الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دنانير صاحب الحمار الخارجي

دنانير صاحب الحمار الخارجي
17 سبتمبر 2007 22:35
ارتبط ظهور الخوارج بقضية الإمامة عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان ''رضي الله عنه'' وما تلا الفتنة الكبرى من صراعات وانقسامات بلغت ذروتها في معركة صفين وقبول الإمام علي بن أبي طالب ''رضي الله عنه'' التحكيم، وهو ما رفضه من صاروا يعرفون منذ ذاك الوقت بالخوارج عندما رفعوا شعارهم ''لا حكم إلا لله''· وخاض الخوارج صراعاً عنيفاً ضد الإمام علي وأنصاره الى أن استشهد الإمام على يد عبدالرحمن بن ملجم المرادي في عام 40هـ، كما خاضوا صراعاً دموياً ضد الأمويين وخاصة في أيام القائديْن عبيدالله بن زياد والحجاج بن يوسف الثقفي، وإن نجح الأخير في تشتيت جموعهم· وأدت الصراعات المتتابعة بالخوارج الى الانقسام على أنفسهم الى حوالي عشرين فرقة مختلفة، وانتهج بعضها مبدأ العمل السري، وابتعدت فرق أخرى عن الجهر بآرائها أخذاً بالتقية، وتدعمت هذه التوجهات بعد نجاح فرقة الإباضية في تأسيس دويلات لها في بلاد المغرب· والحقيقة أن بُعد هذه البلاد عن مراكز الخلافة في دمشق، ثم بعد ذلك في بغداد أغرى الخوارج بنقل أنشطتهم الى تلك البقاع، ووجدت أفكارهم رواجاً كبيراً بين العناصر العربية أو قبائل البربر، لاسيما أن دعوتهم كانت تنطلق من أن الإمامة لابد ان تتم باختيار حر، وأن يكون الإمام المنتخب عالماً بالكتاب والسنة، بينما حصر أهل الجماعة الاختيار في قريش، وقال أنصار علي بن أبي طالب بجعل الإمامة في نسله فقط· ومن الدويلات الخارجية الأولى تلك التي أسسها بالقيروان وافريقية ''تونس'' أبو يزيد الخارجي، وهو من قبيلة بني فرن البربرية، وولد أبو يزيد لتاجر ثري، وهو ما ساعده على التفرغ لتلقي تعاليم الخوارج التي كانت تلقي رواجاً واضحاً على يد الكثير من دعاتهم الذين لجأوا الى المغرب· حكاية الحمار ولكن موت والده دفعه الى العمل كمؤدب للصبيان في القرى، ثم أصبح داعية، وأخذ يثير البربر باسم الدين والحق والحرية ومنَّاهم بتكوين حكومة بعد ما يتخذ من القيروان حاضرة لدولته، وظل أبو يزيد يتنقل على حماره بين القرى والمضارب ليستثير الناس ضد الفاطميين حكام أفريقية آنذاك، وذاع صيته ''صاحب الحمار'' بين الناس، وتزايد مؤيدوه الى ان نجحوا في هزيمة الجيوش الفاطمية في المعركة تلو الأخرى، وتلاشت جيوش الفاطميين تلاشي الثلج في الربيع، أمام سطوة صاحب الحمار الذي تصفه المصادر التاريخية بأنه كان رجلاً قبيح الطلعة، ويتخذ من الصوف الخشن لباساً ولا يمتطي سوى حمار ضامر· ومما ساعد الرجل على تحقيق هذه الانتصارات الحربية الباهرة أن أهل السنة في القيروان تقاطرت زمرهم أفواجاً لتحارب تحت لواء ''صاحب الحمار''، كما حمل الفقهاء والزهاد السلاح لنصرة هذا الداعية الخارجي، وكأنما حمل على عاتقه تحقيق آمالهم وأحلامهم كلها· وما إن دخلت سنة 333هـ ''944م'' حتى كان أبو يزيد يطرق أبواب القيروان ويدخلها بعد هزيمة الفاطميين، ويترحم على الخليفتين الأولين ''أبي بكر وعمر''· وفي خطوة تنم عن براعة وحنكة سياسية طلب القائد الخارجي من أهل القيروان أن يأخذوا أنفسهم بمذهب الإمام مالك، وهو المذهب الشائع بين أهل المغرب، فألغى بذلك أوامر الفاطميين بإبطال المذهب المالكي، فقرت نفوس أهل السنة