الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما هو حال الفلسفة في المغرب العربي؟

ما هو حال الفلسفة في المغرب العربي؟
14 سبتمبر 2007 23:16
الدكتور سالم يفوت مفكَّر وفيلسوف مغربي بارز، هو صاحب الكثير من الكتب الجادة التي أغنى بها المكتبة العربية، نذكرُ منها: ''العقلانية المعاصرة: بين النقد والحقيقة''، و''حفريات الاستشراق: في نقد العقل الاستشراقي''، و''الفلسفة والعلم في العصر الكلاسيكي''، و''حفريات في المعرفة العربية الإسلامية''، و''الزمان التاريخي: من التاريخ الكلي إلى التواريخ الفعلية''، و''المناحي الجديدة للفكر الفلسفي المعاصر''، و''النَّص والتاريخ''، و''حفريات المعرفة'' لميشيل فوكو (ترجمة عن الفرنسية)· التقينا الدكتور سالم يفوت أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط وكان لنا معه هذا الحوار· ü متى كان ولعكم الأول بالفلسفة؟ üü كان ولعي بالفلسفة منذ أول يوم تعرَّفتُ عليها؛ فهو حب من النظرة الأولى· كان ذلك وأنا مازلت شاباً أدرسُ في التعليم الثانوي حينما وقع بين يدي كتاب في الفلسفة لطلبة البكالوريا، فالتهمته وصرتُ أبحثُ عن كتب الفلسفة في أسواق الكتب القديمة· وتصادف أن كان من حسن حظي في قسم الباكلوريا أن درَّسني الفلسفة أستاذ قدير هو ''مصطفى العمري''، وهو من جيل الأساتذة محمد الجابري وأحمد السطاتي والذي غرس فينا محبَّة الفلسفة· هذا الجيل لم تكن الفلسفة بالنسبة إليه مادة تدرس وكفى، بل كانت قضية ينبغي الدفاع عنها وإشاعتها كمدخل للتنوير والفكر النقدي· منذ تلك السنة قررتُ العزم أن أواصل دراستي الجامعية في الفلسفة· ü كيف حال الفلسفة في مغرب اليوم؟ üü الفلسفة في مغرب اليوم هي على أحسن ما يرام بالنظر إلى عدد أقسامها وأعداد طلابها، وما نشر من مؤلفات فلسفية· وقد أحذت الحكومة الحالية على عاتقها أن تصحِّح بعض الأخطاء التي اُرتكبت في الماضي بحق الفلسفة، فسمحت بفتح أقسام لها في كل الجامعات، والتي يبلغ عددها ،16 كما أصبحت الفلسفة تُدرَّس في سلك الثانوي كله (ثلاث سنوات)· ü هل هناك شرخ أو فاصل بين الفرد والفيلسوف من جهة، وبين الفيلسوف والسلطة من جهة أخرى؟ üü لم يعد يوجد أي شرخ بين الفلسفة من جهة والسلطة والمجتمع من جهة أخرى، بل أصبح ثمة نوع من التمازج العفوي، وهو أمر نابع من الإحساس القوي لدى المشتغلين بالفلسفة بأهميتها في المجتمع والمدرسة، وإحساس السلطة نفسها بأن كل محاولة لإقامة مجتمع حداثي وديمقراطي تتطلَّب فكراً ناقداً ومنفتحاً على كل التجارب المعرفية والعلمية· ü عرفت الفلسفة بعض القمع من طرف السلطة، وتم إلغاؤها في بعض الجامعات لكننا لاحظنا مؤخراً عودة ''نفوذها'' مع الحكومة الحالية· üü التضييق على الفلسفة، في المغرب، أصبح في خبر كان، وأضحى في ذمة التاريخ· حالياً ثمَّة عودة قوية إلى الفلسفة حتمها المناخ السياسي الجديد الذي يعيشه المغرب بقيادة ملك شاب يؤمن بضرورة بناء مشروع مجتمع حداثي ديمقراطي· لذا أقول إن المغرب ربما هو البلد الوحيد (تونس أيضاً) في العالم العربي الذي تُدرَّس فيه فلسفة حقوق الإنسان في كل الأسلاك التعليمية· ورغم ما يبدو ظاهرياً في أن عصرنا هذا هو عصر التكنولوجيا والعلم، فهو أيضاً عصر الفيلسوف؛ لأن الفلسفة هي الإنسان، وحيثما ثمة إنسان فثمة ضرورة الفلسفة· ü هل جاء دور الفلسفة في مكافحة الإرهاب أو الفكر الرجعي الراديكالي؟ üü نعم للفلسفة دور في محاربة الفكر الظلامي بكل أشكاله· إن الفلسفة لا تتحدَّد بموضوعاتها ومضامينها كسائر العلوم، بل تتحدَّد بأهدافها ومقاصدها؛ إنها استراتيجية تتسم بإعمال مبضع النقد وغرس الروح النقدي المستنير في العقول، وتكوين جيل من الشباب الواعي بشرطه التاريخي ومتطلبات ذلك الشرط· ü يعرف المغرب ظهور فلاسفة جُدد من جيل جديد أمثال محمد الشيخ، ومحمد أندلسي، وغيرهم· هل أنتم راضون على مستقبل الفلسفة في المغرب والعالم العربي؟ üü أنتَ تذكرُ باحثين عرفتهما حق المعرفة وخبرت أعمالهما عن قرب؛ فالأستاذ محمد الشيخ عرفته منذ كان طالباً بالليسانس، وقد فاجأني يوماً، وهو طالب بأن أطلَعَني على مشروع كتاب حول ''المثقف والسلطة''، فما ترددت في تشجيعه على نشره، وهو ما تمَّ في ''دار الطليعة'' ببيروت، وبنفس العنوان، مع مقدمة لي؛ وأنا اعتبر محمد الشيخ الخلف المباشر لنا والمعوَّل عليه في الاستمرار بالقطار وحمل المشعل· أما محمد أندلسي، فقد أشرفتُ عليه أثناء تحضير بحثه في الدكتوراه، وهو شاب واعد، يبشِّر بخير· هناك أسماء أخرى تنتمي إلى الجيل نفسه نعوِّلُ عليها في استكمال ما بدأناه· وعليه فنحن راضون كل الرضا على مستقبل الفلسفة بالمغرب لأننا واثقون أنها في أيدٍ أمينة· ذات الشيء يمكن قوله بالنسبة للعالم العربي؛ فوضعية الفلسفة بتونس كوضعيتها لدينا، تبشر بخير كذلك الأمر في لبنان وسورية ومصر والكويت والجزائر· ü في فرنسا وألمانيا تظهر نظريات فلسفية جديدة وأول من يترجم ويتبنى هذه النظريات أو الأفكار هم المغاربة· كيف تفسرون الأمر؟ üü نحن قريبون جغرافياً من أوروبا، بل وحتى تاريخياً؛ ذلك أن الاستعمار الفرنسي دخل بلادنا، لا بنية نهب خيراتها فحسب، بل وبنية تمدينها وجعلها قطعة من أوروبا في إفريقيا· لذا أدخل تنظيماته التعليمية والإدارية والعمرانية والثقافية وغيرها؛ مما جعلنا نستفيد من النواحي الايجابية المتقدمة لديه· فإذا كان النظام التعليمي الفرنسي يفسح مساحة رحبة لتدريس الفلسفة بقسم الباكلوريا (الثانوية العامة ـ ثماني ساعات)، فإن نظامنا فعلَ الشيء نفسه؛ ولعل هذا عامل من عوامل ازدهار الفلسفة لدينا· يضاف إلى هذا أننا وبلدان شمال إفريقيا الأخرى (الجزائر وتونس) السباقون، بين العرب، للقراءة باللغة الفرنسية وغيرها، والأكثر احتكاكاً بالأفكار والمعارف الرائجة بالسوق الثقافية الأوربية· لا غرو إذن إنْ لاحظنا الازدهار الكبير للترجمة لدينا لآخر النظريات التي تظهر هناك، خصوصاً في العلوم الإنسانية· ü هناك في المغرب جيل الكبار: السلطاني، والجابري، وسبيلا، ويفوت· وجيل فلاسفة شباب ولدوا في أواخر الخمسينات وبداية الستينات إن لم نقل السبعينات، ولم يظهر جيل بين جيلكم وبين جيل الشباب، كيف تفسرون الأمر؟ üü إن عملية تقطيع أجيال الفلاسفة بالمغرب ليس بالأمر الهين خصوصاً فيما يتعلق بالأجيال التي بعد جيلنا؛ فهناك تواصل متموِّج بين جيلنا ومن بعده· هؤلاء الآخرون، على العموم، طلبتنا، منهم من حالفه الحظ في نشر أبحاثه فتحوَّل إلى اسم معروف، ومنهم من ينتظر، خصوصاً وأن دور النشر لم تعد كما كانت، تغامر بنشر الكتاب قصد تشجيع الأسماء الجديدة· بل صارت تحتاط كثيراً ولا تغامر إلا مع الأسماء المعروفة، ثمَّة تواصل في مسيرة أجيال الفلسفة ببلادنا، ولم يحدث قط أي انقطاع· ü هل ترون معي أن مسؤولية المُفكِّر والفيلسوف اليوم أكثر مما كانت عليه، لماذا؟ üü مسؤولية الفيلسوف هي في كل العصور· فلكل عصر مشكلاته وأزماته مما يتطلَّب تدخُّل الفيلسوف أما نوعية مشكلات عصرنا هذا فتتمثل في تهديد العولمة للهويات، وانتشار ثقافة الموت متمثلة في الإرهاب· الفيلسوف ملزم اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يعمل على نشر ثقافة الأمل والحياة، ثقافة التنوير والعقل من خلال تكريس ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر المختلف، وتكريس ثقافة التسامح والحوار بين الثقافات والأديان والمذاهب، ونبذ العُنف والقوة والغطرسة·
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©