعضهم من أساتذة الجامعات، وذلك بتهمة التخطيط لانقلاب ضد ''حزب العدالة والتنمية'' وكان أبرزهم: محمد هبرال رئيس جامعة ''باش كانت'' الشهيرة بالعاصمة أنقرة، ومصطفى يورت كوران، الأستاذ في جامعة ''يوليداغ''، وفاتح حلمي أوغلو الأستاذ بجامعة ''إينونو''، وفريد بيرناي الأستاذ بجامعة ''19 مايو'' وعثمان متين أوزتورك من جامعة ''جيرسون''، وتوركان سايلان الأستاذة المخضرمة غير المتفرغة ورئيسة إحدى المؤسســـات الخيرية• وكذلك ''تيــجان مــيرجن'' التي تعمل مستشارة لـ''إيدن دوغان '' الإعلامي الشهير صاحب أكبر الصحف فضلا على قنوات تلفزيوينة ذائعة الصيت والذي يناصبه رئيس الحكومة العداء• وقد أصبح السؤال المثار الآن حتى لدى بعض المنتمين للحزب الحاكم: ماذا يحدث وإلى متى يستمر؟ بالأمس طالت الاعتقالات كتاباً وصحفيين وجنرالات متقاعدين وفنانين، واليوم أساتذة جامعات، فماذا سيحمل الغد إذن؟ ومن سيكون عليه الدور؟! وهكذا يتوغل ''الثأر''، كاسحاً من أمامه أية عقبات محتملة، فبعد أن تم اختراق السلطة القضائية كان لابد من توجيه لطمة قوية طال انتظارها لقطاع أساتذة الجامعات الذين لم يخفوا اعتراضاتهم حيال ''حزب العدالة والتنمية'' ووقفوا حجر عثرة ضد طموحات مؤسسيه لدخول الحجاب إلى دور التعليم العالي! لكن يبدو أن مسعاهم جاء بنتائج شديدة القسوة، ففي أرض مطار إسطنبول وبأحد مدرجاته لعبت الصدفة وحدها دوراً في أن يرى الرئيس الأسبق سليمان ديميريل رئيسَ جامعة ''باش كانت'' الذي كان في الطائرة نفسها القادمة من أنقرة محوطاً برجال الشرطة• وهنا أسرع الرئيس الأسبق نحو الرجل قبل أن يصعد سيارة الترحيلات متجهاً إلى النيابة شاداً على يده قائلا له: إنها ضريبة من يدافع عن مبادئ الجمهورية• ولذا يبدو للكثيرين هنا الزلزال الأكاديمي وكأنه القطرة التي طفحت عندها المكاييل، فللمرة الأولى ومنذ واقعة ''الأرجينكون'' خرج الآلاف من جديد إلى ''أنك كبير'' حيث يرقد مؤسس تركيا الحديثة، وهناك أعلنوا رفضهم القاطع للمحاولات الرامية إلى إعادة البلاد إلى الوراء، صحيح أن القنوات التلفزيونية التي تشرف عليها الحكومة تجنبت الإشارة إليها، لكن يعتقد كثيرون أن الحزب الحاكم لا يتراجع فحسب، بل يتقهقرفي مؤشر قد ينذر بالخسارة في استحقاقات انتخابية مقبلة! سيد عبد المجيد- أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©