الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلاح المراسل التلفزيوني الكفاءة والفكرة

سلاح المراسل التلفزيوني الكفاءة والفكرة
16 فبراير 2014 22:34
أبوظبي (الاتحاد) - المشهد التلفزيوني العربي يحتاج إلى الكثير من العلم والعمل. صحيح أن ثمة نجاحات كثيرة تحققت في السنوات الأخيرة، لدرجة جعلت بعض المحطات تنتقل إلى موقع الصدارة على المستوى العالمي، وتصبح «بكل معنى الكلمة» مصدر معلومات ومحتويات لوسائل إعلام أجنبية، لكن الصحيح أيضاً حدوث نوع من المركزية الكثيفة أحياناً بحيث تستقطب ثلاث أو أربع محطات عربية كل الأنظار والانتباه، فيما تبدو الباقيات هزيلات باهتات نسبياً، وغير قادرات على أي شكل من أشكال المنافسة. يؤدي ضعف المنافسة بين القنوات العربية إلى خلل كبير في المؤسسات التلفزيونية بشكل ينعكس ليس فقط على أحادية التغطية مع الوقت، ولكن على أوضاع العاملين أيضاً، مهنياً واقتصادياً ونفسياً. ومن أجل ذلك يتوجب على هذه المحطات والمعنيين بالتطوير والتدريب السعي دائماً لمزيد من التأهيل، ورفع القدرات، وتعزيز بيئة الابتكار. عوامل أساسية تلعب الكثير من العوامل دورها بهذا المجال، مثل القدرة التكنولوجية والانتشار التسويقي والشبكات المساندة وتجهيزات الأستوديو والبث والدقة العالية. إلا أن لأهلية وبراعة المراسلين التلفزيونيين دورا حاسما أحياناً كثيرة، خاصة في ظل الأفواج المتتالية من الخريجين، الذين يأملون التخصص كمراسلين تلفزيونيين. طبعاً هناك بعض المصاعب غير الموضوعية التي تقف في طريق حلمهم، مثل الوساطة أو الإحباط أو قلة التدريب، ولكن الصحيح أن من أبرز العوائق التي تحول دون وصولهم إلى الفرص التي يشتهون هو عدم إدراكهم، إلا متأخرين، أن النجاح في هذا الدرب يتطلب صقل بعض المواهب الأساسية، التي من دونها يستحيل عليهم النجاح مهما كانوا متفوقين بدراستهم في الجامعة أوالمعهد. ويعتبر الكثير من المعنيين أن من أبرز المؤهلات المطلوبة لهذا النجاح طلاقة اللسان والجرأة في القول والعمل، والثقة بالنفس وأناقة المظهر وخفة الظل أو الحركة، والإلقاء الجيد والمناسب لكل موضوع على حدة. ويزيد بعض آخر على ذلك مواصفات أخرى، منها ضرورة أن يتمتع المراسل بحضور مميز ويعرف كيفية التعامل مع التقارير، وكيفية اختيار المكان المناسب للتصوير والشخصيات المناسبة كمصادر للحديث أو للمقابلة أو الاستضافة. وينطلق البعض من تشبيه التلفزيون بعرس دائم تمهيداً لدعوة المهتمين بمهنة المراسلين التلفزيونيين للبحث عن الجديد دائماً، من حيث الفكرة والموضوع –أو جزء من الموضوع على الأقل- ومعرفة كيفية إنتاج تقرير مصور (أو تحويل مضمونه إلى صور، بحيث تكون الصورة هي المسيطرة بينما يكون النص هو المكمل). كما يجب تخيل الأجزاء التي يمكن للناس تذكّرها من هذا التقرير في محاولة مسبقة لتقييم أهمية التقرير قبل بدء إنتاجه. وإذا كان مطلوباً دائماً التفكير بالتقرير قبل مباشرة تنفيذه، فإن المفترض كذلك التفكير بابتكار هذا التقرير بحيث لا يشبه ولا يقلد أي تقرير سابق، ومن هنا ضرورة إعمال الخيال إلى جانب الكتابة، إضافة إلى الترتيب المنطقي للأشياء أو أجزاء التقرير (المونتاج). وفي الاتجاه نفسه تنبع أهمية تنويع اللقطات وتعددها بين داخلية