الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دهن عود خروج من المكمن المعتم والبعيد

دهن عود خروج من المكمن المعتم والبعيد
28 مارس 2008 01:30
قدّمت فرقة مسرح الشارقة في اليوم الختامي لأيام الشارقة المسرحية عرضها المسرحي بعنوان ''دهن عود'' من توقيع المخرج محمد العامري وتأليف أحمد بورحيمة، وتمثيل الفنان سيف الغانم في دور الزوج، والفنانة أشجان في دور الزوجة، وبمشاركة الفنان ميرزا المازم ''عازف البيانو''، والفنان محمد علي، والفنانة هبة في الأداء الحركي والتعبيري المواكب لأجواء العرض· وكعادته، قدّم العامري للمتفرجين قبل دخولهم في أجواء العرض كراساً مبتكراً، عبارة عن قماشة بيضاء طبعت عليها أسماء المشاركين وكلمتي المؤلف والمخرج، ويستعير العامري جزءاً من حوارات العرض ويقول في الكراس: أعترف اني أحبك، أعترف اني كرهتك، يتيم الوقت أنا من بعدك، وأخيط من عروقي كفن حبك· أما المؤلف أحمد بورحيمة فيسرد قصيدة طويلة تعبر عن روح العرض وشروحه النفسية ومنها المقطع التالي: انهزم ليل المعنّا مع تباشير الصباح/ ناهب فرحة سنينه، تارك دمعة ذروف·· كل رمش في عيونه ظلّل ضلوعي وراح / من نعس بالجفن ريته سابح وسط الطيوف· من هذا المدخل الشعرى الحافل بالرؤى والأخيلة، يتنبأ المشاهد منذ البداية بأن هناك تنافساً بين شعرية النص وشعرية الإخراج، وأن التعبير السينوغرافي المعروض أمام المتفرج قبل احتكاكه النفسي والبصري مع العرض، هو تمهيد آخر لحفلة طاعنة بالأسرار والبوح الخفي والمسكوت عنه، حيث رأينا عمق الفضاء الداخلي للمسرح وهو يخرج من مكمنه المعتم والبعيد، ليتشعب ويمتد إلى داخل الصالة من خلال خشبة أو منصة تتعايش مع الحضور، وتؤسس لمدخل بصري قوي وجامح لا يمكن الفكاك من أسره أو إهمال تفاصيله· ويكتشف المشاهد أن المختبر المسرحي الذي يعايشه العامري بكل حواسه وطرائقه، هو مختبر مفتوح على التجريب والحداثة، حتى لو كانت لغة الحوار شعبية حتى العظم، وأن اقتراحات العامري المسرحية ما زالت تشهد فورة من التنويع والإبدال والمشاكسة والإغواء، وهو مسلك مطرز بالجرأة والاقتحام وزلزلة الخطاب المسرحي السائد والمكرر· يتحدث عرض ''دهن عود'' عن الجفاء الذي يطرأ على الحياة الزوجية نتيجة ملابسات تفرضها الحياة، وتعسف وتدمر لحظات العشق الصافية من ميراث الوقت وتكاليفه المرهقة· وبمصاحبة حية لموسيقى صادرة من خلفية الستارة الفاصلة بين المنصة والقماش الشفاف خلفها، نستمع لنغمات البيانو وهي تنهمر على لحظات الصمت التي تفصل بين حوارات الزوجين على سرير أبيض يأخذ شكله الرمزي المتسع مثل التأويل ومثل فضاءات الحياة والموت، والعشق والخيانة، والمعانقة والطعنة، والشبق والبرود، يمثل سيف الغانم دور الزوج الذي يستعيد روح زوجته الغائبة، ويهيم في حوارات قديمة وراهنة تكشف عن شخصية الزوجة العطشى للمس والرعاية التي تشمل الروح والجسد معاً، ومن خلال رقص تعبيري مصاحب تتشكل لوحات خلفية معبرة تقول بالجسد ما لا يقوله الكلام، فيتحول الراقصان على خلفية حوارات الزوجين إلى مرايا عاكسة للحالة الداخلية، ويتحولان إلى ضوء ينير الرغبات العميقة المجّرحة بالخجل والكتمان، والتي تنهض في اللاوعي والحلم وتتحول إلى ملامسة دامية وعناق شائك ومدوّخ· يفقد الزوج زوجته ولكنه يستعيدها بكامل الندم والتأوهات، وبكل رغبة منسية ومهملة، ويستعيد رائحة دهن العود الذي هو عطر الجسد كي يطيل أمد الحضور والوله المجسد، وكي تفور في قلبه كل اللواعج والذاكرات· تتحدث الزوجة بخطاب شعري مروع وشفاف في آن، ويتحدث الزوج بخطاب واقعي ويومي، ولكنهما في النهاية يلتحمان بوجد مفتقد يبعث اللحظات المسروقة من الوقت والمشاغل ويتيهان في حالة ضبابية من الشك واليقين، والألم والهيام، والتواصل والبتر· عرض ''دهن عود'' يحتاج لعودة وقراءات متشعبة لا يسع المجال لسردها، وهو عموماً عرض كسر تابوهات كثيرة في المسرح المحلي، ويعتبر نقلة نوعية في مسيرو هذا المسرح من ناحية الجرأة الكبيرة التي