السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنصت··· خطر حقيقي

التنصت··· خطر حقيقي
29 مارس 2008 00:49
بينما تحتدم المعركة حول إصلاح ''قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية'' (فيسا) ويشتد وطيسها، يحذر المدافعون عن الحقوق المدنية من أن التشريع الذي يسعى إليه البيت الأبيض يمكن أن يُستخدم للتجسس على ''الأميركيين العاديين''، في حين يرد آخرون، مثل السيناتور الجمهوري ''ورين هاتش'' بالقول: إن أولئك الذين لديهم ''خوف غير عقلاني من الحكومة'' هم فقط من يعتقدون أن ''محللي أجهزة الاستخبارات في بلدنا مهتمون بمراقبة الأميركيين الأبرياء أكثر من الإرهابيين الأجانب الموجودين في الخارج''، بيد أن التركيز على خصوصية الأميركي العادي بهذه الطريقة إنما يحجب في الواقع التهديدَ الأكبر الذي يطرحه التنصت بدون إذن قضائي بالنسبة لمجتمع ديمقراطي، إذ بدون إشراف حقيقي، يستطيع الرؤساء ووكالات الاستخبارات استغلال صلاحية المراقبة الممنوحة لهم -مثلما فعلوا عدة مرات- للتجسس على الأعداء السياسيين والمنشقين· مُرر قانون ''فيسا'' الأصلي في 1978 بعد أن كشف تحقيق للكونجرس، ترأســـه السيناتـــور الديمقراطي ''فرانـــك تشورتـــش'' عـن أن محللــي الاستخبـــارات -والرؤســــاء الذين يخدمونهـــم- قامـــوا على مـــدى عقـــود بالتجســـس علـى رسائـــل ومكالمـــات رؤســـاء النقابات، وزعماء الحقوق المدنية، والصحفيين والنشطاء المناهضين للحرب، وأعضاء اللوبيــــات، وأعضــــــاء الكونجرس، وقضاة المحكمة العليا - بل وحتى ''إلينور روزفيلت'' والقـــــس ''مارتن لوثر كينج''، وأتت لجنة ''تشورتش'' بوثائق تفيد بأن المعلومات المتحصل عليهـا كانــت في أحيـــان كثيرة ''تُجمـــــع وتنشـر من أجــل خدمة المصالح السياسيـــة لوكالــة مـــن وكـــــالات الاستخبــــارات أو الإدارة، والتأثـيـــــر علــى السياســة الاجتماعيـــة والعمــل السياســـي''· والواقع أن الاستغلال السياسي للمراقبة الإلكترونية يعود تاريخيا إلى فضيحة ''تيبوت دوم'' على الأقل، والتي عصفت بإدارة ''وارن هاردينج'' في بداية عشرينيات القرن الماضي، فعندما اتُّهم وزير العدل ''هاري دوارتي'' بالتستر على أعضاء فاسدين في الحكومة، قام صديقه مدير مكتب التحقيقـــات الفدرالي ''ويليام بُرنز'' بملاحقة السيناتور ''بُرتون ويلَر'' وهو سياسي تقدمي من ولاية ''مونتانــــا'' وكــــان واحدا ممن تزعموا التحقيق في الفضيحة، حيث تنصت عملاء ''إف· بي· آي·'' على هاتفه، وقرأوا رسائله، وفتشوا مكتبه، قبل أن يدان ''ويلر'' لاحقا من قبل هيئــــة المحلفين الكبــــار في مونتانــا بتهـــم ملفقـــة، وبالرغم من تبرئـــة ساحته في النهاية، إلا أن ''إف· بي· آي·'' أصبحت خلال السنوات اللاحقة أكثر مهارة وحذقا في استغلال المعلومات الخصوصية من أجل ابتزاز أو تدمير بعض الشخصيات العامة، وكما يمكن لحاكم نيويـــورك ''إيليوت سبيتزر'' أن يشهــد بذلك، فإن التنصت مرة واحدة هو كل ما