وميدانية، وتجنب لقطات الكاميرا الطويلة، أو قراءة نص لمدة طويلة على لقطة واحدة غير منوعة العناصر. وفي حالة التقارير التلفزيونية عن المؤتمرات والاجتماعات التي تكثر في التلفزيونات العربية الوطنية، بات من الملح أن يكثر المراسلون فيها لقطات الشارع والأرشيف، وتجنب التكرار الذي أصبح مملاً، والذي يتم فيه تصوير قاعة المؤتمرات وحديث مقتضب مع أحد المشاركين فيه، وغالبا ما يكون النص مقتضبا وبروتوكوليا من دون أي إضافة لا على الموضوع ولا على المشهد التلفزيوني. توصيف وخبرة صدر للدكتور عبدالله السعافين كتاب عن دار الشروق في القاهرة بعنوان «كيف تصبح مراسلا تلفزيونيا»، وقد خصصه كله للحديث عن كل جوانب عمل المراسل التلفزيوني، مستعينا على ذلك بعلمه وخبرته الطويلة حيث إنه صاحب خبرة طويلة في العمل الإذاعي والتلفزيوني بدأت بشبكة «بي بي سي» البريطانية، ومن ثم الجزيرة فقناة أبوظبي ثم القدس ومحطات أخرى، وعمل في دول عديدة كمراسل تلفزيوني ومذيع ومقدم برامج. ويصف السعافين التقرير التلفزيوني بأنه «خبر مفصّل يروي بالصور التي يرتّب سياقها ويربط بينها الصحفي معد التقرير، ويشتمل على رأيه، فيما يدور بطريقة موضوعية، ولا يزيد على ثلاث دقائق كحد أقصى»، مؤكداً أنه على صحفي التلفزيون الخروج إلى الميادين، وأنه لا يصح أن يتحدث أمام الكاميرا فارشاً سجادات من الكلام على صور قديمة من الأرشيف. وإذ يربط تراكم النوع بالنتائج التي ستحصدها المحطة بالنهاية، يشير السعافين إلى أن بث مادة متلفزة «ذات نوعية عالية من الناحيتين الفنية والموضوعية، وكذلك استخدام تقنية متقدمة في عملية البث والتقديم والإخراج والمونتاج والديكور والإضاءة والجرافيك، هي من الأمور التي تجذب الجمهور وتزيد من أعداد المشاهدين، وهو الذي يعني تمتعك بالصدقية، الأمر الذي يترجم بدوره إلى تبرعات مالية وقدرة كبيرة على التأثير في الرأي العام، والسلوك العام، وهو ما يعني في النهاية القدرة والقوة في تغير المجتمع إلى الأفضل». وصحيح أن السعافين يتحدث عن أن بعض من وصلوا إلى الشاشة في منطقتنا العربية لم يصلوها بسبب ما يعرفون من فنون ومهارات، ولكن بسبب من يعرفون من المسؤولين والوساطات، مؤكداً أن «قلة من المراسلين العرب هي التي تتمكن من تقديم صحافة تلفزيونية بالمعنى الحقيقي». لكن الصحيح أيضاً أن المحطات والقنوات العربية لا يمكن أن تعتمد كلياً على المراسلين الذين يجري تعيينهم بالوساطة، فلا بد في النهاية من أن يسير شؤون هذه المحطة أو تلك بعض من ذوي الخبرات الفعلية، ولهذا فإن هناك دوماً مكاناً، أو لنقل حصة لأصحاب الكفاءة أو الاجتهاد، وإن كانت حصة معمدة بالتعب والعمل الدؤوب، ولاسيما في العمل التلفزيوني الميداني، الذي «يعد من أكثر مجالات العمل الصحفي تعقيدا وخطورة من الناحيتين التحريرية والجسدية»، بل إن السعافين يلفت إلى أن العمل في التلفزيون يبدو على السطح جذاباً ومغرياً، ولكن «من عمل في التلفزيون ربما يقول إن العكس هو الصحيح». باختصار، إن الساعين والمهتمين فعلاً بالعمل كمراسلين تلفزيونيين، من دون وساطات، يجب أن يكونوا مستعدين لتقديم التضحيات والجهود، وإلا لن يبلغوا النجاح الذي يحلمون به.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©