السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المَرَاسِم والتشريفات.. دستور التعامل وفنّ التعايش

المَرَاسِم والتشريفات.. دستور التعامل وفنّ التعايش
22 ابريل 2009 22:58
الحرص على التشريفات كما تصورها مقامات الحريري المَرَاسِم أو ما يُعْرَفُ في الماضي «التشريفات» مُصطلح قديم ما زالُ يُستعمل حتّى اليوم في بعض بلدان العالم. والمَرَاسِم ليست فقط، كما يتبادرُ إلى بعض الأذهان، مظاهر وجاهة وتراتب، وإنْ كانت لا تخلو منها. بل هي إخْرَاجٌ دقيق لإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، ولوضع الأشياء في مكانها، والأمورُ في نِصاَبِها. المَرَاسِم والمَرَاسيم هي صيغة مُنتهى الجموع للرسوم جمع رَسْمٍ، والمَرْسُوم جمعُ مَرَاسِيْم ومَراسِيْم هو المكتُوبُ ويُخصّص بما يكتبه الولاة. وأما معنى الرَسْمُ في العربيّة، فهو: الأثرُ أو بقيته، أو مال أشخصٌ له مِنَ الآثار ورسَم الشيء امتثلهُ عند صاحب دائرة معارف القرن العشرين. بينما نجد كلمة تشريفات جمعُ تشريف، مصدر شَرَّف يُشَرِّفُ تشريْفاً، وهو فعل مِن شرف، أي صارَ شريفاً، وتشرَّف الرّجُلُ أي نالَ شرَفاً، أما الشَرَفُ فهو العُلُّو والمجدُ أي علّه الحَسَب كما في المُنجد في اللغة والأعلام لأحمد فريد وجدي. جذور أرستقراطيّة والمَرَاسِم وإن نشأت من جذور أرستقراطيّة، فإنّها تراصفت مع الامتداد الديمقراطيّ، الذّي أسْبَغَ عليها الصِبْغَة الشعبيّة، ويقول د. حليم أبو عزالدين في مقدمة «كتاب المَرَاسِم» للسفير صلاح عبوشي بأنّها: «لونتها بالطابع التنظيميّ، حتّى باتت المَرَاسِم، في واقعها الحديث، مزيجاً مِن الأرستقراطيّة والشعبيّة، مزيجاً تغلّبت فيه الديمقراطيّة الحديثة على الأرستقراطيّة القديمة، فأخضعتها لها، ووجهّتها نحو أهدافها ومراميها». أما المَرَاسِم وهي دستور التعامل وفنّ التعايش فتُمثل عند عبوشي: «قواعد دَوْليّة وعادات وتقاليد، تنتظم بها الاحتفالات ذات الطابع الرسميّ أو الوطنيّ بالنسبة للملوك ورؤساء الدول والجمهوريّة وكذلك رؤساء مجالس الشيوخ والنوّاب والأمراء، والدبلوماسي بالنسبة لأعضاء السلك الدبلوماسي والمنظمات الدَوْليّة، والاجتماعيّة للمؤسسات والجمعيات والأفراد». دبلوماسيّة القرون الوسطى ولكن إذا ما نظرنا على حال القرون الوسطى والعهود القديمة فسنجدُ أنّ التاريخ الدبلوماسيّ لم يكُن معروفاً في الماضيّ، حيث كانت الحرب شبه دائمة بين المدن الإغريقيّة، والسفارات متواترة، ويقول في هذا الجانب لويس دوللو في التاريخ الدبلوماسيّ من أنّ: «النظام الرّومانيّ كان يَحُوْلُ دونَ أيّ تجمع وطنيّ ـ حتّى أن قرطاجنة نفسها قد هُدِّمَت ـ ولكنّه سجلّ بدايته منذ عقد مُعاهدة «فَرْدَان عام 843م» التي فصّلت نهائياً بين مصير كلٍّ مِن فرنسا وألمانيّا. ولكنّ الحياة الدَوْلِيّة في القرون الوسطى التي كانت خاضعة لقواعد نظام