الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقدونيا ··· بين المقدونيين واليونانيين

مقدونيا ··· بين المقدونيين واليونانيين
30 مارس 2008 02:09
بينما كان جالسا إلى جوار صديقه في الحديقة مستسلمين لأشعة الشمس الأخيرة قبيل الغروب، كان الاستياء والغضب واضحين على محيا ''جيسهوسكي بلازو''؛ إنه رجل غير متعلم -كما يقول- إلا أنه يعلم بعد 86 عاما على هذه الأرض، بعض الأمور: من بينها ''من هو''، يقول هذا الراعي المتقاعد: ''إننا مقدونيون''، مضيفا ''ماذا كان ''الاسكندر الأكبر'' عندما فتح اليونان؟ وماذا كان ''فيليب'' (والد الاسكندر)؟ إننا أبناء الاسكندر''، هذا التأكيد، في هذا البلد الصغير الواقع في منطقة البلقان، والذي يشترك في الحدود مع ألبانيا وبلغاريا وكوسوفو وصربيا واليونان، هو أكثر من مجرد مسألة تافهة تتعلق بالسلالة، فمن لديه الحق في المطالبة بتركة ''الاسكندر الأكبر'' واسم امبراطوريته -مقدونيا- التي تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، مسألةٌ سياسية معاصرة تهدد الآمال في مستقبل أكثر استقرارا في منطقة البلقان، ناهيك عن مخطط الناتو للتوسع في المنطقة· البلد الذي ينتمي إليه ''بلازو'' يسمي نفسه جمهورية مقدونيا، كما أن العديد من البلدان، ومنها الولايات المتحدة، تعترف به تحت هذا الاسم، ولكن اليونان -التي ليست لديها مخططات سرية ضد هذا البلد، الذي يعادل من حيث مساحته ولاية فيرمونت الأميركية، ما عدا اسمه- تقول: إن الجميع يعرف أن ''الاسكندر'' كان يونانيا، وإن مقدونيا توجد في اليونان (وبالفعل توجد في اليونان منطقة تسمى مقدونيا)، ويشدد اليونانيون على أن جارهم ذا الأغلبية السلافية -المعروف لدى الإثينيين والأمم المتحدة باسم ''جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة''، إنما يحاول أن يسرق إرثهم، هذا الكلام يسبب لـ''بلازو'' الإنزعاج ويقول في هذا: ''إن ما يريده اليونانيون منا أمر غير معقول، أن نغير اسمنا''، مضيفا: ''إذا كان اليونانيون متعلقين باسم مقدونيا إلى هذه الدرجة، فلماذا لا يسمون بلدهم مقدونيا؟''· الواقع أن كل الهويات القومية الموجودة في منطقة البلقان المعروفة بتنوعها العرقي جديدة نسبيا، ذلك أنها تشكلت بعد تفكك امبراطوريات المنطقة، بيد أن الهوية المقدونية الجديدة مازالت إلى حد كبير قيد التطور، وحكومة البلد تبذل جهودا دؤوبة لنسب ''الاسكندر'' إليها، وتشكيل رابط بين الحاضر والماضي المجيد، فزوار العاصمة ''سكوبي'' مثلا يصلون إلى مطار ''الاسكندر الأكبر'' (وإن كان المرء لا يستطيع السفر إلى هناك مباشرة من اليونان المجاورة)، كما تم نصب المنحوتات البيضاء -المستعارة من المجموعة الوطنية- التي تعود إلى الفترة الكلاسيكية على درج المبنى الرئيسي للحكومة· ''ندى أندونوفسكا'' -محافظة المتحف- أشارت إلى معروضات فخارية تعود للعصر الحجري وحلي من العصر البرونزي، وتوقفت في غرفة تضم مجموعة من المنحوتات الكلاسيكية وبضع أوان إغريقية، وشرحت أن مقدونيا المعاصرة كانت تشكل جزءا من إمبراطورية ''الاسكندر'' القديمة، ثم جزءا من إقليم مقدونيا الروماني، مشيرة إلى أن ''الاسكندر'' اضطر إلى تعلم اللغة الإغريقية التي لم تكن لغته الأصلية· والواقع أن النزاع حول اسم مقدونيا يشغل بال هذا البلد الفتي منذ أن انفصل عن يوغسلافيا في أوائل التسعينيات، ففي البداية، فرضت اليونان عقوبات تجارية وعرقلت انضمامه إلى منظمة الأمم المتحدة إلى أن تم التوصل إلى توافق مؤقت يتمثل في تسمية البلد بـ''جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة''، ومنذ ذلك الوقت، تواصلت المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة، ولكن من دون أن تحقق نجاحا كبيرا· في هذه الأثناء، يلهب النزاع المشاعر على الجانبين، فعلى غرار ''بلازو''، يقول الكثير من المتحدثين باللغة السلافية في مقدونيا -أكثر من ثلثي السكان- إنهم ينحدرون مباشرة من ''الاسكندر''، وتمنح هذه الهوية -التي تعلَّم في المدارس هنا وإن كان معظم المؤرخين يشككون فيها- المقدونيين وسيلة لتمييز أنفسهم عن الجيران السلافيين الآخرين· وبالمقابل، يشير اليونانيون بعناد إلى البلد الجار باسم ''جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة''، ويردون في أحيان كثيرة بغضب على كل من يستعمل مصطلح مقدونيا للإحالة إلى البلد البلقاني، وفي هذا السياق، يتذكر ''دينكو ماليسكي'' -أول وزير خارجية مقدوني- إنه حين ذهب مع أسرته إلى مدينة ''هالكيديكي'' اليونانية لقضاء العطلة قبل بضع سنوات للاستمتاع بالشمس والطعام والاحتكاك باليونانيين، تغير الأمر عندما يسألونه من أي بلد هو، أجاب: ''مقدونيا''، وعندما أدرك اليونانيون أنه يقصد البلد المستقل، وليس المدينة اليونانية التي تحمل الاسم نفسه، يقول ''ماليسكي'' بعد هذا الرد تشعر ''كما لو أن آلاف السنين من التاريخ تسقط على رأسك''· ويقول ''ماليسكي'' أيضا، إن فكرة مقدونيا هي الشيء الوحيد الذي يحافظ على تماسك وتلاحم البلد الفتي، والهوية الوحيدة التي يمتلكها وتميزه عن جيرانه الذين أمضوا النصف الأول من القرن العشرين في الاقتتال على أراضي هذا البلد وتقسيمها، مضيفا: ''إن تعريف مقدونيا والمقدونيين شيء يحافظ على تماسك الناس، هذه دولة عصرية جديدة تحاول وضع نفسها في أوروبا، إنه بلد صغير في عالم كبير''· نيكول إيتانو - سكوبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©