الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهاجرون الأوائل·· خرافة كوميدية أم مأساة متناسلة؟

المهاجرون الأوائل·· خرافة كوميدية أم مأساة متناسلة؟
27 مارس 2008 02:58
ويروي الفيلم الذي استمد المخرج موضوعه من الحياة التي عاشها مع والده وإخوته قصة سليمان الذي قضى 35 عاما من حياته عاملاً في شركة متخصصة في صيانة السفن والمراكب البحرية بإحدى المدن الفرنسية، ويبدو البطل في الشريط رجلاً في الستين من عمره يمر بمرحلة صعبة في حياته بعد طرده من عمله وطلاقه مما ولد لديه الإحساس بالفشل، فإن وضعه لم يثنه عن التمسك بالأمل والعزيمة وعدم الركون الى اليأس والاستسلام الى الواقع، فقرر بمساعدة عائلته فتح مطعم على متن سفينة قديمة يقدم فيه الاكلة التونسية الشهيرة ''الكسكسي بسمك البوري'' وسمك البوري معروف في تونس بأنه قادر على الإفلات من شباك الصيادين، وفي ذلك رمز لما يحمله بطل الشريط من عزيمة لتجاوز المصاعب الكأداء التي اعترضته لإنجاز مشروعه· أما الرمز الآخر فيتمثل في أن البطل يريد أن ينجح دون أن يتنكر لجذوره· ولكن سليمان يواجه بالشك والريبة لدى البنوك والادارة للحصول على قرض وعلى التراخيص الإدارية الضرورية لفتح المطعم، وقد تعمد المخرج إبراز العديد من المشاهد التي تصور معاناة المهاجر العربي في فرنسا وفي ذلك ادانة لما يلاقيه المهاجرون من عراقيل· كما ينقل الفيلم بصدق الأحاديث التي تدور داخل الأسرة عن مصاعب الحياة ومغامرات ابن سليمان العاطفية وخيانته وعن نصيحة الجميع للرجل العجوز بضرورة العودة الى الوطن، وقصة الفيلم هي خرافة اجتماعية ظاهرها كوميدي، وقد استعمل المخرج اسلوبين للتواصل مع المتفرج: الضحك وجلسات الأكل حول المائدة وحتى الفن من خلال الموسيقى والرقص· تحطيم الصورة النمطية والمشاهد المعروضة في الشريط أشبه ما تكون بالفيلم التسجيلي لحقيقة موجودة، ولكن المخرج يقدمها بشكل فيه الكثير من السخرية وبأسلوب سلس ومؤثر مما يثير التعاطف مع سليمان الذي يحس المتفرج لصدق أدائه بأنه قريب منه وكأنه أحد أفراد أسرته وهذا سر نجاح هذا الفيلم، فالأداء تلقائي وكأنّ الشريط قطعة من الحياة· والفيلم يريد أن يقدم صورة مختلفة عن الصورة النمطية التي عادة ما يقدمها الإعلام الفرنسي عن العائلات المهاجرة، والمخرج من خلال الحوار والأحداث أراد أن يحطم برفق الصورة النمطية للعربي المهاجر في فرنسا، ولأن الضواحي اصبحت موضوع الساعة فالشريط يقدم وجها آخر عن الحياة بها مختلفا عن صور السيارات المحروقة والمحلات المنهوبة والتصادم بين الشباب والشرطة، فهدف الفيلم هو تغيير النظرة السطحية الظالمة المليئة بالاحكام المسبقة والمحتقرة للعرب المهاجرين· ويقول المخرج في هذا السياق: ''أردت أن أحث المهاجرين على التعاون والتضامن حتى يقبل المجتمع الفرنسي به''· والحقيقة أن الفيلم يصور فئة ندر أن ظهرت في السينما الفرنسية وهم المهاجرون من الجيل الاول، وأراد المخرج ان يكرم جيل الآباء الذي ينتمي اليه والده الذي توفي منذ سنوات قليلة في بلاد المهجر، كما أراد أن يظهر للمهاجرين من جيل والده مدى الحب الكبير الذي يكنه لهم· أنشودة للأمل ورغم طول الفيلم الذي يستمر عرضه ساعتين ونصف الساعة إلا أن المتفرج لا يشعر بالملل لتتالي المشاهد الحية المعبرة بلغة سينمائية جذابة ومغرية عن الحياة اليومية لعائلة مهاجرة بكل تفاصيلها الحلوة حينا والمرة احيانا· والقصة التي يعالجها الشريط بشكل هزلي بعيدا عن المباشرتية المملة هي قضية التشغيل والبطالة لدى المهاجرين التونسيين والعرب، وقد حصل الفيلم على ثلاث جوائز في مهرجان البندقية من بينها الجائزة الخاصة للتحكيم وجائزة أحسن اكتشاف لممثلة شابة هي حفصية، كما فاز ايضا بأوسكار احسن فيلم فرنسي لعام 2007 واللجنة التي منحته هذه الجائزة الهامة تتكون من عشرين شخصية مشهود لها في عالم السينما يرأسها رئيس مهرجان ''كان'' السينمائي جيل جاكوب، وقد أجمع النقاد الفرنسيون والعرب على أن الفيلم هو حدث وانه فيلم شعبي بالمعنى النبيل فهو أنشودة للأمل وليس سوداويا رغم المواقف والحالات الصعبة· نكهة الحياة وقد تجلت براعة المخرج في إبراز الحياة اليومية لهذه العائلة المهاجرة بكل تفاصيلها طيلة ساعتين ونصف الساعة دون أن يمل المشاهد من المشاهدة، ومن خلال الحوار التلقائي الطريف تنساب القصص والأحداث والشريط يهدم الافكار المسبقة التي يحملها الفرنسيون عن المهاجرين العرب ويبرز انسانية المهاجرين· والحوار في الفيلم كان ثريا بكلمات بسيطة ولكن صدق التعابير وسلاسة الأفكار أعطيا نكهة للفيلم هي نكهة الحياة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©