الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغاز الأميركي... رهان سياسي

17 فبراير 2014 23:28
منحت وزارة الطاقة الأميركية ترخيصها النهائي لبناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وهذه المحطة في الحقيقة هي السادسة من نوعها التي رخصت لها إدارة أوباما بعد فترة ممتدة من المماحكة السياسية في واشنطن استمرت ثمانية عشر شهراً تركزت حول الطريقة المثلى للاستفادة من الوفرة المفاجئة في الطاقة التي تعيش على وقعها الولايات المتحدة، فعلى الرغم من الضغوط المتصاعدة التي يمارسها المؤيدون لتوسيع الصادرات الأميركية من الطاقة داخل الكونجرس الأميركي، ومعهم عدد متزايد من الدول التي ترغب في شراء الغاز الأميركي، ومطالبتهم لإدارة أوباما بالموافقة السريعة على المشاريع المرتبطة بالتصدير، ما زال البيت الأبيض يدرس إمكانية الترخيص لبناء 25 محطة للتصدير. ولو وافقت الإدارة الأميركية، فإن من شأن المرافق الجديدة أن تضاعف قدرة الولايات المتحدة على تسييل الغاز الطبيعي وتصديره لتصل إلى 35 مليار قدم مربعة في اليوم الواحد. ولكن المضي قدماً في إنشاء تلك المحطات، يواجه العديد من العقبات المرتبطة أساساً بالقوانين الأميركية التي تجعل من الصعب للغاية على الشركات تصدير الغاز الطبيعي إلى بلدان لا تجمعها بواشنطن اتفاقية للتبادل التجاري الحر. أما الشركات التي تريد التعامل مع تلك الدول، فعليها قبل ذلك إقناع وزارة الطاقة بأن الصفقات تصب مباشرة في مصلحة أميركا القومية، والحال أن هذا المعطى لا يخضع لتعريف دقيق ولا لمعايير واضحة. وهذا الأمر يجعل عملية المصادقة والترخيص صعبة وملتوية، وأيضاً محبطة للبلدان المتطلعة لشراء الغاز الأميركي، هذا في الوقت الذي تُضاعف فيه دول منتجة أخرى مثل قطر وأستراليا قدراتها التصديرية، ما يهدد بإهدار الفرصة على أميركا للتحول إلى مصدر للطاقة. وعن هذا الموضوع يقول السيناتور جيمس إنهوف الذي يعد أحد المدافعين عن تصدير أميركا للغاز الطبيعي «لطالما كنت أنظر بعين الرضا إلى التراخيص التي تصدرها وزارة الطاقة، إلا أنني أعتقد اليوم مع مجموعة أخرى من النواب، أنه يتعين إصدار المزيد منها، فأصدقاؤنا وحلفاؤنا في الخارج يجهدون لتلبية احتياجاتهم من الطاقة، وهم يواجهون ضغوطاً كبيرة لشراء الغاز من روسيا، أو إيران، ولذا من المهم أن نوفر لهم بدائل أخرى». ومن أجل تسريع وتيرة الترخيص للشركات بتصدير الغاز، طرح مشرعون في مجلسي النواب والشيوخ، بمن فيهم السيناتور إنهوف نفسه، مشروع قانون يتيح لأميركا تصدير الغاز الطبيعي للدول الحليفة مثل دول منظمة معاهدة شمال أميركا، فضلاً عن بلدان أوروبية وآسيوية أخرى. وفي هذا السياق أيضاً يشير المدافعون عن تصدير الغاز الأميركي إلى المنافع الجيوسياسية المترتبة عن ذلك، على أمل أن تؤثر هذه المنافع على الكونجرس وتدفعه للترخيص لبناء المزيد من محطات التصدير. وقد أشار تقرير أعدته لجنتا الطاقة والتجارة بالكونجرس، إلى أن الغاز الأميركي من شأنه تعزيز العلاقات مع البلدان الصديقة، وفي الوقت نفسه إضعاف روسيا التي تعاكس في كثير من الحالات المصالح الأميركية. وقد جاء في التقرير أن «مساهمة أميركية أكبر في أسواق الطاقة العالمية