السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النزهـــــة الأخيرة

النزهـــــة الأخيرة
30 مارس 2008 03:47
أصيبت السيدة التي أعمل لديها بصدمة كبيرة فاختل توازنها · ربما أعذرها لأن فقدان أحد الأولاد من أقسى الصدمات التي تفوق قدرة الأم على الاحتمال· وقد ماتت طفلتها بشكل لا يمكن تصديقه، فلم تعد قادرة على مواصلة العناية بأسرتها فاضطر الأب لإحضاري للمساعدة· كانت الطفلة - كما عرفت بعد مجيئي - في السنة الثانية من عمرها، تسير خطواتها الأولى وهي فرحة وسعيدة باكتشافها الأشياء من حولها· و كانت الأم تغسل الثياب في الحمام وقد تركت طفلتها تلعب في الصالة بعد أن أطعمتها وغيرت لها ثيابها، ووضعت لها مجموعة من الألعاب غير المؤذية لتتلهى بها حتى تنجز الأم أعمالها· كان التلفاز مفتوحاً على قناة الأطفال التي تثير اهتمام الصغيرة وتشدها لتبقى في مكانها ولا تلحق بوالدتها· لم تنه الأم غسيلها واضطرت لتركه لفترة ثم أسرعت إلى المطبخ لتكمل الطبخ بانتظار أن تكمل الغسالة دورتها وتنتهي عملية تنظيف الغسيل· في هذه الأثناء قامت الصغيرة وذهبت نحو الحمام معتقدة أن أمها هناك، فشاهدت سطلاً مليئاً بالماء فابتسمت ببراءة ثم فتحت كفيها ولطمت بهما صفحة الماء فتناثرت قطرات الماء على وجهها فضحكت بسعادة، ثم عاودت الكرة مرة أخرى وهي منتشية، ثم خطر لها أن تتذوق المياه، فمدت وجهها نحو السطل لتشرب، فاختل توازنها وتدلى جزء كبير من جسدها في السطل· حاولت أن تخرج رأسها من الماء فلم تسعفها خبرتها الطفولية على إنقاذ نفسها فغرقت وماتت· منذ تلك الحادثة أصبحت الأم في حالة غير طبيعية؛ تبكي لساعات طويلة ثم تجلس بصمت لمدة ثم تركض لتحتضن لعبة ابنتها وأغراضها وتبكي مرة أخرى، أهملت بيتها وزوجها وأولادها الأربعة، وكان أصغرهم في الأول الابتدائي· وقعت فريسة لأمراض كثيرة وصارت تقضي معظم وقتها في المستشفيات، فاضطر زوجها لإحضاري مع أنها لم تكن ترضى من قبل بوجود خادمة في بيتها لأنها كانت تحب أن تقوم بخدمة أسرتها بنفسها· تأثرت بكل ما حصل لهذه الأسرة وقررت أن أعوض الصغار عن فقدان أمهم المؤقت، وأن أكون حنونة معهم قدر الإمكان، فبذلت جهدي وعملت بجدارة حتى كسبت رضا سيدي ومحبة أطفاله، فقد تعلق بي الصغار وصاروا يلجأون إليَّ في كل صغيرة وكبيرة من شؤونهم· كانت سيدتي تقضي الوقت وهي محتضنة ثياب صغيرتها وأساورها التي كانت ترتديها قبل موتها، فنصح الطبيب بإبعاد تلك الأشياء عنها، وعندما عجز الزوج عن فعل ذلك طلب مني أن أتصرف· تحدثت مع المرأة وهدأتها ثم سحبت الأشياء منها بالتدريج حتى أخذت جميع الأشياء بما فيها تلك الأساور الجميلة، وهي عبارة عن اسوارتين كل واحدة منهما مزودة بسلسلة مرتبطة بخاتم صغيرة، أعجبني شكلهما وتمنيت أن أشتري لابنتي مثلهما· مرت الأيام وتحسنت حالة المرأة بالتدريج، وصارت تقضي وقتها في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، ثم بدأت تصحو شيئاً فشيئاً فوجدت أن أطفالها قد أهملوها وصاروا يتجهون إليَّ في طلباتهم، وأنهم يعبرون عن حبهم لي، مما استفزها وجعلها تنظر إلي بشيء من الغيرة، ثم بدأت تعتني بأطفالها بنفسها في محاولة لاستعادة حبهم لها، وقد أغرقتهم بالحب والاهتمام والرعاية حتى لم يعودوا بحاجة إلي· نسي الكل مسألة الأساور، فبقيت بحوزتي حتى حان موعد انتهاء عقد عملي، وعرفت بأنهم لن يجددوا لي العقد خصوصاً وأن المرأة استعادت وضعها الطبيعي وعادت للاعتناء ببيتها بنفسها، وقد تعاظم لديها الشعور بالمنافسة وكأنها تخشى أن آخذ مكانها في بيتها· عند هذه النقطة قررت أن آخذ ما يمكنه أن يعينني على ظروفي المادية ويدخل السرور على أسرتي، فأخذت بعض الأشياء من هنا وهناك، ساعة، سلسلة، لعبة أطفال إلكترونية، خاتم، هذا بالإضافة لبعض الثياب وتلك الأساور التي نسوها تماماً· قبل موعد سفري بساعات قليلة استغربت من تصرف سيدتي لأنها طلبت من زوجها أن يأخذنا أنا والأطفال إلى الحديقة للتمتع، كان الأمر مثيراً للريبة في نفسي، كيف يفكرون بالنزهة ولم يبق وقت طويل على السفر؟ لقد شككت بالأمر وبقيت خائفة لا أدري كيف أتصرف، لأنها باغتتني بتلك النزهة فلم أملك الوقت الكافي لإخفاء الأشياء التي سرقتها· أوصلنا سيدي إلى الحديقة وكما توقعت فقد قام هو وزوجته بتفتيش أغراضي فوجدا كل المسروقات، وقد كانت صدمة عنيفة لهما عندما وجدا أساور الطفلة الميتة عندي· أعادونا من الحديقة وقد واجهني سيدي بقوله: لولا انك كنت مخلصة معنا وكنا نعتمد عليك اعتماداً كاملاً أثناء مرض زوجتي لسلمتك الآن للشرطة، ولكنني ساسامحك وأنا أعلم بأن عقابك عند ربك كبير· شعرت بإحراج شديد وتمنيت أن تنشق الأرض وتبلعني، وكان ذلك آخر عهدي بالأسرة الطيبة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©