الإثنين 6 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إصابات الحروب

7 أكتوبر 2007 01:54
في التاسع عشر من مايو 2006 فجرت بأحد شوارع بغداد سيارة مفخخة تحمل 500 رطل من المتفجرات، بينما كانت تقترب الدورية الأميركية التي يصورها طاقم تلفزيون ''سي·بي·إس'' الذي كنت جزءا منه· قتل الانفجار اثنين من زملائي، المصور والمسؤول عن الصوت، وضابطا ومترجما، وتسببت الشظايا المتطايرة من الانفجار، في جرح ستة جنود، بالإضافة إلى إصابتي البليغة· لم أعِ وقتها، أن نوع الإصابة التي لحقت بي في الذراعين والساقين لم تكن نادرة بين الجنود، حيث يعاني حوالي أربعة من كل خمسة جرحى أميركيين في العراق وأفغانستان بما يسمى ''بإصابات الحرب البليغة''· وقد ساعد التدخل السريع للأطباء في الميدان، مصحوباً بإجلاء الجرحى سريعا إلى المستشفيات، فضلا عن التطور في علم الجراحة، الحفاظ على حياة عدد أكبر منهم في العراق يفوق أي نزاع آخر خاضته الولايات المتحدة· لكن في الوقت الذي تعتبر فيه هذه التطورات إنجازاً حقيقياً، فإنها تعني أيضا أن العديد من الجرحى يعيشون طويلا لتظهر لديهم مجموعة من الأعراض الجانية النادرة؛ ومع الأسف لم تتوفر للأطباء الموارد المطلوبة لاكتشاف أفضل الطرق لمعالجتها، ولا حتى الموارد التي تمكنهم من تتبع حالات الآلاف من الجرحى ومعرفة العلاج الأمثل لحالات مشابهة، والواقع أن توفر هذه المعلومات قد يكون حاسماً في الحكم على الجريح بالموت أو الحياة أو حتى الاختيار بين حياة الإعاقة والاقتصار على مشاكل محدودة· هكذا وخلال الأيام والشهور التي تلت العمليات الجراحية التي خضعت لها بمستشفيات بغداد، كنت أشاهد الأطباء وهم يتناقشون حول ما إذا كان من الأفضل بتر ساقي اليمنى، وكيفية القضاء على العدوى المقاومة للأدوية التي يصاب بها الجرحى في العراق وأفغانستان، فضلا عن كيفية معالجة الحالات الغريبة لتشوه العظام· لقد هشم الانفجار عظام فخذيَ، واحترقت الأنسجة حول الورك ممتدة إلى الكاحل، كما انغرست الشظايا في الساقين، وتعرضت إلى نزف شديد بعد تمزق شريان الساق، وتوقف قلبي عن الخفقان مرتين في غرفة العمليات ببغداد؛ وبعد مرور يومين على الانفجار تفحمت ساقي اليمنى تماما، وبدأت الأنسجة بالموت· في ألمانيا -حيث نقلت بعد 48 ساعة من الإصابة-، قرر الأطباء ألا يبتروا ساقي، والانتظار لبعض الأيام علَّ الأمور تتحسن· يذكر أنه في كل مرة يقامر فيها الجراحون بعدم البتر -بتخمين شخصي- ويكسبون الرهان، يتعلمون أكثر عن الأنسجة الحية والأخرى الميؤوس منها، لذا فإن الاحتفاظ بقاعدة بيانات للمئات من قرارات البتر ونتائجها سيساعد الأطباء على اكتشاف أنماط مميزة للخصائص الدالة على ضرورة بتر العضو، أو الإبقاء عليه· بعد بضعة أسابيع قضيتها في المركز الطبي، وقيام الجراحين بنزع الأنسجة الميتة في الجزء الأعلى من ساقي اليمنى أُصبت بعدوى بكتيرية تكاثرت إلى مستويات خطيرة، المشكلة أن المضاد الحيوي الوحيد الفعال بنسبة 90% قد يكون ساماً بالنسبة للكلى، فامتنعت عن أخذ العقار على أمل أن يتغلب جسمي على البكتيريا· أثناء عملية النقاهة من البكتيريا، واجهت مشكلة مألوفة في حالات الإصابات القصوى الناتجة عن الانفجارات؛ فقد تطور لدي نوع من التشوهات التي تصيب العظام المكسورة بعد التئامها، حيث تتناسل أجزاء من العظام لتتحول إلى ما يشبه غابة مرجانية تنبت في مكان الكسر وتتجه نحو العضلات، والطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا التشوه هو الانتظار حتى تتوقف عن النمو ثم فتح العضلات وإزالة الجزء الإضافي من العظم، ولتكثيف البحوث العلمية حول هذه المشاكل، وغيرها التي يواجهها الجرحى، وافق كل من الكونجرس ووزارة الدفاع على برنامج تقدم به مركز ''بروك'' للطب العسكري لتمويل أبحاث يقوم بها المركز؛ ورغم ذلك يتعين بذل المزيد من الجهد لتسهيل عمل الأطباء وإنقاذ المزيد من أرواح الجرحى الأميركيين· مراسلة تلفزيون ''سي·بي·إس'' الأميركي في الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©