يمكنها دعم الأمن القومي للولايات المتحدة من خلال استبدال النفوذ الذي تمارسه بعض الأنظمة المشاكسة، وفي مقدمتها إيران وروسيا». وبالإضافة إلى ترخيص الحكومة الأميركية لبناء محطة سادسة لتصدير الغاز الطبيعي، وهو الأمر الجيد بالنسبة للمدافعين عن توسيع الصادرات الأميركية في مجال الطاقة، هناك أيضاً حالات تبادل للمواقع والمقاعد على رأس لجان الكونجرس تحمل هي كذلك أخباراً جيدة بالنسبة للمدافعين عن تصدير الغاز الطبيعي، فقد تولت رئاسة لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ، ماري لاندرو، المعروفة بمطالبتها بتصدير الغاز الأميركي. ولكن عدداً من حلفاء أميركا الذين انتظروا بفارغ الصبر الاستفادة من الغاز الطبيعي الأميركي بدأ صبرهم في النفاد، فالأوروبيون والآسيويون على حد سواء ما فتئوا يطالبون أميركا بتصدير الغاز الطبيعي الذي حتى بعد احتساب تكلفة التسييل والنقل سيظل أرخص من الغاز المعروض حالياً في الأسواق. فخلافاً للنفط الخام الذي يملك سوقاً عالمية، لا يتوافر الغاز الطبيعي على شيء مماثل ما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار وتباينها من منطقة إلى أخرى. فأسعار الغاز الطبيعي في آسيا على سبيل المثال تجاوزت مؤخراً نظيرتها الأميركية بحوالي أربع مرات، فيما تجاوز سعر الغاز المعروض في أوروبا نظيره الأميركي بثلاث مرات، هذا ويشير مؤيدو تصدير الغاز الأميركي والمطالبون به إلى الطريقة التي استطاعت بها روسيا التأثير على أوكرانيا والتحكم في قراراتها. فهذه الأخيرة تعتمد في تلبية احتياجاتها الأساسية من الغاز الطبيعي على الإمدادات الروسية، وبالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، تمثل الحالة الأوكرانية نموذجاً واضحاً لخطر الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة الروسية. ولعل ذلك هو ما دفع أفواجاً من الدبلوماسيين الأوروبيين والآسيويين إلى التوافد على واشنطن وزيارة الكونجرس للمطالبة بمراجعة السياسية الأميركية في مجال الطاقة، وهو ما عبر عنه «سيمونانس ساتوناس»، الدبلوماسي بسفارة ليتوانيا بواشنطن، قائلاً: «إنه أمر غريب حقاً، فعلى رغم أننا جميعاً في حلف شمال الأطلسي، إلا أننا لا نستطيع المتاجرة في مصادر الطاقة التي لا تقتصر أهميتها على الجانب الاقتصادي، بل تمتد أيضاً إلى قضايا الأمن القومي». يشار إلى أن ليتوانيا تعتمد بنسبة 100 في المئة على أنبوب وحيد يأتي من روسيا لنقل وارداتها من الغاز الطبيعي. وهي حالياً تقيم محطة إضافية لنقل الغاز الطبيعي المسال لتنويع مصادر الطاقة لديها. وإلى جانب الدول الأوروبية المتعطشة للغاز الأميركي، هناك أيضاً آسيا وعلى رأسها اليابان، لا سيما منذ أن راهنت على الغاز الطبيعي لتعويض الطاقة النووية بعدما أغلقت جميع مفاعلاتها على إثر حادثة فوكوشيما. ولحسن حظ اليابان، أن المحطة الأميركية السادسة التي رخصت لها إدارة أوباما موجهة أساساً لتلبية الاحتياجات اليابانية من الطاقة، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة في طريقها لتصبح أكبر مزود للسوق اليابانية بالغاز الطبيعي بحلول عام 2017. ‎كيث جونسون كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©