الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أريحا.. سمّاهـــا الكنعانيون مدينة القمر

أريحا.. سمّاهـــا الكنعانيون مدينة القمر
19 أكتوبر 2007 02:52
حين يقف المرء على تلال العاصمة الأردنية عمّان في الليالي الصافية، وينظر غرباً فإنه يشاهد أضواء القدس المتلألئة كصورة ثرية بالمعاني والدلالات الحزينة، ذلك أن العشق والانتماء للأرض يتوهج دوماً في شرايين الإنسان أياً كانت هذه الأرض، فما بالنا حين تكون القدس زهرة المدائن، وأرض الطهر والتاريخ والملائكة والأنبياء، لا شك أن الحزن يكون كبيراً، والدموع مترعة· في حضن القدس، وعلى مسافة 30 كلم شرقاً، تقع أريحا أو مدينة القمر، وهو اسم أطلقه عليها الكنعانيون أجداد الفلسطينيين، وسكان البلاد الأصليين، تتراءى أريحا مدينة صغيرة لا يتجاوز تعدادها 17 ألف نسمة، وهي قريبة من نهر الأردن ، وتبعد عن البحر الميت، والمغطس الذي استحم فيه السيد المسيح 7 كلم، لذا فهي مشهورة جداً من الناحية السياحية، ويفد إليها رغم ظروف الاحتلال 300 ألف سائح في العام، وفيها إضافة إلى المغطس العديد من الأماكن السياحية مثل قصر هشام بن عبدا لمللك، وشجرة الجميز التي يتجاوز عمرها ألفي عام، وموسم النبي موسى الذي يحيي فيه الفلسطينيون تقاليد مضى عليها ما يقرب 850 عاماً، وهذا المقام يبعد 8 كلم ويقع فوق تلة مشرفة على البحر الميت، حيث تتردد خلاله الأناشيد الدينية والأغاني الشعبية منذ عهد الظاهر بيبرس إلى يومنا هذا، وقد اعتاد الناس حسب الروايات التاريخية الموثقة المجيء إلى مقام النبي موسى ''عليه السلام'' في مسيرة على الأقدام والخيول والجمال من مدينة القدس منهم من يريد الوفاء بنذر قطعه على نفسه بأن يحلق شعر ابنه في هذا المكان لأنه يجلب الحظ والبركة، وتستمر فقرات هذا الموسم أسبوعاً وتشتمل على عروض عدة للدبكات الشعبية الفلسطينية، والأمسيات الشعرية، والموسيقية، والأناشيد الدينية، إضافة إلى عرض الأفلام الوثائقية، ويشكل فرصة لهواة ركوب الخيل والجمال، وموسم النبي موسى هو صورة تعبيرية عن الحضارة الإسلامية والأصالة· سلة غذاء فلسطين أريحا سلة غذاء فلسطين فهي مشهورة بزراعة الحمضيات والتمور والموز والورود، وكذلك الخضروات بكافة أنواعها، لكن تضييق قوات الاحتلال يحول في بعض الأوقات دون وصول المنتجات الزراعية إلى أسواق الضفة الغربية، وهناك تسهيلات أردنية لتصديرها عبر الأردن· وكما هو معروف فإن أريحا المحاذية لنهر الأردن والبحر الميت تعتبر أقدم مدينة في العالم، وأكثر المدن انخفاضاً عن سطح البحر· وبسبب المناخ الحار، والشمس الملتهبة التي تلفح وجوه السكان، وكون أريحا منطقة زراعية منخفضة استوطن فيها المزارعون من بلدان ومناطق متعددة عبر التاريخ، فإن السحنة الغورانية المختلطة تبدو مائلة إلى السواد، وهم يعيشون كبائعة متجولين يستغلون مواسم السياحة، ومزارعين في الأرض، وعاملين على الجسور التي تربط بين الأردن وفلسطين· ونتيجة للسفر المتعب عبر الجسور، فإن المرء لا يتمكَّن من الإحساس بجمال هذه المدينة التي قال عنها أحد الشعراء اليهود يوماً إذا كانت الجنة تشبه أريحا فهي حقاً رائعة، لكن على الصعيد السياسي، فإن إسرائيل تخلت عن أريحا لتجعل منها غيتو للفلسطينيين ينامون فيه ليلاً، وفي النهار يعملون أجراء في أرضهم التي اغتصبت منهم وشبه عبيد لدى الإسرائيليين، الذين يحاصرون المدينة من مختلف الجهات· حدائق منزلية وكلما عدتُ إلى فلسطين أو ابتعدت عنها سوف تلامس عيونك مدينة أريحا، وتستغرب كيف أن أهلها يستظلون بأشجار الحدائق في البيوت يمارسون حياتهم الطبيعية، فيما أنت تعد اللحظات للوصول إلى قريتك أو مدينتك، أو المغادرة إلى عمان· آخر مرة اتصلت هاتفياً من رام الله بأحد الأصدقاء من المسؤولين في أريحا كي يرتب لي ولشقيقي موعداً للمغادرة، فأجابني بأن أحضر في اليوم الذي أريد وستغادر فوراً، لكن هذا لم يعجب شقيقي الذي ذكر لي بأنه لا بد من زيارة هذا الصديق لأنه ليس موظفاً عندنا، فشددنا الرحال إلى أريحا أنا وشقيقي وأحد أقاربي على الفور، وهناك التقيت بصديق عزيز أكرمنا وأحسن وفادتنا، وفي طريق العودة فوجئنا بوجود حاجز عسكري للجيش الإسرائيلي الذي قام بالتدقيق بهوياتنا، وكانت المفاجأة الأكبر أنهم لبنانيون من فلول جيش سعد حداد الهاربين إلى إسرائيل، سألونا عن الإمارات، وقال أحدهم إن لدي مشكلة معك موجهاً كلامه لي، مما جعلني غير مستوعب لما يقول، فأنقذ الموقف أحد أفراد الدورية الذي أشاد بنا قائلاً: إن وجوههم توحي بأنهم ليسوا من أصحاب المشاكل، فيما كان الجنود الصهاينة على رأس تلة بعيدة قرابة خمسين متراً، غادرنا المكان عائدين إلى البيت، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد ذلك أن شقيقي يريد أن يجعل من الأقارب والأصدقاء والمعارف وكل أبناء القرية والقرى المجاورة يسافرون بنفس الطريقة من خلال هذا الرجل الطيب الذي أعتز بصداقته، والذي ودعنا هو ومسؤول الجسر الفلسطيني عند باب الحافلة، وحين رأى صديقي كمية الأغراض والهدايا، المعبأة بالحقائب والميرمية، والصابون النابلسي وتنك الزيت والزيتون معي في رحلة المعاناة والتعب قال لي: ستبقى فلاحاً
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©