الفروسيّة المسيحيّة، كانت تُثيرُ القتال بين الإقطاعيين المُسلحينَ بمطالبهم وادعاءاتهم والمُحاطينَ باتباعهم، أكثر ممّا تُثيرَهُ بينَ الشعوب التي كانت تتمتع بسياسة خارجيّة ذات أهدافٍ وطنيّة». مراسم الفراعنة كانت المَراسم والتشريفات ـ الأناقة والاتيكيت والبروتوكول بالمفهوم الحديث ـ من السلوكيات التي عرفها القدماء المصريين منذ خمسة آلاف عام، فقد كشفت جدران معبد رمسيس الثاني بالصحراء الغربية في مصر عن مراسم عجيبة تتعلق بأسلوب التخاطب وطبيعة الأزياء وترتيب الضيوف عند التعامل بشكل دبلوماسي في حضرة الملوك. تلك الشهادة التاريخية جاءت من جامعة ليفربول البريطانية، وبالتحديد من قسم «علوم المصريات» الذي يترأسه عالم المصريات الإنجليزي الشهير «ستيفن» الذي كشف عن جانب معبد رمسيس الثاني بالصحراء الغربية بعد أن قدمت الباحثة د. شيرين المنشاوي بحثاً عن قراءة الجداريات أثبتت من خلاله أنّ المصري القديم كان أول مَن وضع قوانين البروتوكول والطقوس والمراسم في المناسبات ومراسم مقابلات المسؤولين في الدولة وأسلوب تحديد مواعيد الملك والتحدث في حضرته من الألف إلى الياء. وكان لفظ بروتوكول معروفاً في مصر القديمة ويرتبط بالزيارات الملكية، خاصة عند مقابلة الملك، وهناك خطوات تتبع قبل وخلال وبعد زيارة الملك. وعندما يلوح في الأفق زائر أو يطلب موعداً للمثول في حضرة الملك يتحرك جهاز خاص يطلق عليه حالياً «جهاز المراسم « لتحديد الموعد، حيث يركب الزائر أو الضيف العربة ذات الحصانين إلى بوابة القصر وينزل تاركاً العربة بالخارج ويدخل بوابة القصر على الأقدام حتى يصل إلى شباك الظهور وهو المقابل لقاعة الاستقبال الحالية بعدها يدخل مرحلة التطهر وتشير النصوص القديمة في مادتها إلى ضرورة اتباع الزائر في هذه المرحلة إلى مجموعة خطوات ونصائح من نوعية قبل الدخول لمواجهة الملك: اغسل نفسك صُب الماء حول إصبعك اخلع حذائك احلق رأسك ومعنى هذه الكلمات الاهتمام بالمظهر إلى أقصى درجة من حيث النظافة ونوعية الملابس. وعقب هذه المرحلة يستعد الضيف نفسياً للدخول إلى الملك ويدخل في مرحلة وقتيّة لتطبيق قواعد الأمن حيث يتلقى الوزير أو الضيف أو الزائر تعليمات من مدير المراسم الملكية أو رئيس الديوان ويطلق عليه «إن تف» والذي يلعب دوراً مهماً في إدارة وتنظيم المقابلات وترتيب الظهور أمام الملك طبقاً للسُّلم الوظيفي للضيوف مع تحديد إشارات تخاطب «لغة إشارة» بين مدير المراسم والضيف يتحدد على أساسها موعد بدء الكلام أو السكوت أو الإصغاء أو الانصراف وغيرها من السلوكيات. وفي النهاية يخرج حامل أختام الملك ليحصل على تقرير كامل بأنّ كل الإجراءات تمت وانّ الضيف الزائر اجتاز كلّ هذه الخطوات فتبدأ آخر مرحلة بدخول الضيف أو الوزير إلى قاعة العرش بعد إتمام الإجراءات البروتوكولية والأمنيّة، ويتحرّك الضيف بين صفّين من الحُرّاس حيث