الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بورما... ومأساة الحياد الأخلاقي في السياسة الخارجية

بورما... ومأساة الحياد الأخلاقي في السياسة الخارجية
11 أكتوبر 2007 01:33
في 25 من شهر سبتمبر الماضي، ألقى الرئيس بوش خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة متجنباً المواضيع المثيرة للجدل مثل العراق، والحرب على الإرهاب، مكتفياً بمناشدة دول العالم بالوفاء بالحريات التي نصت عليها الأمم المتحدة قبل ستة عقود· ودعا بوجه خاص إلى إيلاء الوضع في بورما اهتماماً خاصاً، معبراً عن غضب الأميركيين من ''حكم الخوف الذي دام 19 عاما'' ويمارسه نظام عسكري ديكتاتوري· وفي إشارته إلى مئات الآلاف من الأشخاص الشجعان الذين عبروا عن احتجاجهم في الشوارع طيلة الشهـــر الماضي ذكــــر بوش أن ''توق الشعب إلى الحريـــة لا تخطئه العين''· وأضاف أيضا أن ''الطبقة الحاكمة مازالت متمسكة بأسلوبها القمعي''، مستغلا الفرصة للإعلان عن ''سلسلة من الخطوات التي ستأتي بالتغيير السلمي إلى بورما'' تشمل تشديد العقوبات الاقتصادية على قادة النظام ومن يقدم لهم المساندة المالية، فضلا عن فرض حظر على منح التأشيرات لمنتهكي حقوق الإنسان· كما حث بوش ''الأمم المتحدة وجميع دول العالم على استخدام نفوذهم الاقتصادي والدبلوماسي لمساعدة الشعب البورمي على استعادة حريته''· وفي هذا الإطار أطلع مستشار الأمن القومي ''ستيفان هادلي'' صحيفة ''نيويورك تايمز'' أن بوش أراد من حكومة بورما أن ''تفهم بأن الوقت قد حان للانتقال السياسي''، وإرسال تحذير ضد قمع المتظاهرين· لكن في الليلة ذاتها من إلقاء الرئيس بوش لخطابه، وبرغم ما تضمنه من تحذير لحكام بورما، أعلن النظام الديكتاتوري فرض حظر تجول في المدن الرئيسية؛ وفي اليوم التالي بدأ القمع الوحشي، حيث قتل خلال الأيام القليلة من المظاهرات العشرات من المحتجين، كما تم اعتقال المئات، وربما الآلاف، من الرهبان البوذيين والنشطاء المدافعين عن الديمقراطية ولا يعلم لحد الآن عن مكان تواجدهم· بالطبع كانت الولايات المتحدة سباقة في التنديد بالقمع، وقامت بحشد باقي الدول للتعبير عن موقف مماثل يستنكر أعمال العنف والتنكيل التي أمر بها النظام ضد المواطنين العزل، لكن الدول المجاورة لبورما، والتي جعلت من الحياد الأخلاقي عقيدة لها في سياستها الخارجية، لم تحرك ساكناً إزاء ما يقع· فالهند الديمقراطية التي تجمعها ببورما علاقات اقتصادية وعسكرية أعربت فقط عن ''قلقها'' لما يجري، مضيفة أنها ''تراقب عن كثب الوضع'' في بورما· أما الصين التي تعتبر أكبر مساند اقتصادي لبورما وأكبر مزوديها بالسلاح، ففضلا عن وقوفها إلى جانب النظام العسكري من خلال عقد صفقات مربحة مع أركانه، فقد عطل سفيرها لدى مجلس الأمن قرارا يدين أعمال القمع والتنكيل التي يتعرض لها الشعب البورمي على أيدي قادته العسكريين· لكن، ألا يوجد شيء آخر يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة؟ هل يعني عدم تحرك الحكومات الأخرى تقاعسنا بدورنا عن الحركة؟ وماذا عن استخدام قوة الولايات المتحدة لمساعدة الشعب البورمي على مواجهة حكامه المستبدين؟ لقد فقد النظام البورمي ما تبقى له من مصداقية مع موجة القمع الأخيرة التي طالت المدنيين ورهباناً مسالمين ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بعودة الديمقراطية إلى بلادهم· ألا يمكننــا على الأقل تحذير الجنرالات والجنود البورميين، ودفعهم إلى التساؤل عن حكمة قمع خصومهم السياسيين؟ ألا يمكننا تسليط قدراتنا في جمع المعلومات الاستخباراتية على بورما لمراقبة وتوثيق، ثم نشر ما يجري على الساحة الداخلية؟ ألا يمكننا إطلاع الجنرالات الذين يصدرون الأوامر والجنود الذين ينفذونها بأنهم تحت المراقبـة، وبأن أسماءهم مسجلة، وبأنه سيأتي يوم إن آجلا، أم عاجلا سيحاسبون على ما يقومون به وسيتحملون مسؤولية أعمالهـــم؟ ألا يمكننا تجنيد قدراتنا العسكرية والاستخباراتية لممارسة المزيد من الضغوط على النظام؟ فكما قال السيناتور ''جوزيف ليبرمان'' في وقت سابق ''لقد حاول النظام العسكري عزل المتظاهرين العزل من التواصـــل مــــع العالم الخارجي من خلال الإنترنت، وشبكة الهواتف النقالة، وعلينــــا مـــن جانبنـــا أن ندرس كيف يمكن تعطيل قدرة النظـــام العسكـــري على التحكـــم في قواته وتوجيههــــا''· وفي هذا الإطار لمَ لا نفكر في توجيه ضربات عسكرية صريحــة، أو خفيـــة ضــد البنية التحية للنظام مثل مقراته العسكرية، وجهازه الاستخباراتي، فضلا عن القصور الباذخة لرموزه؟ ألن يكون لمثل هذه الضربات أثر رادع على النظام وقد تحدث تصدعاً في بنيانه؟ وفي خطابه أمام الأمم المتحدة استشهد الرئيس بوش بكلمات الرئيس لينكولن محذرا ''حكام الأنظمة الخارجة عن القانون''، مضيفاً أن ''الذين ينكرون على الآخرين الحرية لا يستحقونها بأنفسهم، وتحـــت قانـــون الرب العادل لن يحتفظوا بها لفترة طويلة''· ألا يمكن للرئيس بوش التحرك قليلا لتحقيق قانون الرب العادل على الأرض؟ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©