الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليْليّات

ليْليّات
8 مارس 2017 22:23
يضم كتاب (Kilito en questions. Entretiens) مجموعة من الحوارات التي أجرتها أمينة عاشور مع عبد الفتاح كليطو. ونشر الكتاب السنة الماضية بمنشورات (لاكروازي دي شومان) في الرباط. وستظهر ترجمته العربية عما قريب في دار توبقال في الدار البيضاء. هنا ترجمة جزء من الفصل الثالث من هذا الكتاب. * لديكم تعلق كبير بالحكايات، ما رأيكم في حكايات گريم (Grimm) وپـيرو (Perrault)؟ ** ما أكثر القساوة في هذه الحكايات! التخلي عن الأبناء، الغِيلان والمشعوذات، بتر الأعضاء، أكل لحوم البشر... * ماذا يمكن أن يعتبر مقابلاً له في الثقافة العربية؟ ** كتاب ألف ليلة وليلة. * كتبتم فيما يخصه: «نقرأه ونحن أطفال، ثم ونحن مراهقون، ثم كبار، نتأثر به عميق الأثر، ولا ننفك نعود إليه». ** كان مستبعداً من مقررات التعليمين المدرسي والجامعي. ولم يُولَ له الاهتمام إلا سنوات الثمانينات حيث ظهرت في فرنسا عناية متزايدة بالحكايات التي تؤلفه. ينصرف ذهني أساسا إلى أعمال أندري ميكيل وجمال الدين بن الشيخ وكلود برِيمُون. وأنا بدوري خضت غِمار هذه الحركة، وتعلمت الكثير ممن تقدموني. في أعمالي وجدت تشجيعا من طرف رُوثْ گروريشار، ولُوسيت ?النسي وكانت تشرف وقتها على سلسلة في منشورات (لاديكو?يرت) التي نشر ضمنها كتاب العين والإبرة. * نلحظ عندكم عناية دائمة بـ «الليالي». ** لأنه كتاب لا يدوم على حال، إنه في صيرورة متواصلة. فكل مرة يكون هو نفسه وشيئا آخر، كل تجلٍّ من تجلياته لا يقرُّ له قرار، فهويقيم بَين- بَين، بين ماضي النص ومستقبله. الحمل الثقيل * على عكس باقي كتبكم، فإن العين والإبرة لا يبدأ بنص استهلالي. ** هو مهدى لوالديّ. لا أعلم لماذا أصررتُ على ذكرهما في هذا الكتاب بالضبط. * ربما لأنك تذكر فيه قصة عالمٍ عَمل، قبل وفاته، على إغراق كتبه حينما كان ينتظر مولد طفل. لماذا قام بذلك في هذا الوقت بالضبط؟ ** يظل هذا الأمر لغزا. ربما لأنه لم يكن يريد أن يزعج ابنه بكتبه. ربما كان يود أن يجنبه أن يغدو بدوره حمّالا. * كيف يمكنه أن يعرف أنه ولد وليست بنتا؟ ** ليس منطق الحكاية هو منطق مشفى الولادة، لا يُتوقع مولد البنت في الليالي. * يموت مدة قصيرة قبل ميلاد ابنه ولا يُخلِّف له شيئا، اللهم إلا خمس وريقات كُلِّفت أمه بأن تسلمها إياه فيما بعد. لم يضع كل شيء إذن. ما تسلمه لا بد وأن تكون له أهمية عظمى، لعلها عصارة معارف الأب؟ ** نعم ولا. لا يكتشف الابن في الوريقات أي شيء يضاف إلى ما اكتشفه بنفسه. * هل يعني ذلك نوعاً من الاستقلال عن الأب؟ ** نوعا ما. إلا أن هناك وريقات تشكل تركة ثقافية، ووصية روحية. عندما اختُزِل في خمس وريقات، غدا الأب هو ما تبقّى... إذا ما رجعنا من جديد إلى السندباد البحري، نلاحظ أنه بعد وفاة والده، فإنه بذّر ميراثه. وحين كاد أن يفلس، أخذ يجمع بدوره ما تبقّى كي يقوم برحلته الأولى، ويراكم ثروته. * إلا أن الوريقات لم تكن ذات نفع كبير، ما دامت لم تعلم الإبن أي شيء. ** بمحتواها، أكيد أنها لن تنفع الشاب في شيء، لكن بوجودها، فهي نافعة لكونها تمثل الأب، وتحافظ على آصرة الرباط معه. هذا فضلا عن كون الأمر تحديا للقارئ الذي لا بد وأن يتساءل عن قصة هذه الخمس وريقات التي نجت من الغرق. * في هذه التركة، فإن الأم، بتسليمها الوريقات للإبن، تشكل صلة الوصل بينه وبين الأب. هذا في حين أن أم سندباد لا ذكر لها إذا لم تخني ذاكرتي؟ ** ينبغي فحص هذه المسألة. يشكل سندباد واحدا من الشخوص الذين لا أم لهم، مثلما أن آخرين لا أب لهم. الكتابة والشفاهية * العين والإبرة، هذا عنوان أقل ما يقال عنه إنه عنوان غامض. لكنه يحيل على عبارة نجدها في الليالي على لسان بعض شخوصها: «حكايتك حكاية عجيبة، لو كُتبت بالإبَر على مآقي البصر لكانت عبرة لمن اعتبر». ** الحديث عن الإبرة، يحيل إلى النسج والطَّرْزْ. نعلم أن للنسج علاقة بالكتابة. وها نحن ندرك أن للقراءة والكتابة علاقة بالعمى. لفهم قصة ينبغي فقد البصر، أو، بتعبير آخر، ينبغي للمرء أن يكون صاحب بصيرة خارقة، مثل تيريزياس، الكفيف العرَّاف. أو مثل المعري، الشاعر الذي فقد بصره في سن الرابعة، والذي يؤكد أنه صاحب علم بالباطن. * تتحدث عن الكتابة والكتب، في حين أن السرد في الليالي يتم شفويا. ** ومع ذلك فقد يحدث أن ينتهي كتابة. يحصل ذلك عندما يكون المستمع ملكا: إذا أعجب بالقصة التي سمعها، يأمر بكتابتها، وهكذا ترتبط الكتابة أشد الارتباط بالـمَلَكية، والكتاب يظهر كما لو كان حكرا على الأمير. عند الليلة الواحدة بعد الألف، وعندما أنهت شهرزاد سردها، أمر شهريار كتّابه بان يسجلوا حكاياته كتابة. * أعود من جديد لذلك الخطر الذي يرتبط بـ الليالي: لماذا ينبغي عند قراءتها أن يصيبنا العمى؟ ** لا يحدث هذا إلا لمن يعرفها أحسن المعرفة. بهذا المعنى، فرغم أن بورخيس يولي اهتماما أكبر لتاريخ الكتاب ومصيره أكثر مما يوليه لمحتواه، فإنه أحقّ قُرَّاء الليالي. * في حديثك عن الليالي أتيت على القول «إن للكتابة علاقة وطيدة بالمَلكية»، وهذا بالضبط ما تدرسه في «العرب وفن السرد». يظهر أن للكلام علاقة وطيدة بالسلطة. ** أدرس في ذلك الكتاب دور المثقف، في العصر الكلاسيكي، هذا المثقف الذي يمكن أن يتخذ صورة الفيلسوف (بيدبا في كليلة ودمنة)، أوالعالم- الفقيه (الحسن اليوسي في رسائله)، وأيضا صورة راوية حكايات (شهرزاد). * لكن، من أين لشهرزاد بكل هذه القصص؟ ** يظل الأمر مبهما. تبدأ سردها بـ «بلغني». لا مكان لاختراع الحكايات في الليالي، نبحث عنها، ونستعيدها، فننقلها. إنها موجودة، لكن لا أحد يهتم بمؤلفها. وعلى العكس من ذلك فإن الاهتمام يولَى لمن يعرفها، والذي يحفظها وينقلها. * لا أحد يخترع القصص في الليالي، كما تذهب إلى القول، ماعدا كافورا، العبد الصغير الذي ابتلي بـ «عَيب»: أن يكذب مرة في السنة. فهو إذن يبتدع حكايات. ** مثل أبي زيد في مقامات الحريري. لكن كافورا لا يدّعي أنه من أهل الآداب. * ما هي الدوافع التي تدفعه إلى أن يكذب إذن؟ ولماذا الرغبة في الكذب وفق تتابع زمني قار؟ ** تظهر هذه الرغبة عنده في فصل الربيع، في شهر أبريل. يتعلق الأمر بشعيرة قديمة كانت معروفة عند الرومان الذين كانت السنة تبدأ عندهم بهذا الشهر. ها أنت ترين أن لسمكة أبريل ذكرا في الليالي. المثقف والسلطة * لـ «الليالي» رؤية إيجابية للمرأة: فليست شهرزاد مثقفة فحسب، بل إنها تمتلك سلطة الكلام. وهي تنقل حكمتها للملك. ** تمتلك شهرزاد ألف كتاب. وهي تضع معرفتها في خدمة الآخرين، وتنقذ الفتيات من «مخالب الملك». تقوم بمهمتها الإنقاذية محررة الملك من وساوسه، هو عدو الجنس البشري. * لنقل بلغة اليوم إنها امرأة ملتزمة. لكن، من علمها القراءة؟ ** لا ذكر لذلك. ولك كامل الحرية في أن تتخيلي ماذا كان صباها وكيف كانت مراهقتها. لا أحدَ، على ما أعلم، تجرأ على ذلك. * كيف يتصرف المثقف إزاء السلطة، وكيف يتم أخذ الكلمة؟ ** لا يتم ذلك من غير مخاطرة. في الماضي، كانت هناك طرق مختلفة في متناول المثقف، أكثرها ذيوعا انتظار طلب الأمير، الذي كانت الاستجابة إليه تتخذ صورة حكاية شفوية أو شكل كتاب. وغالبا ما كان الطلب أمرا وهميا، مجرد ذريعة. كما يمكن لتلك الاستجابة أن تتخذ صورة جواب عن أسئلة معينة. وكمثل على ذلك، نذكر أن اليوسي في القرن السابع عشر الميلادي، كتب رسالته الكبرى إلى المولى إسماعيل، كي يبرر هجره للبلاط. وفي ثنايا هذا الشرح، يخوض في صياغة آرائه حول مختلف النقاط المتعلقة بممارسة السلطة. * إلى أي حد كان المثقف يعبر عن نفسه بكل حرية؟ ** حرية التعبير مفهوم حديث العهد، وهو يعود لعصر الأنوار. وفيما قبل لم تكن المطالبة بها مما يجري به العمل. لكي يسمح المثقفون لآرائهم بالانتشار، كانوا مرغمين لأن يخضعوا لبعض الإكراهات، وينتهجوا أساليب للقول... من غير قول. * تود الإشارة إلى أنهم كانوا يوجهون كتاباتهم إلى نوعين من القراء، قارئ عادي وقارئ نبيه. الأول لا يرى إلا المعنى الظاهر، أما الثاني فيقرأ بين السطور، ويكشف عن فكر المؤلف في عمقه، ذلك الفكر الذي قد يكون في بعض الأحيان على طرفي نقيض مما هو مكتوب صراحة. ** لقد فحص الفيلسوف لِيو شتراوس هذا النوع من القراءة في الاضطهاد وفن الكتابة. لا حاجة إلى التأكيد على أن هذه الظاهرة ما زالت موجودة في عالمنا العربي إلى اليوم. ولا أحدَ من الكتاب بمنجى منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©