السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النصيحة

1 أكتوبر 2007 22:37
النصيحة حق من حقوق الله التي أوجبها على عباده، وهي أصل من أصول الدين بل هى الدين كله؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: ''الدين النصيحة''، فلمن تكون النصيحة؟ لنستمع إلى الإجابة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ''·· لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم''· فهذا الحديث له شأن عظيم، فهو ينص على أن عماد الدين وقوامه بالنصيحة، فبوجودها يبقى الدين قائماً في الأمة، وبعدمها يدخل النقص على الأمة في جميع شئون حياتها· وقال ابن رجب فى تعليقه على هذا الحديث: ''إن من النصيحة لله الإيمان بكتابه وتدبر آياته والدعاء إليه وذب تحريف المغالين وطعن الملحدين عنه، ومن النصيحة لرسوله إحياء سنته واستشعار علومها ونشرها، ومن النصيحة لأِئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به وتنبيههم فى رفق ولطف، ومن النصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرهم على أعدائهم والذب عنهم''· خمسة أنواع وقد كان منهج أنبياء الله ورسله مع أممهم مبنياً على النصح لهم والشفقة عليهم، قال نوح عليه السلام مخاطباً قومه: (أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) (الأعراف: 62)· وقال صالح لقومه: (يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) (الأعراف: 79)، وقال هود: (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) (الأعراف: 68)· والنصيحة كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له، وأنواعها خمسة وهي التي ذكرت في الحديث: الأول: النصيحة لله: وتكون بالاعتراف بوحدانيته وتفرده بصفات الكمال ونعوت الجلال، والقيام بعبوديته ظاهراً وباطناً، والإنابة إليه كل وقت مع التوبة والاستغفار الدائم؛ لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من الواجبات والتجرؤ على بعض المحرمات وبالتوبة والاستغفار ينجبر النقص ويُسَدُّ الخلل· الثاني: النصيحة لكتاب الله، وتكون بحفظه وتدبره، وتعلم ألفاظه ومعانيه والاجتهاد في العمل به في نفسه وتعليمه غيره· الثالث: النصيحة للرسول -صلى الله عليه وسلم: وتكون بالإيمان به ومحبته، وتقديمه على النفس والمال والولد، واتباعه في كل أمور الدين، وتقديم قوله على كل قول، والاهتداء بهديه، ونصر دينه وسنته· الرابع: النصيحة لأئمة المسلمين وهم الولاة والأمراء والقضاة وجميع من لهم ولاية عامة أو خاصة، وتكون هذه النصيحة باعتقاد ولايتهم، والسمع والطاعة لهم، وحث الناس على ذلك، وبذل ما يستطاع في إرشادهم للقيام بواجبهم وما ينفعهم وينفع الناس· الخامس: النصيحة لعامة المسلمين، وتكون بمحبة الخير لهم كما يحب المرء لنفسه، وكراهية الشر لهم كما يكره لنفسه· ·· وثلاثة شروط وللنصيحة ثلاثة شروط: أولها: الإخلاص لله تعالى في النصيحة؛ لأنه أساس قبول الأعمال، ولأن النصيحة من حق المؤمن على المؤمن، فوجب فيها التجرد عن الهوى والميول والأغراض الشخصية والنوايا السيئة التي قد تحبط العمل، وتورث الشحناء والبغضاء وتؤدي الى فساد ذات البين· وثانيها: الرفق في النصح، وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفاً وتوبيخاً لا يقبل، ومن حرم الرفق فقد حرم الخير كله، كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام· وثالثها : الحِلْم بعد النصح، لأن الناصح قد يواجه من يتجرأ عليه أو يرد نصيحته، فعليه أن يتحلى بالحلم، ومن مقتضيات الحلم: الستر والحياء وعدم البذاءة، وترك الفحش· وإن من الحكمة والبصيرة في النصيحة معرفة أقدار الناس وإنزالهم منازلهم، والترفق مع أهل الفضل والسابقة، وتخير وقت النصح المناسب، وتخير أسلوب النصح البعيد عن الانفعالات والتوترات، وانتقاء الكلم الطيب والوجه البشوش والصدر الرحب، لما له من أثر في النفس وأدعى للقبول وأعظم للأجر عند الله· فهذه هي حدود النصيحة التى وصى بها رسول الله، ولقد قال علي -رضي الله عنه: ''المؤمنون نصحة والمنافقون غششة''، وقال الفضيل: ''المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير''· فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر النصيحة بهذه الأمور الخمسة، التي تشمل القيام بحقوق الله، وحقوق كتابه، وحقوق رسوله، وحقوق جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم، فشمل ذلك الدين كله، ولم يبق منه شيء إلا دخل في هذا الكلام· اقبلها بصدر رحب ومن أقوال الشافعي -رحمه الله: من نصح أخاه فى الجهر فقد عابه وشانه، ومن نصحه فى السر فقد أكرمه وزانه· وقال بعض الصالحين: خذ عني قولي ولا يضرك فعلي، عسى أن ينفعك قولي ولا يضرك فعلي· ويجب على الانسان أن يتقبل النصيحة بصدر رحب ولا ينظر لمن يقدم له النصيحة على أنه أقل منه مالاً أو جاهاً أوسلطاناً بقدر أخذ ما فيها، وليحذر الانسان من التكبر على النصيحة ويضع نصب أعينه قوله تعالى: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبس المهاد) (البقرة: 206)· ونختم بهذه الأبيات في النصيحة للإمام الشافعي -رحمه الله: تعمدنى بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعــه وإن خالفتني وعصيت قـــولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©