يشير الملك بالموافقة على استقبال الضيف الذي يركع أمام الملك المرتدي زيّ المناسبات وهو التاج الأزرق ويحمل عصاه «صَولجان الملك» والتي بإشارة منها تبدأ الزيارة وتنتهي وفي أعقاب الزيارة يقوم أحد الخدم بدهان الوزير أو الضيف بنوع معين من العطور ممّا يدل على أنّه كان في حضرة جلالة الملك. القلقشندي والمَرَاسِيم أشار أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشنديّ في «صُبح الأعشى في صناعة الإنشا» إلى الأوامر المكتوبة التي تصدر عن الملوك والخلفاء في تعيين الأمراء والحُكّام والقُضاة وغيرهم مِن عُمّال الدولة في عهد المماليك في مِصْرَ، حيث قال: «المراسيم جمعُ مرسوم آخذاً مِن قولهم: رسمتُ له كذا فارتسمه إذا امتثلته، أو في قولهم: رسمَ على كذا إذا كتبَ، ويُحتمل أن يكون منهما جميعاً وهي على ضربينِ. الضربُ الأوّل كما يقول هي: المراسيم المُكبرّة وهي على نط التقاليد- جمع تقليد وهي الأوامر التي تصدُرُ لتعيين نوّاب السلطان- وليس بينهما اختلاف إلاّ في أمرينِ أنّه لا يكتبُ شيء في المراسيم في قطع الثلثينِ بل في قطعِ النصف أو الثلث، أي ثُلُث الطُومَار، وهي الورقة الكاملة. والضرب الثاني عندهُ: أنّه لا يقل فيها تقاليد شريف بل مرسوم شريف ويفترقان مِن أربعة وجوهٍ: أحدها أنّه يقتصر في طُرّة المرسوم على ـ الأميريّ ـ دون الكبيريّ، بخلاف التقاليد فإنّه يُقال فيها الأميريّ والكبيريّ، والصنف الثالث عندهُ هو: أن يُقال في المرسوم ـ أن يستقر ـ ولا يُقال ـ أن يفوَض ـ ولا ـ أن يُقلّد ـ أما الثالث فإنّه لا يُقال ـ على أجمل العوائد وأتمّ القواعد ـ بل يُقال ـ على عادة مِن تقدمه وقاعدته-، والرابع أنّه لا يُقال في الصدر: أما بعدُ، بل وبعدُ. أماكن التشريفات حول استعمال كلمة تشريفات يشير د. خليل الزَركَانيّ في المراسم والتشريفات في تراث إلى أنّها قد استُعمِلَت في مِصْرَ في العهد المملوكيّ لا لتدلّ على المعنى بل استُعْمِلَت اسماً لنوع من الملابس يرتديه أرباب الوظائف مِن الأمراء والقادة وأرباب الأقلام وغيرهم مِن كبار الموظفين في الحفلات الرسميّة والمُناسبات الكبرى.. وأنّ أماكن التشريفات وما إّذا وَلِيَ أمير أو صاحب منصب وظيفة فإنّه يلبس تشريفاً مناسباً ولايتِهِ التي وليها على حسب ما تقتضيه المَرْتَبَة عُلُواً وهُبُوطاً ومنها عيدُ الفطر يخلع على جميع أرباب الوظائف مِنَ الأمراء وأرباب الأقلام وأمير السلاح والوزير وكاتب وناظر الخّاص وناظر الجيش ونحوهم. كذلك استُعملت كلمة التشريفات في الفترة الأخيرة للدولة العثمانيّة مقابل كلمة» بروتوكول»، وفي مَصْرَ قبل الثورة الأخيرة مُقابل كلمة «بروتوكول» وأُطْلِقَ على الموظف فيها كلمة «تشريفاتيّ»، ولم تُستعمل الكلمة بهذا المعنى قبل ذلك. ويُفَسَر هكذا لأنّ هذا الاستعمال الذي لا تقرّه لغتنا العربيّة الجميلة إذْ لا يجوزُ في اللغة جمعُ المصدر، ولا نعلم أنّ كلمة تشريف قد نُقِلَت مِن المصدريّة إلى الاسميّة ليجوزُ جمعُها! لبس العمائم لا يستغني عربيّ عن العمامة لأنّها كما قيل العمائم تيجان العرب. وقد أورد الأديب الجَاحِظ في مًصنفِّه البيان والتبيين وصفاً لأبي الأسود الدؤلي عن العمامة التي قال فيها إنّها: «جُنّةٌ في الحرب، ومِكنّةٌ مِن الحرِّ، ومَدْفَأةٌ مِن القرِّ، ووقارٌ في النّدِيَ، وواقيةٌ مِن الأحداث، وزيادة في القامة، وهي تُعَدُّ مِن عاداتِ العرب» كما أوردها الجَاحِظ في البيان والتبيين.. وكان مِن الرُسُومِ المُتّبَعَة عند دخول النّاس على الخلفاء وعلى الأمراء، وعلى السّادة والعظماء، أن يدخلوا مُعَمَمينَ. بينما يقول الباحث الراحل ميخائيل عوّاد في صفحاتٍ مُشرقة من حضارة بغداد في العصر العباسي إنّ نزع العمامة في مجلس الخليفة والأمير مُحرّم وغير مرغوب فيه، ويروي بأنّه قد قيل إنّ عيسى بن عبدالرّحمن كاتب طاهر بن الحسين، لمّا دخل مجلس الفضل بن سهل في بغداد، نزع قَلَنْسُوتَهُ وجعلها إلى جانبهِ، ثم فعلَ ذلك مِرَارَاً! رسوم دار الخلافة يُعَدّ كتاب رسوم دار الخلافة لمؤلفه أبي الحسين هلال بن المُحسِّن الصابئ الذي حققه المرحوم الباحث العراقيّ الراحل ميخائيل عوّاد من انفس الكتب والمُصنفّات التي كتبت في موضوع الرسوم في بغداد عاصمة الخلافة العربيّة الإسلاميّة في العصر العباسي حيث منشأ وحياة المؤلف. وقد قسّم الصابئ كتابه النفيس هذا إلى مجموعة موضوعات في الرسم بدأها بقوانين الحجابة ورُسُومها، ومِن الرسم أن يزمّ النَاس، فلا يسمع لهم صوتٌ ولا لغط، ولمسايرة الخلفاء في المواكب أدب، وجلوس الخلفاء، وما يلبسونه في المواكب، ويلبسه الدّاخلونَ عليهم من الخواصّ وجميع الطوائف، وخِلَعُ التقليد والولاية والتشريف والمُنادمة، وما يُخْدَم به الخليفة عند التقليد والتشريف بالتكنيّة واللقب، ورُسُوم المُكاتبات عن الخلفاء في صدورها وعنواناتها، والأدعيّة فيها، وما يُعَادُ منها في أواخرها، ورُسُوم الكتب عن الخلفاء، والدُعاء للمُكاتبينَ عن الخلفاء، وما كان الرسمُ أولاً جارياً بهِ، وانتهى أخيراً إليهِ، والانتساب إلى مولى أمير المؤمنين، وما يُذْكَر في أواخر الكتب مِن قولهم: وكَتَبَ فلانٌ بن فلان. كذلك تحدث أبو هلال الصابئ في رسوم دار الخلافة عن: الطُرُوس التي يُكْتبُ فيها إلى الخلفاء وعنهم، والخرائط التي تحمل الكتب صادرة وواردة فيها، والختوم التي تُوقَع عليها، والألقاب، والخطبة على المنابر، وضَرْب الطبل في أوقات الصلوات، وخُطُب النِكَاح، وختم الكتاب بفصل خدم به الخادم فيما قطَعَ عنده الكتاب». استقبال في بغداد ويحكي المؤلف ما جرى من رسوم حين ورد رسول لصاحب الروم المَلِك قسطنطين أيام الخليفة العباسيّ المقتدر بالله، حيثُ:» فُرشت الدّارُ بالفُروش الجميلة، وزُيِّنَت بالآلاتِ الجليلّة، ورُتِّب الحُجّاب وخلفاؤُهم، والحواشيّ على طبقاتهم على أبوابها، وفي دهاليزها وممرّاتها وصحُونِها ومجالسها، ووقفُ الجُنْدُ على اختلاف أجيالِهِم صَفَّْينِ بالثيابِ الحسنةِ، وتحتهُم الدوابُّ بالمَرَاكبِ الذهبِ والفِضّةِ وبين أيديهم الجنائِب ـ الخيل ـ على مثلِ هذهِ الصّورة، وقد أظهروا العُدَد والأسلحة الكثيرة، فكانوا أعلى باب الشماسيّة وإلى قريبٍ من دار الخلافة... ثم عرّفنا في «آداب الخدمة» أنّه إذا دخلَ الداخلُ إلى حضرة الخليفة، مِن أميرٍ أو وزيرٍ، أو ذي قَدْرٍ كبيرٍ، فلم يكُن مِن العادة القديمة أن يُقبِّلَ الأرض، لكنّه إذا دخلَ ورأى الخليفة، قال: السلامُ عليكَ أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، بكافِ المُخَاطَبِ، فإنّهُ أشْفَى وأبلَغ وأولَى وأوقع. قوانين الحِجَابَة ورُسُومِهَا بعدها يشير أبو هلال الصابئ في فصل «قوانين الحِجَابَة ورُسُومِهَا» إلى أن سبيل الحاجب يجب أن يكون:» نَصَفَاً، مُكتهِلاً، قد أحكمتهُ الأمور وحَنّكَتْهُ، أو شيخاً مُتماسِكاً قد عَجَمْتْهُ الدّهُور وعَرَكْتْهُ. ولهُ عقلٌ وحَزْمٌ يَدُلانِهِ على صَوَابِ ما يأتي وما يَذَر، فهو صَبْحَان ـ صبيحُ الوجهِ ـ لهُ مسالكُ ما يورد ويصدر، وأن يُرتِّب الحَواشي فيما يتولُونَهُ ترتيباً لا يجاوز بكلِّ منهم فيهِ حّدّهُ، ولا يُحَمِّلْهُ ما لا يُطيْقُهُ، ثُم يُراعيهم مُراعاة تدعُوهُم إلى التحّرُزِ في الأفعالِ والتحفّظِ في الأعمال، ومداومةِ الخِدْمةِ مِن غيرِ إخلال، ومُلازمةِ الحشمةِ مِن غيرِ استرسال. ثم ذكر عن آداب المُسايرة للخلفاء والكُبراء، حيث قال: ومن الآداب أن يكون التابعُ سائراً مِن تحت الرِّيْحِ ليكون الرئيس في أعلاها، فلا يتأذّى بالغُبار الذي يُثيرُهُ الحَافِرُ،... وأن يأخذ أيضاً الجانب الذّي يُقابل الشّمس، ليكون الخليفة والرئيسُ الذي يُسايرهُ مُستدبِراً لها، وأن يخرُج عليهِ في المُسايرة شيئاً فشيئاً، كما تراني أفعل، ليكون هُو المُلتفت إليهِ، ولا يُكلِفهُ الالتفاتُ، حتّى إّذا انقضى ما يُخاطب فيهِ، وأراد التباعد عنهُ، تقدّم وكانَ في أوائل موكِبِهِ متّى أحتاجَ إليهِ، استدعاهُ مِن أمامِهِ، ولم يتجشّم التوقّف على انتظارهِ. رُسُوم المُكاتبات عن الخلفاء أما فيما كان يجري في العصر العباسيّ من رُسُوم المُكاتبات عن الخلفاء في صدورها وعنواناتها، والأدعيّة فيها، وما يُعَادُ منها في أواخرها، فكتب الصابئ عن ذلك قائلاً: ومن رُسُوم الكتبِ عن الخلفاءِ وإليهم، أن تكون بأوْضَحِ خطٍّ، وأفْصَحِ لفظٍّ، وتكونُ السطور مِن أوّل القرطاسِ، ومِن غيرِ تفصيلٍ في أحد جانبيّ السطرِ، ويكونُ بينَ كلِّ سطرٍ وسطرٍ سِعَة... فأمّا العنوان، فالذّي جرتُ العادةُ بهِ فيهِ أن يُكتب في جانبهِ الأيمن بسم الله الرّحمن الرّحيم، لعبدالله عبدالله أبي جعفر الإمام القائم بأمر الله، أمير المؤمنين بغير دُعاءٍ ولا ذكر اسم أب وأنْ كان خليفة