صلاح الدين.. نجم الدنانير الأيوبية

أسس صلاح الدين يوسف بن أيوب هذه الدولة على أنقاض أملاك الخلافة الفاطمية بكل من مصر والشام في عام 569 هـ ''1173م'' بعد قرابة العامين من حكمه للبلاد بصفته نائبا عن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي· وأضاف صلاح الدين لدولته الاراضي التي كان يحكمها الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين مثل دمشق وحماة وحلب، كما استولى ايضا على اليمن، وإن اعتبر استرداده لبيت المقدس بعد معركة حطين 583هـ أعظم إنجازاته الحربية والسياسية· وعقب وفاة صلاح الدين في عام 589هـ ''1193م'' تعاقب عدد من أمراء البيت الأيوبي على عرش الدولة التي سرعان ما انقسمت الى فروع مختلفة في مصر ودمشق والكرك وحماة وحمص واليمن· ورغم ندرة الذهب في بداية العصر الايوبي بسبب الانفاق الحربي المتزايد واقبال الناس على اكتناز المعادن الثمينة، فإن الايوبيين لم يتوقفوا عن اصدار الدنانير الذهبية وإن كانت بكميات قليلة· أسماء وألقاب وتبدأ دنانير الايوبيين بتلك التي اصدرها صلاح الدين بمدينة الاسكندرية في عام 571هـ، وهي ذات طراز جديد تتوزع كتاباته بين كتابات مركزية وأخرى في ثلاثة هوامش بكل وجه وسجل صلاح الدين اسمه عليه ''يوسف بن أيوب'' مع لقبه ''الملك الناصر'' وسجل معه اسم الخليفة العباسي ''الإمام الحسن المستضييء بالله أمير المؤمنين''، وذلك في اشارة لتبعية دولته من الناحية الدينية للخليفة العباسي السني بعد إسقاط خلافة الفاطميين الاسماعيلية· وإن لم يستطع صلاح الدين ان يتجاوز عادة الفاطميين في الاشارة الى الصلاة على النبي وآله· وعقب نجاحه في استرداد بيت المقدس من أيدي الصليبيين أصدر صلاح الدين طرازا جديدا من الدنانير الذهبية من ضرب مدينة دمشق في عام 583هـ، وفي هذا الطراز أضاف الى اسمه ألقابا جديدة، إذ صار ''صلاح الدنيا والدين سلطان الاسلام والمسلمين''، وذلك تعبيرا ليس فقط عن انتصاره التاريخي في حطين ولكن عن حقيقة أن الخلفاء العباسيين صاروا مجرد شبح لسلطان قديم وصار المحاربون للصليبيين هم بحق من يستحقون لقب سلطان الاسلام والمسلمين· وأصدر العزيز عثمان بن صلاح الدين نقوده بطراز واحد في كل من مصر والشام، وهو طراز له هامشان في كل وجه مع كتابة مركزية، وسجل على دنانيره اسم الخليفة العباسي ''ابوالعباس الناصر لدين الله أمير المؤمنين''، الى جانب اسمه هو ''الملك العزيز عثمان بن يوسف''، ولم يتخل عن استخدام الكلمات التي تشير الى دقة وزن الدينار وارتفاع عياره ''عال- غاية'' وهي كلمات رافقت الاصدارات الذهبية منذ اواخر العصر الفاطمي وظلت تسجل على اغلب الدنانير الايوبية رغم انخفاض وزنها وعيارها· أما الملك العادل سيف الدين أبو بكر والذي تولى الحكم حوالي عشرين عاما فقد سجل الى جانب ذلك اسم ولي عهده الملك الكامل في محاولة لتعزيز موقفه في مواجهة المنافسين له على العرش· وعندما تولى الملك الكامل محمد الحكم في عام 615هـ وظل به عشرين عاما كاملة أحدث تطورا مهما في نقوش الدنانير الذهبية، وذلك بتخليه عن الخط الكوفي الذي رافق النقود الاسلامية منذ تعريبها على يد عبدالملك بن مروان واعتمد على الخط النسخ في تنفيذ نقوش الدنانير ابتداء من عام 622هـ ومن أجمل دنانيره المنقوشة بخط النسخ دينار من ضرب القاهرة في عام 624هـ وسجل به على مركز الوجه ''الإمام المنصور/ أبوجعفر المستنصر/ بالله أمير المؤمنين'' وفي الهامش عبارة السك ''بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالقاهرة سنة أربع وعشرين وستمائة، أما الظهر فقد سجل بمركزه ''الملك الكامل/ ابوالمعالي محمد/ بن أبي بكر'' وفي الهامش ''لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله''· وهكذا اختفت من نقوش دنانير الايوبيين آخر مظاهر التشيع في الصلاة على النبي وآله وظلت هذه الدنانير تحمل اسم الخليفة العباسي الاخير المستنصر الذي قتل على يد المغول عقب سقوط بغداد، ونرى ذلك واضحا في دنانير الملك العادل الثاني من ضرب القاهرة في عام 635هـ وأيضا في دنانير الملك الصالح نجم الدين ايوب آخر حكام الايوبيين والذي وافته المنية أثناء معركة مماليكه مع الصليبيين في المنصورة· دراهم فضية وإلى جانب الدنانير الذهبية التي ضربت جميعها في مصر عدا دينار صلاح الدين عام 583هـ ضرب الايوبيون كميات كبيرة من الدراهم الفضية التي عدت آنذاك النقد الرئيسي في مصر والشام وحسب المصادر التاريخية فإن صلاح الدين أمر في عام 567هـ بإبطال الدراهم الآمرية ''نسبة للآمر بأحكام الله الفاطمي'' وكانت تعرف بالدراهم السوداء لنقاء فضتها وقام بسك وضرب دراهم عرفت لدى المتعاملين في الاسواق بالزيوف لأن 50 في المئة من سبيكتها كانت من النحاس ومعنى ذلك أن قيمتها الحقيقية ''المعدنية'' كانت اقل بمقدار النصف من قيمتها القانونية، مما أوقع أضرارا بالغة بالتجار على وجه الخصوص· ولدينا نماذج مختلفة من الدراهم الايوبية التي حملت عبارات مشابهة لتلك التي سجلت على الدنانير من حيث الاشارة لاسم الخليفة العباسي وألقاب السلطان الايوبي، وإن اعتمدت الدراهم على صيغة مختصرة من شهادة التوحيد دون اضافة اقتباسات قرآنية، فجاءت دوما على هذا النحو ''لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله''، وقد توزعت دور ضرب الدراهم الفضية، فإلى جانب القاهرة ظهرت اسماء دور الضرب في حماة وحلب ودمشق وحمص·