يتطلبه الأمر لتدمير مشوار سياسي· في الجدل الدائر حول قانون ''فيسا''، يعارض مسؤولو إدارة ''بوش'' أي قوانين ضد ''الاستهداف العكسي'' للأميركيين في مكالمات هاتفية مع غير المواطنين، وإن كانوا يقولون إنهم لن يفعلوا ذلك أبدا، بيد أن ''ليندون جونسون'' وجد هذا التكتيك مفيدا عندما أراد معرفة الوعود التي قد يكون المرشح الرئاسي وقتها ''ريتشارد نيكسون'' قدمها لحلفائنا في فيتنام الجنوبية عبر أمينة سره ''آنا تشينو''· كان مسؤولو ''إف· بي· آي·'' قلقين لأن التنصت مباشرة على ''تشينو'' سيضع المكتب في ''موقف محرج لا يمكن الدفاع عنه'' فقاموا بتسجيل مكالماتها مع مخاطبيها الفيتناميين· معروف أيضا أن ''جونسون'' استمع إلى تسجيلات لأحاديث واتصالات شخصية ''لكينج'' مع نساء مختلفات، غير أن ما يعرفه القليلون فقط هو أنه كان يتلقى تقارير حول عمليات التنصت على مؤتمرات ''كينج'' الاستراتيجية مع زعماء آخرين للحقوق المدنية، على أمل استعمال هذه المعلومات لعرقلة جهودهم الرامية لمشاركة عدد من مندوبي ميسيسيبي في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي لـ،1964 بل إن ''جونسون'' كان يشتكي من أن قراءة تلك التقارير كانت تتطلب منه ''ساعات كل ليلة''· صحيح ربما أنه ليست للمواطنين العاديين غير المنخرطين في النشاط السياسي أسباب قوية للخوف من أن يصبحوا عرضة للتجسس، وذلك في وقت لا يضطر فيه معظم الأميركيين للإشارة إلى حرية التعبير المنصوص عليها ضمن التعديل الأول للدستور، إلا أننا نعتقد أن التعديل الأول يخدم دورا ثنائيا، فهو يحمي حق المرء في أن يقول ما يجول في ذهنه، إلا أنه يخدم وظيفة بنيوية أكثر أهمية من ذلك على اعتبار أنه يضمن نقاشا مفتوحا وصريحا حول القضايا التي تعد مهمة بالنسبة للجمهور، قد لا تبالي بتلك الوظيفة الأولى إذا كنت لا تنوي قول أي شيء مثير للجدل، غير أن أي شخص يعيش في بلد ديمقراطي، ويخضع لقوانينه ويتأثر بسياساته، ينبغي أن يكترث للوظيفة الثانية· يجادل المتخصص في الشؤون القانونية بجامعة هارفارد ''ويليام ستانتز'' بأن محرري الدستور كانـــوا ينظرون إلى التعديل الرابع باعتبـــاره آلية لحمايـــة الانشقاق السياسي، فقد كان خدام التاج في انجلترا قد داهموا منـــازل محرري منشورات تنتقـــد الملك، وهو أمر كان محررو الدستور الأوائل مصممين وحريصين على ألا يسمح به النظام الأميركي· في ضوء ما تقدم، يبدو وضع الجدل الحالي حول قانون ''فيسا'' في إطار ''الأمن مقابل الخصوصية'' ناقصا وغير مكتمل، فقد تكون مكالماتك الهاتفية وبريدك الإلكتروني غير ذي أهمية كبيرة بالنسبـــة للمتجسسين في ''وكالة الاستخبارات المركزية'' و''وكالة الأمن القومي''، غير أنه إذا كنت تعتـــقدُ أن فرعا تنفيذيا لا يخضع لمراقبة المحاكم لن يحوِّل صلاحيات المراقبـــة باسم ''الأمن القومي'' لخدمة أغراض سياسية، فإن ذلك يشكل سابقة· جوليان سانشيز كاتب أميركي متخصص في الخصوصية والمراقبة ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©