الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خبيرات يوصين بالتكنولوجيا دون التفريط في الروحانيات

خبيرات يوصين بالتكنولوجيا دون التفريط في الروحانيات
12 فبراير 2012
المرأة والتكنولوجيا، كلمتان اجتمعت مؤخراً لأجلهما نساء من مختلف الأصقاع والبقاع من مفكرات وصانعات قرار وخبيرات وناشطات وفاعلات اجتماعيات يمثلن القطاع الحكومي والمجتمع المدني كليهما. كان ذلك في مدينة بنجالور الهندية، التي شهدت عقد المؤتمر الخامس حول المرأة، الذي استضافته منظمة «فن الحياة»، في مقرها الدولي «أشرم»، ما أتاح لمشاركيه فرصة اللقاء مع الطبيعة البكر، واستعادة الأبعاد الروحية الكامنة في أعماق النفس البشرية، وذلك بعد تلاشي الكثير من تلك الأبعاد بسبب الروتين والإنتاجية المادية، وانحسرت معها اللمسة الإنسانية الحانية على الواقع اليومي المعيش بسبب طغيان أمواج التكنولوجيا التي جرفتنا بسرعة قياسية إلى يم ما له قرار، فظللنا نسبح فيه من دون أن نعرف ما إذا كانت سباحتنا ستوصلنا إلى بر أمان يُتيح لنا عند بلوغه إرواء عطشنا الروحي أم أنها ستتركنا نتخبط، ولا نرتوي إلا ماءً مالحاً يزيدنا عطشاً كلما أكثرنا منه، فتخور قوانا وتُستنزَف طاقتنا ونصبح أشباح بشر يهيمون في عالم يعبد التكنولوجيا ويستعبد القيم الروحية! جـئن من كل حدب وصوب، التقين وتبادلن الأفكار والآراء، وأنشأن شبكات تواصل جديدة وأجرين مداولات وأطلقن مشاريع وخطط عمل، هدف غالبيتها تمكين أخواتهن النساء، وتسخير الوسائل التكنولوجية سلاحاً في أيديهن الناعمة، وليس سهاماً ضد قلوبهن المرهفة ومشاعرهن الفائضة وعقولهن المتوهجة. استعرضن قضايا عديدة شملت التأثير المتفاوت للتكنولوجيا على حياتهن، وذلك الرابط بين الروحانية والتكنولوجيا، وأهمية إنشاء جسر تواصلي معلوماتي بين النساء من مختلف البيئات الاجتماعية. رفعن عقائرهن تارةً، وتوافقن تارةً، وتصافحن بود وحميمية تارات أخرى. وهم «القرية الكونية» تساءلت بانوماتي ناراسيمان، رئيسة المؤتمر الدولي للمرأة في ورقتها المقدمة إلى المؤتمر عن مدى صدقية القول الشائع بأن العالم أضحى قريةً كونيةً بفضل التكنولوجيا، وبادرت إلى الإجابة بأن الأمر يكاد يكون مجرد وهم في غياب اللمسة الإنسانية التي تمنح هذه القرية المنشودة وداعتها وفرصة التواصل الصادق بين أبنائها، ومشددةً على أهمية العامل الروحاني الذي يجعل العقل البشري على تماس مع الإنجازات النوعية، ويوثق الصلة بين الخارج والداخل، أي بين التفاعل اليومي والتأمل الوجداني، وفي ذلك القوة الحقيقية للعقل البشري، لتخلُص إلى القول بنبرة حاسمة «نحن نريد للبشرية أن تتطور، لكننا نحرص على أن تفعل ذلك في قالب إنساني نقي». أسئلة إنكارية جالت المشاركات في عوالم عديدة ودخلن من أبواب متفرقة، فعرضن تجاربهن وقصص نجاحهن كرائدات للتكنولوجيا وكمستخدمات لها، واتفقن على تكوين شبكة ملهمة للمستخدمات والمبتكرات على الصعيدين الافتراضي والواقعي، والقيام بكل ما في وسعهن لتسهيل الحياة على أفراد المجتمعات قاطبةً، وتوفير سبل راحتهم الحقيقية والكاملة، غير المنقوصة. قُلن بلسان واحد «التكنولوجيا وسيلة لتحقيق الغايات الإنسانية وليست غايةً في حد ذاتها». استنكرن تيْه البعض وسط بحر هذه التكنولوجيا بسبب عدم إتقان السباحة فيه، أو نتيجة الإفراط في الملاحة بين أمواجه، تطرقن إلى مراحل تغير علاقاتنا وطرق تواصلنا وتفاعلنا بفعل التكنولوجيا، فالإنترنت، ثم الإعلام الاجتماعي، وطرحن أسئلةً إنكاريةً عديدةً من قبيل «كيف يمكن للشخص أن يتشبع بالقيم الإنسانية ويعزز حس انتمائه في حياة يغمرها طوفان التكنولوجيا؟ وكيف سمحنا أن نتوسع في تحقيق روابط أكبر على حساب اللمسة الشخصية والإنسانية؟ وكيف أصبح بعض شبابنا وشاباتنا مدمني إنترنت على مرأى من أعيننا؟ وسواءً كنا من رواد هذه التكنولوجيا أم من مستخدميها النهائيين، وسواءً كنا من الدول المتقدمة أم من العالم النامي، فإن اتصالاتنا وأشكال تفاعلنا الاجتماعي وأنماط حياتنا تأثرت بعامل مشترك وحيد، ألا وهو التكنولوجيا. فقد كانت منذ ظهورها ولا تزال عاملاً مساعداً في التقدم لا يُضاهيه أي عامل آخر. وهي تُهيمن اليوم على كل ناحية من مناحي حياتنا، وتمس كل فرد من أفراد مجتمعاتنا، وعلى رأسه نصف المجتمع: المرأة. فقد أعادت هذه التقنيات والوسائل التكنولوجية تعريف دور المرأة. في سبع جلسات وثلاثة أيام هي عمر مؤتمر هذه السنة، قالت نواعم عالم اليوم الذي يرفضن تسميته بـ»القرية الكونية» الكثير، وحققن من التواصل والوئام والخطط العملية ما عجز عنه بعض أشقائهن الرجال في أسابيع وشهور، وأثبتن بأنهن يمكنهن جعل قوتهن الناعمة تفوق قوة الرجال بطرق مختلفة، لكن بشكل عملي وخلاق. خُصص اليوم الأول للحديث عن محور «النساء كمبتكرات للتكنولوجيا»، والثاني عن «النساء كمستخدمات للتكنولوجيا»، بينما خصص اليوم الثالث والأخير لمناقشة موضوع «التكنولوجيا والروحانية». الإعلام الاجتماعي لا شك في أن وصول الإعلام الاجتماعي إلى شرائح واسعة من المجتمعات وانتشاره الكبير فيها غير جذرياً طريقة التواصل مع بعضنا بعضاً، وبدل الكثير من مفاهيمنا حول العالم الذي نعيش فيه. فنحن شهدنا ولا نزال كيف غير الإعلام الاجتماعي علاقاتنا الشخصية والتجارية واتجاهاتنا الاجتماعية، بل وكيف كان من بين أسباب ظهور ثورات جديدة من نوعها كثورة الياسمين، والحراك العربي الذي تشهده الشعوب العربية. وما نحتاج إليه أكثر هو استخدام الإعلام الاجتماعي بشكل مسؤول لإرساء أرض حقل رقمي ذات تربة خصبة وبذور آمنة تجعل علاقاتنا أكثر تناغُماً وإنتاجيةً. ومن أحق حقوق المرأة أن تحمي أمها الأرض والأجيال المستقبلية. فالتكنولوجيا هي نظام داعم للمجتمع. لكننا نحتاج إلى الاهتمام بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي للمكان أيضاً. فما زال لدينا موارد بشرية هائلة غير مستثمرة ولا يمكن تجاهلها، خصوصاً في البلدان النامية. فالتكنولوجيا لا يمكنها أن تحل محل اللمسة الإنسانية الحانية مهما بلغ تطورها. صحيح أنها تُساعدنا أكثر عند استخدامها في الرعاية الصحية والبيئة والتعليم، وغيرها من المجالات، لكنها تبقى وسائل مساعدة وداعمة فقط. والتقدم يحدث فقط حين وحيث يقبل الناس التكيف مع المتغيرات. وهذا لا يتسنى إلا عبر قيام كل مجتمع بعادة تقييم علمية لموروثه الحضاري والثقافي. ومن بين الفوائد العظمى التي جاءت بها التكنولوجيا الحديثة هي أنها ساعدتنا على التواصل بسهولة شديدة وبشكل جميل مع ماضينا. إذ يمكننا المقارنة والتعلم من الماضي بشكل إيجابي، والبناء