الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشجاعة (2)

19 سبتمبر 2007 22:26
قيل: لما كان من أمر عبدالرحمن بن الأشعث الكندي ما كان، قال الحجاج: اطلبوا لي شهاب بن حرقة السعدي في الأسرى أو القتلى فوجدوه في الأسرى، فلما أدخل على الحجاج قال له: من أنت؟ قال: أنا شهاب بن حرقة، قال: والله لأقتلنك، قال: ما كان الأمير بالذي يقتلني، قال: ولم؟ قال: لأن فيَّ خصالاً يرغب فيهن الأمير، قال: وما هن؟ قال: ضروب بالصفيحة، هزوم للكثيرة من الكتيبة، أحمي الجار وأذب عن الذمار وأجود على العسر من اليسر غير بطيء عن النصر· قال الحجاج: ما أحسن هذه الخصال فأخبرني بأشد شيء مرَّ عليك، قال: نعم أصلح الله الأمير: بينا أنا أسير، ومركبي وثير، في عصبة من قومي، في ليلتي ويومي، يمضون كالآجادل، في الحرب كالبواسل، أنا المطاع فيهم، في كل ما يليهم، فسرت خمساً عوماً وبعد خمس يوماً، حتى وردت أرضاً، ما إن ترام عرضاً، من بلد البحرين، عند طلوع العين، فهجتهم نهاراً، التمس المغار، حتى إذا كان السحر، من بعد ما غاب القمر، إذا أنا بِعِيرٍ، يقودها خفير، موقرة متاعاً، مقيلة سراعاً، فصلت بالسنان، مع سادة فتيان، فسقتها جميعاً، أحثها سريعاً، أريد رجع عالج، أمعج بالعناجج، أسير في الليالي، خرقاً بعيداً خالياً، وقد لقينا تعباً، وبعد ذاك نصباً، حتى إذا هبطنا، من بعد ما صعدنا، عنت لنا بيدانة، قد كان فيها عانة، رميتها بقوسي، في مهمة كالترس، حتى إذا ما أمعنت، بالقفز ثم درمت، وردت قصراً منهلاً، في جوفه طام حالاً، وعنده خبيمة، في جوفها نعيمة، غزيرة كالشمس، فاقت جميع الأنس، فعجت مهري عندها، حتى وقفت معها، حييت ثم ردت، في لطف وحيت، فقلت يا لعوب، والطفلة العروب، هل عندكم قراء، إذ نحن بالعراء، قالت نعم برحب، في لطف وقرب، أربع هنا عتيداً، ولا تكن بعيداً، حتى يجيئك عامر، مثل الهلال زاهر، فعجت عن قريب، في باطن الكئيب، حتى رأيت عامراً، يحمل ليثاً خادراً، على عتيق سابح، كمثل طود اللامح· قال: وكان الحجاج متكئاً فاستوى جالساً ثم قال: ويحك دعنا من السجع والرجز وخذ في الحديث، قال: نعم أيها الأمير ثم نزل فربط فرسه وجمع حجارة وأوقد عليها ناراً وشق عن بطن الأسد وألقى مرافه في النار فجعلت، أصلح الله الأمير، اسمع للحم الأسد نشيشاً فقالت له نعيمة: قد جاءنا ضيف وأنت في الصيد، قال: فما فعل؟ قالت: ها هو ذاك بظهر الكثيب والخيمة، فأومأت إلي، فأتيتها، فإذا أنا بغلام أمرد كأن وجهه دارة القمر فربط فرسي إلى جنب فرسه ودعاني إلى طعامه فلم أمتنع عن أكل لحم الأسد لشدة الجوع، فأكلت أنا ونعيمة منه بعضه، وأتى الغلام على آخره، فبينما نحن كذلك إذ سمعت وقع حوافر خيل أصحابي فقمت وركبت فرسي وتناولت رمحي وصرت معهم ثم قلت: يا غلام خل عن الجارية ولك ما سواها فقال: ويلك أحفظ الممالحة، قلت: لابد من الجارية وفارس، فالتفت إليها وقال لها: قفي، ثم قال: يا فتيان هل لكم في العافية؟ وإلا فارس وفارس فبرز إليه رجل من أصحابي فقال له الغلام: من أنت؟ فلست أقاتل من لا أعرفه ولا أقاتل إلا كفؤاً أعرفه، فقال: أنا عاصم بن كلبة السعدي، فشد عليه وأنشد يقول: إنك يا عاصم بي لجـاهل إذ رمت أمراً أنت عنه ناكل إني كمي في الحروب باسل ليث إذا اصطك الليوث بازل ضراب هامات العدى منازل قتال أقران الوغى مقاتـل ثم طعنه فقتله· وقال: يا فتيان، هل لكم في العافية؟ وإلا فارس وفارس، فتقدم إليه آخر من أصحابي فقال له الغلام: من أنت؟ فقال: أنا صابر بن حرقة· فشد عليه وأنشأ يقول: إنك والإله لست صـابرا على سنان يجلب المـقـادرا ومنصل مثل الشهاب باترا في كف قزم يمنع الحـرائرا إني إذا رمـت امـرأ فآسرا يكون قرني في الحروب بائرا ثم طعنه فقتله· ثم قال: يا فتيان هل لكم في العافية؟ وإلا فارس لفارس، فلما رأيت ذلك هالني أمره وأشفقت على أصحابي فقلت: احملوا عليه حملة رجل واحد فلما رأى ذلك أنشأ يقول: الآن طاب الموت ثم طابا إذ تطلبون رخصة كعابا ولا نريد بعدها عتابـا فركبت نعيمة فرسها وأخذت رمحاً فما زال يجالدنا ونعيمة حتى قتل منا عشرين رجلاً فأشفقت على أصحالي فقلت: يا غلام قد قبلنا العافية والسلامة· فقال: ما كان أحسن هذا لو كان أولاً ونزلنا وسالمنا· ثم قلت: يا عامر بحق الممالحة من أنت؟ قال: أنا عامر بن حرقة الطائي وهذه ابنة عمي، ونحن في هذه البرية منذ زمان ودهر ما مر بنا إنسي غيركم، فقلت: من أين طعامكم؟ قال حشرات الطير والوحش والسباع· قلت: إن معي مائة من الإبل موقرة متاعاً فخذ منها حاجتك· فقال: لا أرب لي فيها ولو أردت ذلك لكنت أقدر عليه فارتحلنا عنه منصرفين· فقال الحجاج: الآن يا عدو الله طاب قتلك لغدرك بالفتى· قال: كان خروجي على الأمير أصلحه الله أعظم من ذلك فإن عفا عني الأمير رجوت أن لا يؤاخذني بغيره فأطلقه ووصله ورده إلى بلده·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©