الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لحية لينين

لحية لينين
15 سبتمبر 2007 21:48
ما تحاول بعض المؤسسات الأميركية والغربية ترويجه لصورة الاتحاد السوفييتي السابق وقادته، ليس في أفضل الأحوال بمختلف عن دعاوى هذا الأخير حول المعسكر الغربي المنحط والمتحلل بفعل خيار التطور الرأسمالي و''النمر الورقي''· ليس بأفضل من هذه الدعاوى التي تجافي بطبيعتها وقائع التاريخ وتنزع دائماً إلى الحط من شأن العدو بالأسلحة المتاحة كافة التي لا يمكن لخطابها أن ينبني إلا على السذاجة والتلقين الأيديولوجي· الدعاية الأميركية خاصة، المنتشية بنصرها التاريخي حقاً، لا تفتأ تطارد شبح المعسكر الحديدي الذي كان يقض أيامها ولياليها ولا يتركها تسرح في واحة أحلامها، الإمبراطورية المتفرده التي تراودها، والتي تحاول تحقيقها في البرهة الراهنة حتى ولو على جثة نصف البشرية أو البشرية جمعاء، من يعرف في ظل أسلحة الإبادة الحالية· بعد أن فرغت ترسانة الكذب والتبشير بقيم الحرية والديمقراطية الموعودة وانكشفت عارية، على أيدي المحافظين الجدد، أمام العالم الذي كانت تراوده بعض الأوهام حول ذلك· ذلك العالم أو النفر الذي صار لا يخفي أسفه إلى عهد الثنائية القطبية الذي كان يلجم هذا الاندفاع الدموي الوحشي الذي يسود ويستفحل في عهد الواحدية الراهنة· الخطاب الدعوي الغربي - الأميركي خاصة ليس بأحسن من سابقه السوفييتي في طمس الحقائق والحط من شأن العدو المخالف في الرأي والتوجه، وإن كان أذكى وأكثر مكراً ولمعاناً، هذا الخطاب بتفريعاته المختلفة الذي أصبح يغطي الكوكب البشري، لا يترك قناة أو نافذة إلا ويحاول احتلالها وضمها إلى موكبه العملاق· وإذا سلمنا بأن التلفزيون أصبح القناة الأكثر حسماً لترويج الدعاوى والتجهيل والعَبطَ، فالسينما التي كانت قبل استفحال التلفزيون وارتفاعه إلى سدة الرئاسة، هي الوسيلة المهيمنة جماهيرياً، وبالرغم من تراجعها ما زالت تشكل أحد مجاري هذا الخطاب ومستنقعاته الكثيرة· ليست قليلة هي الأفلام التي تتناول وتقارب الحقبة السوفييتية ومنظومتها الاشتراكية بأشكال ورؤى مختلفة، يغلب على معظمها السمات التي أشرت إلى بعضها· آخر فيلمين رأيتهما في هذا السياق، فيلم ''حياة الآخرين''، وفيلم ''استالين''، فإذا كان الأول يتناول ظاهرة كانت موجودة ومستفحلة بالفعل في ألمانيا الشرقية، وهي الرقابة المخابراتية على الكتّاب والأدباء حتى على أولئك الموالين للنظام القائم· ومعرفة كل شيء عنهم حتى أدق تفاصيل حياتهم الخاصة ورصد طريقة ممارستهم للجنس وطريقة الأكل والتدخين والاستحمام· حياة ''الآخرين''، وإن كان في المحصلة الأخيرة يندرج في سياق الأفلام الغربيّة التي تكشف وتفضح مساوئ الشرق الاشتراكي السابق، لكنه فيلم بجانب شهادته الصادقة التي تستند إلى رواية واقعية لحياة كاتب في ذلك الشطر الشرقي من ألمانيا، وهو فيلم ألماني، يقدم أيضاً مستوى فنياً راقياً ومميزاً· على العكس تماماً فيلم ''استالين''، الذي هو النموذج الفج للأفلام الدعائية، حيث يظهر القائد السوفييتي في تلك المرحلة المعقدة من تاريخ السوفييت والعالم - وهو التتويج الأقصى لسلسلة الأباطرة، باعتبار أن الشيوعية الروسية، أقرب إلى ''إيفان الرهيب'' منها إلى ''كارل ماركس'' حسب ''كونديرا'' - يظهر شخصاً ''أزعر'' ذا ضحكة أقرب إلى الغوغائية، متآمراً صغيراً، يحيط به أفراد مهرجون تافهون بعد أن صفى نخبة الرفاق·· ''استالين'' الطاغية والدموي، لكنه ضمن وقائع التاريخ ووثائقه وبراهينه هو الذي هزم ''هتلر'' والجيوش النازية وبنى الإمبراطورية المهيبة بصناعاتها الثقيلة، بعد أن أخمد كل الحروب والفتن الداخلية· العصامي المحب للثقافة والموسيقى والشعر، كما أظهر الفيلم في بدايته ليذهب مباشرة إلى التزوير، كما ترسمه دوائر التوجيه المعنوي للعدو النمطي· هذا النوع من الأفلام الموجهة المجافية لمساحة البحث الموضوعي والإبداع الحر تؤدي مفعولاً عكسياً لدى بعض النخب المتعلمة والمثقفة خاصة التي تستشعر بعد المشاهدة والقــراءة بنوع من النزوع المنصف إلى ذلك العدو أو ''اللا صديق'' المرذول والمعتدي على بدهيات تاريخه وحياته فرداً ومرحلة وأفكاراً· في فيلم ''استالين'' لم نر ذلك الرمز الطاغي، الإشكالي التدميري والبناء، خريطة المتناقضات هذه على نمط الديكتاتوريين الحقيقيين ''وليس السماسرة'' كما عرفهم التاريخ· ولم نر تلك الحقبة المفعمة بالأحداث الجسام والتحولات· ووحدها لحية ''لينين'' ظهرت على ذلك النحو المرتب الأنيق· fias@alrahbi.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©