وغدوا آمنين على أنفسهم، وسارت مواكبهم ترفرف فوقها الأعلام وتدق أمامها الطبول بعد أن حرموا من ذلك أعواماً طويلة، وأخذ أبو يزيد يقودهم بنفسه في هذه الاحتفالات العامة، ثم عاد ليقدم لأهل السنة برهاناً جديداً على جدارته بالتفافهم حوله، إذ أعلن تحالفه مع الخليفة الأموي في قرطبة بالأندلس، وأرسل اليه وفداً من القيروان، وأعقب ذلك بحصار المهدية عاصمة الفاطميين الجديدة، وأوشك أن ينجح في اقتحامها· ويبدو أن نشوة الانتصارات قد أدارت رأس صاحب الحمار فتجاوز وراح يرتكب الأخطاء تباعاً، وكان الخطأ الأول نبذه لمنهج الزهد وتطلعه للأبهة والمظاهر الكاذبة، فاستبدل بعباءته الصوفية الخشنة ثوباً من الحرير وبحماره الأشمط جواداً مطهماً، فكان دماره في هذه الغفلة، إذ تخلى عنه أغلب أتباعه وهم من دعاة المساواة، فقد جرحهم هذا الرجل من حيث لا يدري جرحاً عميقاً في صميم إيمانهم، وغادره بعضهم الى بلادهم ومضاربهم القبلية، بينما انضم آخرون الى اعدائه الفاطميين، وهنا استيقظ أبو يزيد من غفوته، وراح ينبذ مظاهر الأبهة وشارات الترف، وعاد الى عباءته الصوفية الخشنة والى حياته الأولى البسيطة الجافة، ولكن الوقت كان قد تأخر· أما الخطأ الثاني فكان إظهار بغضه لأهل السنة أثناء احدى المعارك، عندما أمر انصاره من الخوارج بترك جند القيروان يلاقون وحدهم نقمة الفاطميين، فاستجابوا لأمره وتخلوا عن رفاقهم في السلاح، وبالفعل قتل الكثير من أهل السنة على يد الفاطميين فاشتد خوفهم من ابي يزيد، ودفعتهم المخاوف الى مهادنة الفاطميين والركون اليهم· وجاءت النهاية بأسرع مما تصور الثائر الخارجي، إذ اضطر الى رفع الحصار عن المهدية ورجع الى القيروان التي تآمر أهلها عليه، فلم ينج من كيدهم إلا بكل مشقة ليدخلها الفاطميون في عام 334هـ، وتسقط الدولة الخارجية بعد عام واحد من تأسيسها، وظل صاحب الحمار يحارب في قلة من أنصاره الأشداء· فيما عدا المماثلة الشكلية لدنانير القائم الفاطمي حملت كتابات الدنانير الخارجية عقيدة الخوارج، بالاضافة الى عبارات أخرى كان الغرض من نقشها الرد على آراء الفاطميين المذهبية، فقد حملت كتابات مركز الوجه عقيدة الخوارج عبر تسجيل شعارهم الشهير ''لا حكم إلا لله''، وذلك ضمن كتابة مركزية من أربعة أسطر متوازية تعلوها عبارة ''ربي الله'' وجاءت الأسطر على هذا النحو: ''لا حكم إلا لله- لا إله إلا الله وحده لا شريك له- الحق المقتدر''، بينما اقتصرت عبارة هامش الوجه على الاشارة لسك الدينار في القيروان ''بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالقيروان سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة''· أما مركز الظهر فقد خصصه أبو يزيد لعبارة ''خاتم النبيين'' بعد استخدام نمط مركز الظهر في الدنانير العباسية التي تضم اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ''محمد رسول الله'' وفوقه مباشرة عبارة ''العزة لله''· وأهم ما يلفت النظر في الدنانير النادرة التي أصدرها ''صاحب الحمار'' هو التزامها بالوزن الشرعي للدينار الإسلامي ''4,25 جرام''· وإذا كان أبو يزيد قد أثبت شعار الخوارج على نقوده ''لا حكم الا لله'' إلا أنه تقيد بشكل دنانير القائم بأمر الله الفاطمي حتى لا يحدث اضطراباً في أسواق القيروان العامرة بدنانير الفاطميين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©