مُلَقّباً، لأنّ اللّقبَ بإمرة المؤمنين قد قامَ مقام النَسَب الذّي يُعْتَمدُ فيه التّعريف. ومِن الجانبِ الآخر: مِن عبدهِ، أو : عبدُهُ وصَنيعتُهُ. وعلى ما يختارُ المُكاتب فلانٌ بن فُلان، باسمِهِ واسمِ أبيهِ. وأنْ كان مُكَنّىً مِن حضرةِ الخليفةِ لم يذكُر عليهِ، أو مُلَقّباً مُكَنّىً، اقتصرَ اللّقبُ والاسمُ واسم الأبِ. وقالَ بعد ذلكَ: مولى أمير المؤمنين، إنْ كان من الأعاجم أو المَوالِي. ويكون جميع ما ذكرناهُ في سطرٍ واحدٍ. وقد كانت العنواناتِ العامّة قديماً مثل هذهِ الصّفة مِن تقديم اسم الكاتب وتأخير اسم المكتُوب إليهِ، إلاّ فيما كان إلى إمام، أو والد، على ما رُوِيّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مِن قولهِ: ّإذا كتبَ أحدكم، فليبدأ بنفسِهِ، إلاّ إلى والدٍ أو إمام. وكتب الصحابي زيد بن ثابت إلى مُعاوية بن أبي سُفيان، فبدأ باسم مُعاوية اتبّاعاً لهذهِ الوَصَاة والطريقة. نُقوش الخَواتيم... لكن كيف كان الكُتّاب يكتبون رسائلهم، وعلى أيةِ طُرُوسٍ في رسوم دار الخلافة منها، ذلكم ما حدثنا عنها أبو هلال الصابئ في باب: الطُرُوس التي يُكْتبُ فيها إلى الخلفاء وعنهم، والخرائط التي تحمل الكتب صادرة وواردة فيها، والختوم التي تُوقَع عليها، أن يقول: الذي جرت به العادةُ القديمة في الكُتب السلطانيّة، أن تكون في القراطيس المِصْرِيّةِ العريضةِ. فلما انقطعَ حِمْلُها. وتعذّرَ وجودها، عُدِلَ إلى الكاغد العريض. هذا في كُتب العهود والولاياتِ، وما يُكتبُ بهِ إلى أصحابِ الأطرافِ ويكتبونَهُ. ويقول عن نقوش الخَواتيم ما نصّه: وأمّا نُقوش الخَواتيم، فختمُ الخلافةِ خاتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونقشُه محمّد رسول الله في ثلاثة أسطُرٍ، وما سوى ذلك فعلى حسبِ الاختيار. وكان خاتم أبي بكر رحمه الله الخاصّ به «نِعْمَ القادِرُ الله»، وعلى خاتم عمر بن الخطاب رحمه الله «كفَى بالموتِ واعظاً»، وعلى خاتم عثمان بن عفّان»آمن عثمان بالله العظيم»، وعلى خاتم علي بن أبي طالب «الله المَلِكُ، عليٌّّّّّّّّّّّّّّّّّّ عبدُهُ». الطَبْل لأوقات الصلوات ونختم حديثنا عن المراسِم بذكر ضربِ الطَبْل في أوقات الصلوات عند الصابئ في رسوم دار الخلافة، إذ يقول عنها: لم تجرِّ العادة قديماً بأن يُضرب الطَبْلُ للصلواتِ بالحضرةِ لغيرِ الخليفةِ، وإنّما أُطْلِقَ لوُلاةِ العُهودِ وأمراء الجيوش، أن يُضْرَب لهُم في أوقاتِ الصلوات الثلاث التي هي الغداة والعشاءانِ، إذا كانُوا في سفرٍ أو بُعْدٍ عن حضرةِ السلطانِ، ثم كانَ الضرْب بالطبول لا بالدُنْبُلَةِ- طبل صغير يسمى في العراق اليوم بالدُنْبُك -فلمّا مَلَك مُعِز الدّولة تَشوّفت نفسه إلى الضربِ على بابهِ بمدينة السلام- بغداد- وكان نازلاً في دارِ مُؤنس المجاورة لدار الخلافة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©