عليه ومراكمة الجهود وعدم السقوط في فخ إعادة صنع العجلة المصنوعة مسبقاً. ولا ننسى أن مجالات كالرياضيات الحديثة وعلم التعدين والهندسة المعمارية بالخصوص تدين بالكثير لموروثاتنا الحضارية السابقة. إدارة العقل إن دائرة تأثير المرأة واسعة، فهي تُضفي على الحياة حباً وحناناً، وتبث فيها معاني الرعاية والتفاني والتضحية. وثروتنا في الحياة ليست هي التكنولوجيا فحسب، وإنما الصحة، وعلاقاتنا وقيمنا الإنسانية التي نعيش بها. ولعل أكثر أوجه التكنولوجيا كمالاً على الإطلاق هو العقل البشري. فهذا العقل المذهل يحتاج إلى إدارته عبر معين روحاني، ومن خلال إدراك أهمية تلبية حاجات هذا المعين. فالذكاء هو حسن إدارة العقل، مع إدارة أشياء أخرى والاستيعاب الجيد للأولويات. هذا المزج السوريالي بين التكنولوجيا بوصفها إحدى ذُرى الإنجازات العقلية للبشر والطبيعة الخام التي تمثل عمق الفطرة الآدمية بدا كما لو أنه ينطوي على رسالة بالغة الدقة رغب المؤتمر في توجيهها إلى من يعنيهم الأمر، وجميعنا كذلك، وهي تفصح في عمق دلالاتها عن إمكانية، بل وحتمية، التناغم بين العمق الروحي للكائن البشري والإبداعات التكنولوجيا التي أمكنه تحقيقها، ناهيك عن تلك التي تنتظره على منعطفات التحديات الكبرى. وهذا ما حرص مؤسس منظمة «فن الحياة» رافي شانكار على إبرازه في كلمته الموجهة إلى المؤتمر، إذ أشار إلى أن «روحانية البشر توازي التكنولوجيا الداخلية في أعماقهم، وقدرات الابتكار العقلية تزداد لدى المتأملين منهم في عمق وجوهر تلك الابتكارات بما يساعد على تحقيق الاستخدام الأمثل للمنجزات التي يحققها العقل البشري، وعلى تكريس التكامل المنشود بين التطور العلمي والرقي الأخلاقي والإنساني، ما يتيح الاستدلال أنه إذا كان العالم المعاصر، بتعقيداته متعددة الأسباب والأوجه، قد شهد حالةً من الفرز الحاد بين أصحاب العقول المتميزة في جهة، وحملة القلوب الكبيرة في جهة مقابلة، فإن السعي بات ضرورياً نحو البحث عن سلوك بشري يسعه التعبير عن العنصرين معاً، كما يمكنه امتلاك الجرأة على إلغاء التناقض الوهمي المزعوم بين العلم والأخلاق، وبين التكنولوجيا والروحانية». إضاءات منذ انطلاقه في عام 2005، يستثمر المؤتمر عائداته في دعم تعليم الفتيات ودعم برنامج التعليم المجاني الذي تتبناه منظمة «فن الحياة» من خلال إدارة 175 مدرسة تؤمن فرص التعليم لما يقارب 32500 طالب، ووضع لبنات 200 مدرسة في الريف الهندي خلال السنوات الخمس المقبلة. كما تُستثمر هذه العائدات في دعم النساء اللواتي يقطن المناطق الريفية لتأهيلهن للقيام بأدوار اجتماعية فاعلة في مجال التعليم خاصةً، بالإضافة إلى تخفيض نسبة البطالة في صفوف النساء الريفيات. هذا علاوةً على تقديم خدماتهن للمنكوبات والقائدات الشابات وبرامج توعوية وتأهيلية لنزيلات المؤسسات العقابية والقيام بحملات توعية للقضاء على ظاهرة إجهاض الأجنة الأنثوية، ودعم عائلات الأطفال المصابين بمرض الإيدز في زيمبابوي، وزرع عشرة آلاف شجرة في جزيرة بالي في إندونيسيا، ومحو الأمية في صفوف أعداد متزايدة من النساء الريفيات في مناطق مختلفة لبناء الصلة بينهن وبين التكنولوجيا، وتوفير التعليم المجاني على نطاق أوسع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©