السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واحة البلاغة

واحة البلاغة
17 سبتمبر 2007 22:33
يروى ان أبا عمرو بن العلاء كان في مجلس الحجاج بن يوسف ودار الحديث واستشهد ابو عمرو بآية من القرآن العظيم يقول الله تعالى: ''فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده ''249 (البقرة)، وكلمة غرفة في المصحف المعلم بضم الغين، إلا أن قراءة أبي عمرو بفتح الغين، فقرأها فاتحاً من غرفة وهي قراءته كما سلف فتوقف الحجاج وقال له إنك لحنت، قال: كلا لم ألحن بل إن هذه قراءتي، قال هات الدليل على صحة هذه القراءة، قال: لا دليل لدي إلا ما أعرفه من لغة العرب (ولم تكن هناك قواميس بعد)، قال: إذاً أنزل إلى البيداء والتمس الدليل من أقوال الاعراب، فوكل به حارساً وأمهله ثلاثة أيام، فنزل ومعه الحارس الى البيداء وجعل يلتمس الدليل يحادث من يقابل من الاعراب دون جدوى حتى مرت الأيام الثلاثة وسقط في يده وأيس من بلوغه مبتغاه، فطالبه الشرطي بالعودة، وفي طريق عودته سمع اعرابياً يرعى أغناماً ويتغنى ببعض أبيات من الشعر يقول: لا تضيقن بالأمور فقد يكشف غماؤها بغير احتيال ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال قد يصاب الجبان في آخر الصف وينجو مقارع الأبطال فلما تغنى نطق كلمة (فرجة) بضم الفاء ثم أعاد فنطقها بفتح الفاء، وكلمة (فرجة) مثل كلمة (غرفة) من حيث الوزن، وعلى ذلك فيكون قد عثر على ضالته، إذ في ذلك الدليل على صحة القراءتين، ففرح أبو عمرو وهرع الى الاعرابي وسأله وجعل يستعيد منه ما كان يغنيه وهو يعيد الكيفية فقال له: ما وراءك يا أعرابي؟ قال: لقد مات الحجاج· قال أبو عمرو: فوالله ما عرفت بأيهما أكون أشد سروراً·· أبعثوري على الدليل أم بموت الحجاج؟ ولعله من المفيد الإشارة الى ان الحريري الأديب المعروف صاحب المقامات (القاسم بن علي) ذكر قاعدة جيدة في هذا المجال في كتابه (درة الغواص، في أوهام الخواص) قال إن فعلة بفتح فسكون تدل على العدد، وإن فُعلة بضم فسكون تدل على القدر وفِعلة بكسر فسكون تدل على الهيئة، قال فمن قرأ الآية الشريفة بضم الغين من كلمة (غرفة) وهي قراءة المصحف المعلم فإنما قصد القدر ويعني بها من ملأ كفه من الماء، ومن قرأها بفتح الغين فإنما قصد العدد وهو يعني من اغترف مرة واحدة سواء ملأ كفه أم لم يملأها·· وأما الكسر فمثل قولك أكل الرجل اكلة الجائع· التباس اجتمع اليزيدي مع مروان بن أبي حفصة عند المهدي فبدأ مروان قصيدته فقال: طرقتك زائرة فحي جمالها· فتسرع اليزيدي - وكان متسرعاً إلى تنقص غيره - وقال لحن والله وأنا أبو محمد· فقال له مروان: يا ضعيف الرأي ألمثلي يقال هذا ثم أكمل فقال: بيضاء تخلط بالجمال دلالها· فغضب الجالسون حتى أرادوا أن يحمسوا الخليفة على اليزيدي فقالوا: يا أمير المؤمنين أيصح أن يتكنى في مجلسك؟ فقال لهم اعذروا الشيخ فإن له حرمة! والتفسير ان مروان عندما قال: طرقتك زائرة فحي جمالها، تصور اليزيدي أنه لحن في كلمة زائرة إذ نصبها بينما هي فاعل، وهو في ذلك متسرع لأن الفقرة الثانية بينت ان الفاعل (بيضاء) وأما زائرة فهو حال للفاعل جاء مقدماً عليه، وكان يجب على اليزيدي أن يفهم أن مثل مروان لا يمكن أن يلحن في إعراب الفاعل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©