الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

طاهــــر ريــاض يبحث عن الشبـيــه المجهــول في الشـعـــر

طاهــــر ريــاض يبحث عن الشبـيــه المجهــول في الشـعـــر
17 سبتمبر 2007 00:26
تمثّل تجربة الشّاعر طاهر رياض مع مجموعة قليلة جدّاً من التجارب الشعرية العربية المعاصرة التّيّار الأكثر صلةً بالموضوعة الوجودية وموضوعة الوعي الإنساني بشكلٍ عام··· إنّنا إذا ما تأمّلنا المحطّات التي مرّت بها تجربته سنجد أنّها ومنذ البداية كانت قائمة في تلك المنطقة الحرجة الشكّاكة· فمن (شهوة الريح) و(طقوس الطّين)، مروراً بِـ(العصا العرجاء) و(حلاّج الوقت) و(الأشجار على مهلها)، وانتهاءً بِمجموعته الأخيرة (كأنّه ليل) الصادرة حديثاً عن منشورات رياض الريّس في بيروت تاريخ طويل من الخيبات، وإحساس عارم بالقنوط· وكأنّ الشاعر اهتدى إلى ضالّته· الشّكّ والالتباس كأنّه ليل! لنلاحظ هنا هذا العنوان الملغوم· كان يمكن للديوان أن يحمل اسم ليل فقط، ولكنّ الشاعر أضاف إليه أداة التشبيه كأنّ، فصار العنوان يحتمل هذا المعنى الموارب· فالعنوان لم يعد يتحدّث عن ليل، ولكنّه أصبح يتحدّث عن شيء شبيه بالليل· ما هو هذا الشيء الشبيه بالليل يا تُرى؟ هل هو الحياة الغامضة؟ هل هو طريق المجهول؟ هل هو الجسد؟ الحبّ؟ هل هو الشّعر؟ يحيلنا الليل عادةً إلى أحاسيس متنوّعة فيها الخوف والطمأنينة، القلق والهدوء، العزلة والعناق· وبناء على ذلك فإنّ ما يشبه هذا الليل سيبثّ فينا شيئاً مشابهاً لتلك الأحاسيس· هكذا ومنذ مطالعتنا للعنوان تنبسط تحت أعيننا للوهلة تلك الأرض القلقة، ونهيّئ أنفسنا لتلك الرمال المتحرّكة رمال الشعر حيث اللايقين بانتظارنا وكلّ دواعي الشّكّ والريبة: ''وكأنّه الرّجلُ الذي نسيَ الحكايةَ كلّها، وتحكّهُ عيناه كي يبكي ··· فيضحكُ، كلّما اشتبكتْ بشهوته يداه تخفّفت روحٌ لتحمله بعيداً''· على أرض الشّك والالتباس يقوم مسرح هذه القصيدة· وكلّما توغّلنا في قراءتها كلّما ازددنا بلبلةً· في حيّ الشيخ محيي الدين بن عربي في دمشق حيث نشأ الفتى وترعرع، ثمّة ما يقود خطواته ويوجّهها باتّجاه مشاعر خاصّة· كان كلّ شيء في تلك البيئة يومئ إليه بتلك الإيماءات المبهمة، ويبثّ فيه الحيرة: ففي البيت نرى نافذتين، نافذة مفتوحة على الغياب ونافذة مغلّقة بأمر الغول، أمّا الأحاديث فهي تنسكب على أرض الحجرات مثل أرتال من العناكب! يتعرّض الطّفل في تلك السنوات للرّقية، فيطلّ على عالم كامل من الدّهشة، وحين سيواصل نموّه مع الوقت سيكتشف مبكّراً أسّ الخديعة الكامن في الحياة من خلال تبادل للأدوار سيجريه بينه وبين نفسه مع ذكر النّحل· الأربعيني ومشاغله في إحدى أكثر المحطّات مراوغةً يتوقّف الشاعر في الأربعين، ليسقط مرّةً ثانية في تلك الحمأة العظيمة من الأسئلة· ولذلك فقد راح يعلّي صراخه، ويحاول أن يكتشف اللغز بمزيد من المثابرة· هنا يدخل الشاعر مداراً جديداً من مدارات الليل، ويجد ضالّته في الخمر· تبدو الخمر بمثابة مخلّص محتمَل، ولكنّها في حقيقة الأمر مجرّد قناع آخر مثلها مثل المرأة، والكتابة، يحاول الشاعر من خلالها أن يقتحم غلالة الأشياء: ''كأسٌ لتسري بي، وثانية لتعرج بي، وثالثة لألمس باليدين الضّوء، بالعينين أكسره''· إنّه الذّهاب الأقصى إلى الملغز والمتواري، ويبدو أنّ الخمر تعينه على بلوغ مرماه، ولكنّها ذات دبيب ورخاوة وخطر داهم· وفي هذا تشبه الإقامة في الخمر الإقامة في أرض الشّعر، الأرض التي كلّها عتمة وهذيان· تلك هي اللازمة التي يتردّد صداها في جنبات القصيدة - الديوان بعد كلّ مقطع، كأنّ الشاعر يريد أن يقول لنا إنّ الشعر يلزمه نوع من اللعب الطفولي حتى نستطيع القبض عليه (لعب بزهر النّرد)، وهو لعب قائم على الحظّ أكثر من كونه لعباً قائماً على المنطق، بينما اللعب الجاد لعب العقل والحكمة هو لعب لا يصلح في العادة لمثل هذه المهمّة· تتحرّك القصيدة - الديوان من أوّلها إلى آخرها بما يشبه التّموّجات التي تنبسط حيناً، وتتوتّر حيناً آخر لتقذف بين أيدينا بفواكهها الحلمية من الأسماك والمحارات· إنّها لتمثّل في معنى من معانيها رحلة الشّقاء الإنساني في الحياة، والتّوق للخلاص بالشعر· ثمّة واقع شرس، كون خرب، وفضيحة مجلجلة يميط اللثام عنها المقطع الأخير في القصيدة: '' حكمة الليلةِ لا شيء جديد تحت شمس الليل''·
المصدر: عمّان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©