تمتع بها، ومن ناحية التعبير الإخراجي الذي تخلص من قوقعة الرتابة والتكرار وذهب بقوة ورشاقة وتمكن باتجاه الشكل الاحترافي الحرّ والملوّن بالاقتراحات واستغلال لغة الجسد والإيحاءات ا''لإيروتيكية'' من خلال نضال جمالي وداخلي يصدّره محمد العامري في مشروعه الفني، فيحدث بذلك نوعاً من الصدمة الجليلة التي نحتاجها اليوم والآن كي نقول إن مسرح الإمارات هو مسرح بشارات وزهو بالقادم المفرح على أكثر من شكل وصعيد· ·· و ميادير تودع الأيام بكثير من الحب فاديا دلا الشارقة- قدمت جمعية الشارقة للفنون الشعبية والمسرح، فرقة المسرح الحديث العرض المسرحي الأخير بعنوان ''ميادير'' في سباق تنافس العروض المسرحية خلال أيام الشارقة المسرحية في دورتها الثامنة عشرة والتي انطلقت في السابع عشر من الشهر الجاري، وجاء نص المسرحية من تأليف الكاتب المسرحي إسماعيل عبد الله وهو مستوحى عن قصة قصيرة من تأليف الكاتب القصصي ناصر جبران وإخراج احمد الأنصاري، وسبق لكل منهما أن قام بتقديم تجربة أخرى في فعاليات الأيام قبل الآن، ولكن يبدو أن هذا العمل هو الأكثر تأثيرا لدى الناس، حيث لاقي تصفيقا حارا من الجمهور وكثيرا من الحب· العرض كوميديا مسرحية سوداء جمع خمس شخصيات في قارب كبير ليلا وجعل لكل واحد منهم القصة التي ستجعل من صاحبها عازفا منفردا ولكن بلحن غريب وهجين، وسيجعل من المتهمين قضاة وجلادين، وهنا لن تطول المحاكمة وسيصبح بالإمكان تنفيذ الأحكام فورا، لا سيما وأن صفات إنسان العصر الحديث فيها الكثير من الفساد وانعدام الأخلاق في ظل هيمنة المال· ربما كان هذا القارب الجديد الذي شاهدنا فيه عملية انتحار جماعية في وسط البحر، شبيها بقارب نوح الذي جمع فيه اثنين من كل أزواج الحياة بهدف الحفاظ على الأجناس والنوعيات، وهنا تلخصت الحياة بهؤلاء النماذج التي طالعناها في هذا العرض، ولكنها نماذج سوداوية فبدلا من أن ينقذوا الحياة، تراهم ينهزمون ويتركون للبحر أن يقول كلمته بحقهم وترى البحر أيضا قد شدهم إليه بمياديره· المخرج احمد الأنصاري قدم حلا إخراجيا موفقا بتحريك السفينة وسط المسرح حركات متناغمة مع أرضية بيضاء غطيت بقماش ابيض وعندما كانت تنتفخ بالهواء كان يظهر منظر الأمواج التي تقل السفينة مع مؤثرات صوتية تضيف للجو العام إيحاء بأن ما يحدث حقيقي ولم نفكر للحظة أن ما يحدث غير حقيقي، وحينما كان يهم الفنان حسن رجب برمي نفسه في البحر كان البعض يشهق خوفا عليه··! وهذه لعبة ذكية من الأنصاري الذي حقق حضورا فاعلا جدا في عرضه هذا· الأنصاري كان فضاؤه محدودا وواسعا في آن معا وكانت مهمته كمخرج تنصب في جعل هذا المكان بإضاءة واحدة والسفينة ستتحرك بإيقاعات متناغمة مع تموج البحر، وسطح المركب هو مكان الحدث بلا ديكورات وقليل من الإكسسوارات، حيث كان الممثل هو من تحمل العبء الأكبر في هذا العمل· العمل فيه طاقات إبداعية هامة من قبل الممثلين، ولكن ميزتهم أنهم جميعا مخرجون، وبعضهم مخرج من الطراز الأول في الإمارات، منهم حسن رجب الذي يغيب مؤديا مهامه كمخرج في الأيام ولكن لا يستطيع المرء إلا أن يحترمه ويحترم موهبته وأداءه كممثل وهو يحقق انجازات طيبة في هذا السياق، أما مرعي الحليان فتراه أيضا زميلا صحفيا ومخرجا وممثلا وكاتبا تتعدد مهامه وتتعدد مواهبه ويظل الممثل حاضرا بين كل تلك التوصيفات التي يتميز بها، وإبراهيم سالم يقدم تنوعا أدائيا بين الأعمال التي قدمها وهو يقدم شخصية رجل الدين الذي تتنازعه الأهواء، أهواء الحياة الدنيا والآخرة فيكون حريصا على تنفيذ تعاليم الدين لآثام كثيرة ارتكبها في حياته، ومحمد إسماعيل وموسى البقيشي اثنان ينضمان في هذه الرحلة القصيرة التي ودعت أيام الشارقة بكثير من الحب· وثمة ما يلفت النظر في كراس العمل أن الجميع قدم كلمة مقتضبة تشير إلى شخصيته بالعمل ولكن المخرج وحده لم يقدم أي كلمة واكتفى على ما يبدو بأن يكون كلامه حاضرا عمليا على أرض المسرح·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©