الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتدال بين الطمأنينة والقلق

الاعتدال بين الطمأنينة والقلق
29 سبتمبر 2007 22:50
يحدث، من دون تجاهل ومن دون اهتمام حقيقي لدي، أن ينتقل مسلم من مذهب إلى مذهب، أو ينتقل مسلم من دين إلى دين آخر، أو مسيحي يصبح مسلماً، ولطالما قدم لي أشخاص من قبل أصدقاء من السنة والشيعة أو المسيحيين والمسلمين بالقول: ''فلان·· ثم يتابع الصديق همساً أو جهراً: شيعي كان سنياً، أو سني كان شيعياً، أو مسيحي كان مسلماً أو مسلم كان مسيحياً·· وهناك عائلات بحالها انتقلت من مكان إلى مكان في انتمائها، ومع ذلك لا تجد إلا من يذكرك بأصلها في بدء الكلام عنها·· في الانتقالات الحزبية، من حزب إلى حزب· هذه الحالة التعريفية موجودة، ولكنها قليلاً ما تكون في بداية الكلام، وفي الأكثر تكون في النهاية، إلا في الحالات التي يُراد منها التنديد بفلان الذي انتقل من حزب إلى حزب على موجب المكاسب التي جناها من انتقاله· هذه ليست مشكلتي ولا مشكلة أمثالي ولن تكون·· مشكلتنا نحن أهل الاعتدال، أننا لا نرى سبيلاً إلى توكيد اعتدالنا وصدقنا في هذا الاعتدال واختيارنا له نهجاً وسلوكاً نهائياً، لأسباب عميقة في الدين والوطنية والإنسانية، لا نرى سبيلاً إلى ذلك إلا أن نتجنب أو نحرص على عدم تقديم أنفسنا للآخرين المختلفين متنصّلين من انتمائنا الديني أو المذهبي، باحثين عن المساحات المشتركة في المعرفة والسلوك لنوسعها باستمرار ونتحاور ونتكامل· ولنطمئن أكثر إلى سلامة خيارنا وسلوكنا نذهب إلى أهلنا الأقربين في الانتماء، نختبر رضاهم عن مسلكنا، وقليلاً ما نجد لديهم رفضاً أو تحفظاً، ونكتشف أن كل الحروب التي خيضت باسمهم كانت مزورة وعلى حسابهم لا لحسابهم، ونذهب بناء على ذلك بعيداً، فنمارس نقداً علنياً وعلمياً لمتحداتنا الدينية والطائفية والمذهبية ننطلق منه إلى الحق الذي نعتبر أننا اكتسبناه في نقد المتحدات الأخرى، طلباً للتعارف والتثاقف على أساس ضبط الاختلاف بالنقد المخلص والبناء·· ونذهب بعيداً أكثر فنشرع في التعرف إلى الآخر كما هو، كما يصلي في الجامع أو الكنيسة، كما يصوم ويخاف ويرجو، ونغوص في تفاصيل المعرفة المتبادلة·· ثم نشارك في حدود المشاركة على أساس المشترك أي من دون نفاق·· كأن يسبل الشيعي يديه في صلاة الجماعة في جامع سني ولا يتكتف ولا يقول آمين بعد قراءة الفاتحة من قبل إمام الجماعة·· ولا يسبل السني في الجامع الشيعي أو يسكت عن قول آمين وأن يبسط المسيحي يديه في مجلس الفاتحة بدعاء للمتوفى (صلاة) على طريقته من دون جهر بالفاتحة التي يحفظها كثيرون وكانت الأكثرية في الماضي تحفظها وتحفظ كثيراً من القرآن·· وأن يقول المسلم جهراً أو إخفاتاً: السلام على سيدنا يسوع المسيح عندما يصلب رفيقه أو جليسه المسيحي في طقس من الطقوس·· أما إذا وجدنا مجالاً للتماثل في حركة يقوم بها البعض وتتحول عنده إلى تقليد ولا يقوم بها البعض الآخر، من دون عقبة شرعية·· فإننا نسعى إلى التماثل علناً·· مثلاً يبسط السني يديه فاتحاً كفيه أثناء قراء الفاتحة وفي ختامها يمسح بيديه على وجهه·· أما الشيعي فإنه يبسط كفيه فقط أو لا يبسطهما أثناء قراءة الفاتحة·· ويوماً تحادثنا في الموضوع مع الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين فاستحسن أن يتماثل السلوك الشيعي مع السلوك السني لما في التماثل من عوامل الإيلاف والمودة، مع عدم المانع الشرعي· وقد رأى وقتها أن هذه الحركة ربما كانت مبنية على مرويات مضمونها أن أثر الفاتحة أو الدعاء يبقى شيء منه أو من بركاته في الكفين فيمسح بهما الوجه للتبرك·· وهذا وجه شرعي مقبول إلى كونه سلوكاً محموداً· وهكذا أصبح هذا التقليد أو هو في طريقه لأن يصبح عاماً بين المسلمين وربما دخل فيه المسيحيون·· كما يبدو بعض الأحيان·· تترتب على مجمل هذه المشكلات والإشكالات التي نعانيها ونحلها باستمرار، مشكلة لا حل لها لدينا·· ففي كثير من المناسبات السياسية والفكرية يصدمنا التظهير الفاقع والفج أحياناً للبعد الديني أو المذهبي في واقع أهل الاعتدال للبناء عليه·· وماذا يبنى عليه؟ يُبنى الشك والاستبعاد والريبة·· ما يستفزّك ويجعلك تفكر بأن كرامتك ربما كانت محصورة بتشبثك بخصوصياتك والبقاء خلفها كحاجز إذا ما اخترقته فإن الآخرين أو بعض الآخرين لا يخترقونه، بل يخرقون اعتدالك بعصبيتهم·· أبداً·· إننا لا نجد كرامتنا إلا في اعتدالنا· نحن على صواب في هذا ولا نحتمل الخطأ والآخرون مخطئون ولا نحتمل صوابهم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©