الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رشيد رضا هتف للإصلاح من فوق جبل لبنان

رشيد رضا هتف للإصلاح من فوق جبل لبنان
21 سبتمبر 2007 02:45
الشيخ رشيد رضا أكبر تلاميذ الامام محمد عبده وخليفته في حمل راية الإصلاح والتجديد في الفكر الاسلامي، وظل طوال حياته مفكرا ومصلحا وفقيها يواصل الليل بالنهار لإيقاظ أمته وانقاذها من كبوتها، ومما يحسب له ويميزه انه على غير عادة المفكرين والمصلحين الأفذاذ لم يبدأ دعوته الاصلاحية من القمة، أي لم ينشرها في العواصم كأستاذيه عبده والافغاني، وإنما بثها في القاع، بين أهالي قريته النائية والمجهولة، ولم يترك وسيلة من وسائل التبليغ والدعوة إلا اتخذها منبراً لأفكاره، ويسر له الأمر أنه كان متعدد المواهب والاهتمامات، فقد كان الشيخ رشيد رضا مفكراً إسلامياً غيوراً على دينه، وصحفياً نابهاً أنشأ واحدة من أعرق وأهم مجلات الفكر الاسلامي هي مجلة ''المنار''، كما كان الشيخ كاتباً بليغاً في العديد من الصحف، ومفسراً نابغاً، ومحدثاً متقناً في طليعة محدثي العصر، وأديباً لغوياً، وخطيباً مفوهاً، وسياسياً يشغل نفسه بهموم أمته وقضاياها، ومربياً ومعلماً ورائدا كرس حياته لبعث روح الاصلاح والتجديد في الامة العربية والاسلامية· الشيخ رشيد رضا اسمه بالكامل محمد رشيد بن علي رضا، وأصولة ترجع للإمام الحسين رضي الله عنه وولد بقرية ''القلمون'' على شاطئ البحر المتوسط بجبل لبنان بالقرب من طرابلس في شهر سبتمبر عام ،1865 وكان أبوه السيد ''علي رضا'' شيخاً لقريته وإماما لمسجدها، واهتم بتربيته وتعليمه لكي يخلفه فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب في طفولته، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، وكانت تابعة للدولة العثمانية، وتعلم النحو والصرف ومبادئ الجغرافيا والحساب، وكان التدريس فيها باللغة التركية، غير ان الشيخ رشيد رضا سرعان ما تركها وانتقل إلى المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس سنة ،1882 وهي مدرسة اسسها الشيخ'' حسين الجسر، وكانت أرقى من المدرسة السابقة، والتعليم فيها بالعربية، وتهتم بتدريس العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية، غير انها لم تستمر طويلا، وأغلقت ابوابها بمجرد ان التحق بها الشيخ، وان كانت قد افادته في توثيق علاقته بالشيخ ''حسن الجسر'' فقيه ومعلم وإمام طرابلس في ذلك الوقت، فقد دأب على حضور حلقاته ودروسه، ووجد الشيخ الجسر فيه تلميذا نابها ذكيا فاهتم به ورعاه ثم أجازه لتدريس نفس المواد التي يدرسها هو وهي العلوم الشرعية والعقلية والعربية عام ،1898 وفي نفس الوقت درس الشيخ رشيد رضا الحديث على يد الشيخ ''محمود نشابة'' وأجازه أيضًا لرواية الحديث، كما واظب على حضور دروس بعض علماء طرابلس ومنهم الشيوخ عبدالغني الرافعي ومحمد القاوجي ومحمد الحسيني وغيرهم· وفي تلك الفترة بدأ الشيخ رشيد رضا يجاهر بأفكار التجديد والاصلاح ويسعى لتحقيقها مقتديا بأستاذه الإمام محمد عبده، وعلى غير عادة المفكرين والاصلاحيين الافذاذ لم يذهب بدعوته الاصلاحية الى العواصم او المراكز، ولكنه عاد بها الى قريته الصغيرة، النائية والمجهولة التي اتخذها ميداناً لدعوته الإصلاحية بعد أن تزود بالعلم وتسلح بالمعرفة، فكان يلقي الدروس والخطب في مسجدها الصغير بطريقة سهلة بعيدة عن السجع الذي كان يشيع في الخطب المنبرية آنذاك، ويختار آيات من القرآن يحسن عرضها على جمهوره، ويبسط لهم مسائل الفقه، ويحارب البدع التي كانت شائعة بين أهل قريته· ولم يكتف الشيخ رشيد رضا بحضور الناس دروسه في المسجد على كثرتهم، فقد كان يذهب إلى الناس في التجمعات والمنتديات والمقاهي التي اعتادوا الجلوس فيها، ولم يخجل من جلوسه معهم يعظهم ويحثهم على الاصلاح والتجديد، كما كان يجمع نساء القرية ويلقي عليهن دروس الفقه والفكر واللغة في بيته· وطوال تلك الفترة كان الشيخ رشيد رضا يسير على هدي الامام محمد عبده ويرفع دعوته في الاصلاح والتجديد، ولكنه لم يره شخصيا، وذات يوم رآه، في آخر أيام نفيه في بيروت عقابا على مشاركته في الثورة العرابية، وفي ذلك الوقت كان الامام محمد عبده يلقي دروسه في المدرسة السلطانية ببيروت، وكان قد اجتذب طلبة بيروت والشام عموما بأفكاره الاصلاحية الجديدة، وعلى الفور توثقت علاقة الامام بالشيخ رشيد رضا، وصار تلميذه الأهم، وكان التلميذ النابه شديد الإعجاب بشيخه، حريصاً على اقتفاء أثره في طريق الإصلاح، مؤمنا بأنه خير من يخلف جمال الدين الأفغاني في دعوة إصلاح الفكر الاسلامي وتجديده· لقاء الشيخ رشيد رضا بأستاذه الامام محمد عبده جعله يستصغر قريته ويفكر في مجال اوسع وأكثر تأثيرا لافكاره الاصلاحية، فسافر الى مصر في آواخر القرن التاسع عشر وأقام فترة في الاسكندرية وتجول بين مدن الوجه البحري كطنطا والزقازيق والمنصورة، ثم استقر به المقام في القاهرة، وعلى الفور اتصل بأستاذه الامام محمد عبده، ولم يكد يمضي شهر على نزوله القاهرة حتى صارح شيخه بأنه ينوي أن يجعل الصحافة ميدانا للعمل الإصلاحي، ودارت مناقشات طويلة بين الإمامين الجليلين حول سياسة الصحف وأثرها في المجتمع، وأقنع التلميذ النجيب شيخه بأن الهدف من إنشائه صحيفة هو التربية والتعليم، ونقل الأفكار الصحيحة لمقاومة الجهل والخرافات والبدع، وأنه مستعد للإنفاق عليها سنة أو سنتين دون انتظار ربح منها· وبالفعل أصدر الشيخ رشيد رضا مجلة ''المنار'' بعد أقل من شهرين من وصوله القاهرة، ومنذ عددها الاول حرص على تأكيد أن هدفها هو الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، وبيان أن الإسلام يتفق مع العقل والعلم ومصالح البشر، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام، وتفنيد ما ينسب إليه من الخرافات· ولم تمض خمس سنوات على صدور المجلة حتى أقبل عليها الناس، وانتشرت انتشاراً واسعاً في العالم الإسلامي، واشتهر اسم صاحبها حتى عُرف باسم صاحب المنار، وعرف الناس قدره وعلمه، وصار ملجأهم فيما يعرض لهم من مشكلات، كما جاء العلماء يستزيدون من علمه، وأصبحت مجلته هي المجلة الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©